عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء أمس الأول الخميس 6 سبتنمبر 2012 لقاءً فكريًا لمناقشة حالة الانفلات الامني، ومدى الحاجة الي إعلان حالة الطوارئ أو الحاجة إلى قوانين قمعية جديدة وذلك تحت عنوان “الانفلات الامني هل هو حقيقة أم ادعاء”. اللقاء الذي جاء في إطار صالون ابن رشد ضم كل من إيهاب الخراط رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، حلمي حمدون عميد شرطة بالمعاش ومرشح مجلس الشعب السابق، زياد العليمي المحامي، المستشار هشام جنينة رئيس محكمة الاستئناف والدكتور سيد محمدين لواء شرطة سابق وخبير تدريب العلوم الأمنية وتنمية الموارد البشرية الدولي والعقيد دكتور محمد طلحة بمصلحة الأمن العام وممثل وزارة الداخلية، أدار اللقاء محمد زارع مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
افتتح محمد زارع اللقاء بالإشارة إلى مسئولية الدولة في حماية مواطنيها، تلك المسئولية التي تستوجب من الدولة اتخاذ مجموعة من التدابير، متسائلاً عن طبيعة تلك التدابير وهل القوانين الحالية تفي لقيام الدولة بهذا الدور أم أنها بالفعل تحتاج لإعادة قانون الطوارئ؟ وهل قانون الطوارئ الذي اختبرناه علي مدى 31 عامًا أثبت نجاحًا في الاستقرار الأمني؟
المستشار هشام جنينة رئيس محكمة الاستئناف أكد أن هناك خلل داخل منظومة الشرطة، فهو جهاز مترهل يحتاج لإعادة تنظيم، مسلطًا الضوء علي ضروة النظر لجهاز الشرطة علي أنه جهاز يحتاج إلى مزيد من الاهتمام بالأفراد والتأهيل والتقدير المادي والمعنوي والاعتزاز بالكفاءات وعدم الاستغناء عنهم وكذا محاسبة المقصرين.
ركز جنينة أيضًا علي الصورة السلبية للشرطي لدي المواطن المصري والتي أسهمت في تكوينها مجموعة من العناصر تحتاج جميعها لإعادة تشكيل يساهم فيه رجال الشرطة أولاً، وباقي فئات ومكونات المجتمع تاليًا. مؤكدًا أن النظام السابق سمح للفساد بتخلل جهاز الشرطة مطالبًا المجلس الأعلى للشرطة بالتخلص من تبعيته للرئاسة.
بدأ محمد طلحة كلمته بالتقدير لجهاز الشرطة والذي يستعيد تواجده نسبيًا، مؤكدًا أن العديد من الضباط قد صمدوا في أماكنهم في مواجهة الانفلات الأمني وسقط منهم العديد من الضحايا، مشيرًا أنه في ذروة الانفلات الأمني واقتحام السجون في يناير لم يهرب أكثر من 24 % من إجمالي المساجين، هم نواة الإجرام المنتشر في المجتمع حاليًا.
وعن حقيقة الانفلات الأمني أكد طلحة أن ما نعيشه الآن هو “انفلات مجتمعي” إذ أن كل فئة أو شخص له مجموعة من المطالب يقوم بقطع المواصلات العامة أو بالاعتداء على مبنى عام، والشرطة عليها المواجهة، مطالبًا بتفعيل نصوص القانون إلى جانب وجود تشريع لمواجهة ظاهرة البلطجة.
“الناس لو وجدت بديل عن قطع الطرق ما كانت لجأت إليه” بهذه الجملة بدأ زياد العليمي كلمته تعقيبًا علي كلمة العقيد محمد طلحة، مؤكدًا أنه لم يعد هناك حلول مجدية، كما أن الحقيقة أنه لا توجد إرادة سياسية لعودة جهاز الشرطة لممارسة مهامه، مطالبًا بضرورة إنهاء ثقافة لوم المواطنين المحتجين بدلاً من لوم من دفعهم للاحتجاج.
اعتبر العليمي أيضًا أن العدالة البطيئة قد تؤدي إلى انفجار المجتمع وقد تدفع الشرطة ثمن ذلك، كما طالب بضرورة إنشاء جهاز لتلقي شكاوى المواطنين من أفراد الشرطة والتحقيق في هذه الشكاوى. اختصر العليمي الحل من وجهة نظره في مجموعة نقاط منها إعادة الثقة بين الأمن والمواطنين، إعادة النظر في سياسات الوزارة، واتباع سياسات جديدة تحافظ علي الأمن المجتمعي، مؤكدًا أن تغليظ العقوبات لن يؤدي إلى تلك النتيجة.
