جاءت الخسارة التي مني بها مرشحوا تيار الاستقلال في انتخابات نادي القضاة الأخيرة أمام قائمة المرشحين المدعومة من قبل الحكومة لتطرح على بساط البحث والدراسة عددا من التساؤلات بشأن مستقبل تيار الإصلاح في مصر على ضوء نتائج تلك الانتخابات، وما إذا كان أنصار تيار الاستقلال قد ارتكبوا أخطاء أدت إلى تراجعهم عن صدارة المشهد السياسي والنقابي في البلاد بعد بضع سنوات احتلوا فيها تلك المكانة فيما سمي بسنوات الحراك السياسي والاجتماعي.
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان؛ وفي إطار صالون بن رشد سعى إلى الإجابة عن تلك التساؤلات في ندوة نظمها بعنوان: “مستقبل تيار الإصلاح في مصر… على ضوء انتخابات نادي القضاة” أدارها بهي الدين حسن مدير المركز، وأطلق في بدايتها نقاشا ساخنا حين اعتبر أن الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية” تواجه تراجعا في أدائها عن تلك الفترة التي تلت تدشينها في الشارع السياسي المصري.
كذلك رأى الدكتور/ عمرو الشوبكي رئيس برنامج الدراسات العربية الأوروبية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية أنه رغم الدور الذي لعبته بعض الحركات الاحتجاجية – وفي المقدمة منها حركة كفاية – في السنوات الأخيرة؛ إلا أن هذا النمط من الاحتجاجات أخذ في التراجع لصالح تصاعد أنماط جديدة من الاحتجاجات، مشيرا إلى أن من بين تلك الأنماط الاحتجاجات الاجتماعية ذات الطابع العشوائي والفردي والتي ارتبطت في الغالب بمطالب خاصة بتحسين ظروف العمل.
واستطرد الشوبكي مشيرا إلى أن الحكومة نجحت بالفعل في أن تربح لصالح مرشحين مدعومين منها عددا من الانتخابات، كما جري في انتخابات نقابة الصحفيين ونادي القضاة، موضحا أن هذا الانتصار الذي تتصور الحكومة أنها أنجزته، من الممكن أن يدخل بالبلاد إلى مرحلة أكثر خطورة، في حال إذا كنا بالفعل أمام تيار إصلاحي منظم وقادر على التواصل مع جمهوره وأنصاره، وإذا ما سعت الحكومة لاستبعاد وإقصاء هذا التيار، بما سيعني فتح المجال واسعا أمام مزيد من حالات الاحتجاج العشوائي وغير المنظم مع ما يصحب ذلك من احتمالات بتحولها من حالات للاحتجاج إلى أحداث عنف مثلما جري في أحداث المحلة.
واعتبر الدكتور عمرو الشوبكي في جانب آخر من حديثه أن الجهد الكبير الذي بذلته الحكومة لاستبعاد مرشحي الاستقلال يعطي مؤشرا على عدم الرغبة من جانبها في الحوار والتفاعل النقدي مع التيارات الإصلاحية الجديدة، لافتا إلى أن تيار الاستقلال القضائي كان صرخة احتجاج على التجاوزات في مهنة القضاء وعلى التدخلات الحكومية في الانتخابات، وأن معاداة الحكومة لهذا التيار تعني دعمها لما رفضه هؤلاء القضاة الإصلاحيون، ما يفقد قطاعا كبيرا من الشارع المصري ثقته في قضاته ويفتح الباب أمام الاحتجاجات العفوية.
وطرح الشوبكي في نهاية حديثه تساؤلا “عما إذا كانت أحزاب وقوى المعارضة ولغة الصحف المعارضة والخاصة مسئولة جزئيا عن خسارة التيار الإصلاحي في انتخابات القضاة؟” مفسرا ذلك بأن تلك القوى وهذه الصحف تعاملت مع القضاة “كتنظيم أو حزب سياسي”، كما تعاملت مع انتخابات القضاة كجزء من الساحة السياسية ما أدي إلى إخافة جانب من القضاة، واتجاههم للتصويت لغير صالح مرشحي الاستقلال معتبرا أن نبرة التسييس كانت أعلى مما تحتمله فئة محافظة كالقضاة.
روح كفاية
جورج إسحاق المنسق العام السابق لحركة كفاية رفض في بداية حديثه ما تردد بشأن انهيار الحركة وقال أن كل ما يجري في المجتمع المصري في الفترة الأخيرة هو من روح كفاية، معتبرا أن الحركة نجحت في ضرب ثقافة الخوف لدي المواطن المصري وحصلت على حق الإضراب وعلى حق توجيه النقد لرئيس الدولة، وهو ما كان محرما قبل ظهور الحركة، ومشيرا إلى أن المجتمع المصري شهد تغييرات في موازين القوى بفعل الحراك الاجتماعي والسياسي الذي جري في تلك السنوات، لافتا إلى أن هناك فارق بين التغيير المطلوب والتغيير الممكن.
