شهد صالون ابن رشد بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة ساخنة تحت عنوان “مستقبل الإسلام السياسي بعد احتلال العراق وتفجيرات الرياض والمغرب”.
في البداية أكد بهي الدين حسن مدير المركز أن هناك سمات سياسية وفكرية مشتركة بين الإسلام السياسي ومرتكزات الصدامية –نسبة لصدام حسين- في العالم العربي ومنها الاستعداد للجوء للعنف في مواجهة المعارضين تحت منطلق يأخذ صفة القداسة وقال إنه إذا كان هناك سؤال قد أثير بشأن انتهاء الصدامية كتيار سياسي في العالم العربي فإن السؤال يجدد نفسه بالنسبة للإسلام السياسي.
رأى بهي أن من أسباب إثارة هذا التساؤل أيضا إطلاق البعض لدعوة الجهاد إبان الغزو الأمريكي للعراق دون ناتج عملي لهذه الدعوة على الأرض مشيرا إلى أن ما يسمى بالإسلام السني قد سكت عن التمييز الذي تعرض له المسلمون الشيعة وأن الصوت الوحيد الذي دافع عنهم هو منظمات حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن التفجيرات التي وقعت في الرياض والدار البيضاء حولت الحديث عن جماعات الإسلام السياسي المسلحة إلى ضرورة مراجعة الخطاب الديني كله بصرف النظر عما إذا كان هذا الخطاب يحث على العنف بالمعنى المباشر للكلمة أم لا؟ وذهب نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى وجود سيناريوهات ثلاثة لمستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية تتمثل في النبذ والإقصاء أو الإدماج الجزئي أو الإدماج الكلي. وتحدث عن السيناريو الأول فأشار إلى أن –النبذ والإقصاء- ينهض على مجموعة من المقومات منها أن طبيعة الدولة المصرية منذ ثورة 23 يوليو 1952 تقوم على ضرورة تأميم الدين والتصدي لكافة الجماعات التي تحاول الاستيلاء عليه أو توظيفه لأهداف سياسية وأن الدولة دائما ما تعتبر سعي جماعة ما لاحتكار الدين أو توظيفه إنما يمثل تهديدا.
وأضاف عبد الفتاح إن تراكمات الخبرات السياسية تشير إلى ضرورة استبعاد القوى الإسلامية في ضوء تاريخ علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع تنظيم الضباط الأحرار والتاريخ الممتد من المصادمات والاعتقالات مع الحكومات المتعاقبة بعد 1952 حتى الآن.
لفت عبد الفتاح إلى استخدام الصفوة الحاكمة في مصر أيضا للدين في السياسة في إطار عدد من الوظائف منها بناء الشرعية السياسية والتعبئة والحشد الجماهيري واستخدامه كأداة لاستبعاد قوى أخرى كالشيوعيين أو الناصريين، إلى جانب استخدامه كإحدى أدوات السياسة الخارجية، سواء في العلاقة مع العالم العربي والإسلامي أو العالم الغربي كما هو الحال بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية.
انتقل عبد الفتاح إلى السيناريو الثاني في مصر الإدماج الجزئي فأشار إلى أنه يعتمد على عدد من المقومات من بينها المطالبات الدولية بإتاحة الفرصة للأجيال والقوى المختلفة بالمشاركة السياسية إلى جانب ضغوط المنظمات الحقوقية الدفاعية للإفراج عن المعتقلين من الإسلاميين، وأشار إلى أنه يمكن المزاوجة بين الإدماج الجزئي لجماعات الإسلام السياسي والإصلاحات الجزئية في بعض المجالات كالنظام التعليمي الذي اعتبره عبد الفتاح منتجا لأردأ مستويات التعليم في تاريخ مصر الحديث منذ محمد علي معتبرا أن الإصلاح في مجال التعليم سيؤدي لخلق بيئة للحوار تدفع لدعم التيار الديني المعتدل في الانفتاح والاندماج في المجتمع.
اعتبر عبد الفتاح أن الإدماج الجزئي لقوى الإسلام السياسي، سوف يؤدي إلى أن تنحو هذه القوى نحو تقديم مزيد من التنازلات في هذه البيئة الإصلاحية إلى جانب تجديد بعض مصادر شرعية النظام السياسي.
وتحدث عن السيناريو الثالث وهو الإدماج الكلي، فقال إنه إذا قام تنظيم القاعدة بمجموعة من العمليات الجديدة داخل أمريكا فإن ذلك سيولد ضغوطا على الإدارة الأمريكية للقيام بممارسات مختلفة للتعامل مع ملف الجماعات الإرهابية والضغط على حكومات المنطقة للقيام بإصلاحات سياسية تفتح المجال بالضرورة أمام الجماعات التي تستند إلى قاعدة اجتماعية للانخراط في المجتمع، لكن عبد الفتاح اعترف بصعوبة تحقيق هذا السيناريو كاملا مؤكدا ميله لترجيح السيناريو الثاني القائم على الإدماج الجزئي.
وقال نحن نعيش فيما يسمى بفترة “فتح المندل السياسي” حيث لا يوجد قدرة لدى أحد على التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه الوضع السياسي في مصر الفترة المقبلة، سواء محليا أو إقليميا أو دوليا.