من جانبه اعتبر سيد محمدين أن انتقاد جهاز الشرطة لن يؤدي إلى نتيجة وإنما الأهم هو بحث سبل التغيير، معتبرًا أنه من المؤسف أن الدولة لا تستفيد من خبرات أمنية موجودة بداخل الوزارة وخارجها، إذ أن معايير التعيين بالوزارة مازالت مرتبطة بأهل ثقة الحكام وليس أهل الخبرة.
اتفق محمدين مع فكرة غياب الإرادة السياسية للإصلاح، معتبرًا أن التطوير يحتاج تكاتف للجهود من داخل المؤسسة الأمنية وخارجها.
اعتبر محمدين الإصلاح يبدأ من تأهيل طالب كلية الشرطة الذي “يتعذب” في كليته ويخرج لينتقم من المجتمع، مرورًا بإصلاحات حقيقة داخل الجهاز وصولاً إلى وزير الداخلية نفسه، والذي طالبه محمدين أن يبتعد عن المهام الأمنية للوزارة ويتركها لرئيس المجلس الأعلى للشرطة.
بدأ حلمي حمدون كلمته بالتأكيد علي أن الشعب الذي خرج في ثورة يناير لم يكن يحلم باستحداث قانون طوارئ جديد ولم يكن من أهداف ثورته الإبقاء علي حالة الطوارئ، مشيرًا إلى أن ما يتردد حول إعادة قانون الطوارئ يعتبر التفافًا علي إرادة الشعب.
أكد حمدون أن القوانين الحالية كافية جدًا لمواجهة الانفلات الأمني، معترضًا على أية مقترحات بتفعيل قوانين جديدة لمواجهة حالات البلطجة، مشيرًا إلى أن المجلس العسكري قام بتغليظ عقوبات أعمال البلطجة حتى وصلت للإعدام في حالات القتل، مؤكدًا أن الحاجة إلى تطبيق القانون وليس استحداثه.
لخص حمدون مشكلة جهاز الشرطة في عدة نقاط اعتبرها جذور المشكلة وكان أهمها حالة الانهيار والانكسار التي أصابت الضباط أثناء الثورة، وكذا المحاكمات التي طالت العديد منهم والتي صارت شبحًا يهدد قيامهم بواجبهم؛ خوفًا من المسألة أو السجن والعقاب، وكذا اعتبر العميد أن الدولة حملت الشرطة بأعباء لا طاقة لها حيث يتم التعامل مع كافة المشكلات المجتمعية بالمنظور الأمني، حتى أننا استحدثنا شرطة لحماية المستشفيات وأخرى للجوازات وللإعلام وغيرها من التخصصات التي لا علاقة للشرطة بها، بما يعني تفتيت لقدرات هذا الجهاز وتقليلاً من قدرات أعضائه.
في هذا الإطار أكد حمدون أن تعديلات قانون الشرطة جاءت في مجملها شكلية وغير مجدية لا تملك اية رؤية لإعادة الهيكلة والتطوير، رافضًا مصطلح “تطهير الشرطة” معتبرًا أن فيه تجاوزًا علي هذا الجهاز.
إيهاب الخراط بدأ كلمته بالتأكيد علي ضرورة تغيير الصورة الذهنية السلبية للضابط، معتبرًا أن إعادة هيكلة جهاز الشرطة تتطلب أبعاد تشريعية وتأهيلية ومجتعية، داخل الجهاز وخارجه. معتبرًا أنه لابد من محاسبة الفاسدين من جهة ومصالحة الأكفاء من جهة أخرى ومراعاة الظروف المادية والمعيشية لصغار الضباط والأمناء والعساكر.
كما شدد الخراط علي ضرورة استحداث تشريعات تمكن الشرطة من أداء دورها وتُمكنّا من محاسبتها، كأن يكون لدينا قوانين للجرائم السياسية، وقوانين تعاقب علي الجرائم ضد الإنسانية من قبل جهاز الأمن أثناء قمع الاحتجاجات أو المظاهرات، وأخرى تنظم الهيكل المالي لهذا الجهاز، علاوة علي أهمية تطوير جهاز النائب العام.
واختتم العليمي اللقاء بقوله “انتهاكات الشرطة لا تزال مستمرة يوميًا وهو ما يؤكد عدم جدية دعاوى إعادة الهيكلة“.
Share this Post