محمد سيد سعيد
جريدة البديل، 30 ديسمبر 2008
يتنادى الكتاب العرب إلى حلول شتى للتصدي للعدوان الإسرائيلي الإجرامي ضد شعب غزة.. ولكنهم ينسون أنهم لا يحصلون على حل إلا بالقدر الذي ناضلوا من أجله. فالجماهير الشعبية خرجت للتظاهر في عدد من العواصم بقدر ما طورت تراثًا من التظاهر والاحتجاج السياسي، أو بقدر دورها في المسرح السياسي أو الفضاء العام في بلادها. هذا هو الفارق مثلًا بين المظاهرات «المليونية» في المغرب والمظاهرات «العشرية» في مصر.
وبالطبع المظاهرات والاحتجاجات ليست حلًا إلا بالقدر الذي تؤثر به على عملية صنع السياسة.. وبهذا المعني يتباين التأثير بين حالات قليلة للغاية يستجيب فيها الحاكم أو نظام الحكم لمشاعر ورأي شعبه بصورة إيجابية.. وهنا أيضًا نتذكر حالة المغرب، وحالة أغلبية نظم الحكم العربية التي لا تأبه مطلقًا تقريبًا للدعوات الصادرة عن الشعب، وهناك حالة مصر التي يأخذ فيها الحاكم قرارات معاكسة لرأي شعبه. ولذلك تنقطع الصلة تمامًا بين القمة والقاع، أو بين الحكومات والشعب في العالم العربي. ولكن الجديد أن القمم العربية نفسها صارت تعكس انقطاع الصلة بين الحكام العرب أنفسهم.
ولنفترض أنهم نجحوا في عقد قمة.. وهو أمر أشك فيه بنسبة 99% فماذا سيكون لديهم من خيارات؟ هناك خياران تقليديان في التعامل مع القضية الفلسطينية، الأول يذهب بالعرب إلى الأمم المتحدة.. وهناك سيجدون الأبواب موصدة لأن حليفهم الأمريكي وعد إسرائيل بحماية دبلوماسية وسياسية كاملة، أيًا كانت الجرائم والتهديدات للسلم الدولي التي ترتكبها هذه الدولة، لذلك ينتهي الأمر دائمًا بالخيار أو البديل الثاني الجاهز، وهو المال، حيث يتعهد الأغنياء العرب بإغداق المال على الشعب الفلسطيني ويدفعون «دفعة أولى» غالبًا ما تكون رمزية ثم ينسون وتنسى.
والحقيقة أنه لم تعد هناك فرصة حقيقية في تطبيق أي من هذين الخيارين الآن. فالقمة لن تنعقد وإن انعقد مجلس طارئ للجامعة العربية فسوف يغرق في الخلافات التقليدية والمستحدثة، وخاصة بين المحور السوري من ناحية، والمحور المصري/السعودي من ناحية أخرى، وقد تبرز قطر باعتبارها زعيمة الأمة العربية والقوة النافذة في مؤسسة الجامعة أو القمة.. ولكنها لن تفعل بأكثر مما تقبله أمريكا وإسرائيل.
القمة لن تنجز شيئًا لم تناضل النظم ولا الشعوب العربية لتحقيقه.. ولكن هذا نصف الحقيقة النصف الآخر يقول إن نظم الحكم العربية، «ناضلت» فعلًا لتحوز ثقة أمريكا والغرب عمومًا.. وقد وصلت بهذا النضال إلى مستويات، بل إلى طرق غير مسبوقة.. فهي قطعت الصلة فعليًا مع الانتماء العربي.. ومع القضية الفلسطينية.. اللهم إلا من باب الحرج.
وحتى هذا الباب لم يعد مفتوحًا.. وترتكب نظم عربية خيانات فاضحة ما إن تنظر من خلف هذا الباب فلا تجد شعوبًا مهتمة.
Share this Post