وتناول اسحاق بداية الصلة بين حركة كفاية والقضاة؛ وقال أن الحركة أعلنت رفضها الاستفتاء على تغيير بعض مواد الدستور فيما يتعلق بانتخاب رئيس الدولة، وأن نادي القضاة أصدر تقريرا أكد فيه بطلان الاستفتاء، وهو التقرير الذي قام القاضي الإصلاحي المستشار/ حسام الغرياني بالتوقيع عليه، مضيفا أن تضامن الحركة مع القضاة ازداد بعد إحالة كلاً من المستشارين محمود مكي وهشام البسطويسي إلى لجنة الصلاحية.
وأكد إسحاق أن حركة القضاة في العام 2005 كان يمكن لها أن تقود إلى تغيير فعلي بالبلاد لولا ركون القضاة إلى الحوار مع الدولة، معتبرا أن القضية الرئيسية التي يجب على الجميع التركيز عليها في الوقت الراهن هي توافر العدالة لكل فئات الشعب المصري دون تمييز أو استثناء، إضافة إلى تجديد المطالبة بالإشراف القضائي الكامل على أية عملية انتخابية تجري بالبلاد، والعمل على الوصول إلى نظام سياسي يقوم على تعددية حقيقية واحترام حقوق المواطنة، وكذلك الوصول بالمجتمع إلى أن يعلي من شأن الحرية كقيمة حاكمة في علاقة المواطن بالدولة ومؤسساتها.
وقد أشار اسحاق إلى أن “كفاية” مستمرة في مسعاها لتشكيل ائتلاف وطني يجمع كل قوى وجماعات المعارضة، منتقدا ما وصفه بتحول النخب الحاكمة إلى جماعات مصالح ضيقة ومحزنة للغاية.
ليست كارثة
الدكتور/ محمد أبو الغار المنسق العام لحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات والأستاذ بكلية طب قصر العيني، اعتبر أن ما جرى في انتخابات نادي القضاة ومن قبلهم نقابة الصحفيين لا يشكل كارثة، مستندا في ذلك إلى أن فارق الأصوات بين القائمة المنتصرة في انتخابات القضاة وقائمة الاستقلال غير كبير، مرجعا حدوث الفارق إلى تغير نوعية الحضور للاقتراع في الانتخابات، إضافة إلى تأثير الظروف والعوامل الاقتصادية على الناخبين، مضيفا أن الحكومة في انتخابات القضاة لم تتصرف بشكل خائب وإنما دفعت بمرشحين لديهم سمعة طيبة.
ولفت أبو الغار إلى التضامن الاجتماعي الواسع الذي حظيت به حركة القضاة في عام 2005، مدللا على ذلك بإصدار الجامعة لأول مرة بيانا حول شأن غير أكاديمي وكان بيان تضامن مع القضاة في ذلك الوقت، ورأى أن نادي القضاة بتشكيله الجديد لن يأتي بكارثة وكذلك مجلس نقابة الصحفيين لسعي كل منهما إلى النجاح في انتخابات أخرى قادمة.
قال أبو الغار أن الأحزاب السياسية الشرعية ماتت ولا يجب انتظار دور منها في عملية التغيير بالبلاد ولفت إلى أن المطالب الفئوية أصبحت هي المحرك الأول لكل الاحتجاجات في الفترة الأخيرة، مدللا على ذلك بإقبال أساتذة الجامعات على الاستجابة لدعوي الإضراب عندما تعلق الأمر بالمرتبات والمطالب الفئوية.
تدخل حكومي
من جانبه بدأ جمال فهمي عضو مجلس نقابة الصحفيين حديثه بالتأكيد على أن ما جرى في انتخابات القضاة لا يعد هزيمة وإنما عدم وجود ظروف مواتية ليحقق نضال تيار الاستقلال الكثير من مطالبه في الوقت الحالي وقال أن استقلال القضاء والحق في دولة ديمقراطية هي قضايا لا تخص القضاة وحدهم، مشيرا إلى أن الدولة تدخلت بشكل مباشر في انتخابات القضاة، وهو ما جري أيضا من قبل في انتخابات الصحفيين، عبر استخدام أدواتها المختلفة واستغلال الظروف الاقتصادية للتأثير في جمهور الناخبين.
وأكد فهمي أنه ليس مطلوبا تحقيق النصر في معركة التغيير بالضربة القاضية، ولكن أن يتم تقدير المكاسب والخسائر بطريقة واقعية، معتبرا أن التيار الإصلاحي حقق مكاسب فيما يتعلق بزيادة الوعي بقضية الديمقراطية واستقلال القضاء بشكل لا يسمح بالعودة للخلف.