تحفظ
وتحدث الدكتور عصام العريان عضو مجلس الشعب السابق وأحد قيادات جيل الوسط بجماعة الإخوان المسلمين فأبدى تحفظه بداية على تسمية الإسلام السياسي على اعتبار أنها تمثل اجتزاء يخل بالفهم للإسلام كدين شامل وعام لكل البشرية. قال العريان إن المستقبل يحمل ضبابية شديدة وغموضا وأن فترة فتح المندل السياسي، ليست وليدة اليوم، ولكنها بدأت منذ زمن طويل. أضاف العريان أن الهاجس الذي يهدد مستقبل الاحتلال الأمريكي للعراق هو الحضور الإسلامي والتخوف من مسألة “حزب الله” جديد في العراق، مدللا على ذلك بالتهديدات الأمريكية لكل من إيران وسوريا ولبنان وحزب الله والسعي لتحقيق استقرار نسبي في فلسطين على حساب المقاومة الإسلامية، مشيرا إلى أنه خارج هذا الإطار يظل ما يسمى “بالبعبع الإسلامي” هو الأكثر تخويفا حيث التخوف من أن تأتي تجربة ديمقراطية في المنطقة بالإسلاميين للحكم بما يمثل واقعا شديد الثقل وهاجسا على مستقبل أية عملية ديمقراطية، وقال إن هذا الأمر أضيف إليه مؤخرا المشهد الأكثر عنفا والذي تم التركيز عليه في تفجيرات الرياض والدار البيضاء.
قال العريان إن الحضور الإسلامي هو الأكثر تهيئة للحضور الأقوى في المستقبل، رغم كل محاولات النبذ أو الإدماج الجزئي. اعتبر العريان أن الإخوان المسلمين هم أول من ندد بما جرى في حلابجة في العراق في الثمانينيات واستخدام السلاح الكيماوي فيها وأنه كانت هناك وساطات لتخفيف أحكام الإعدام التي صدرت هناك.
انتقد العريان بشدة ما وصفه بخلط الأوراق وربط الصدامية بالإسلام، وقال إن منظمات حقوق الإنسان ليست هى وحدها التي نددت بما كان يجري في العراق. واعتبر أن أفضل المسارات بالنسبة لما هو مطروح هو الإدماج الجزئي للإسلاميين وقال إن مسار الإصلاح الداخلي تفرضه الضرورة الوطنية وأن هناك دولا اتخذت خطوات بالفعل في هذا المجال مثل المغرب والأردن واليمن وغيرها وأن مصر بلد بعيد عن العنف، خاصة بعد أن تخلى الفصيل الرئيسي –الجماعات الإسلامية- عنه وأعلنوا إدانتهم للتفجيرات الأخيرة في الرياض والدار البيضاء، بما أوضح أن التيار الديني الرئيسي كان ضد هذه العمليات.
ومن ناحية أخرى قال العريان نحن نرفض أي إصلاح قهري يتم بالضغوط الخارجية لأنه لن يكون عن قناعة وستشارك فيه قوى سيتم اتهامها في وطنيتها بما لن يؤدي إلى أية إصلاحات حقيقية. قال العريان إن نموذج الإدماج الذي تم في المغرب والأردن ولبنان واليمن والكويت ويتم بصورة أو بأخرى في قطر يجب أن يعلي من شأنه أمام نموذج التضعيف والتهميش والإقصاء، فيجب أن يقف ضده كل وطني مخلص. ودعا القوى السياسية إلى عدم الدخول في مزايدات بين بعضها البعض وإعادة النظر في الموقف من التيار الإسلامي مؤكدا أن المستقبل هو للإسلام الذي يمثل الهوية الحضارية والمرجعية الفكرية للأمة والقادر على إنتاج عطاء إنساني يتوازى مع كل الحضارات الأخرى وفي نفس الوقت يعطي الأمة الإسلامية التميز والاستقلالية.
زوايا
وتحدث الدكتور عاطف أحمد، فتناول الموضوع من زوايا ثلاث هى: أولا: تحديد الخصائص العامة للاحتلال الأمريكي للعراق وما قد يستتبعه من تطورات في المنطقة، ثانيا: تحديد ملامح تيارات الفكر الديني، ثالثا: أهمية تحديث الفكر الإسلامي كما يراها بعض المفكرين ذوي الثقافة الحديثة والتوجه الإسلامي في نفس الوقت.
أما عن الزاوية الأولى وهى تحديد الخصائص العامة للاحتلال الأمريكي للعراق فقد أشار د. عاطف أحمد إلى أن هذا الاحتلال لم يكن مجرد غزو قوة عظمى لبلد مستقل ذي سيادة كما كان يحدث في الحقبة الاستعمارية من التاريخ الحديث، ولكنه حدث متعدد المستويات والدلالات حيث أكد وجسد أهمية التفوق التكنولوجي والاقتصادي وكان له تأثير مزدوج على مجتمعات ودول المنطقة حيث يستثير شعورا قويا وحادا معاديا للاحتلال ومعبرا عن المقاومة وعن التمسك بالهوية الثقافية التراثية على المستوى النفسي والأيديولوجي. وفي نفس الوقت فإن الحضور الطاغي للمعتدي المهيمن قد يولد –لا شعوريا على الأقل- رغبة في محاكاة قوته من خلال محاولة اكتساب بعض خصائصه المميزة والسعي إلى التماهي معها.
أشار أحمد إلى أن غزو العراق حدث في سياق إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة بما يحقق المصالح الأمريكية وترافق ذلك مع اكتشاف وافتضاح الوهم العربي الكبير بالقوة والسيادة والقدرة على الصمود بما يمثله ذلك من دلالات ثقافية وأيديولوجية متنوعة، وبما يؤدي إليه من شعور بالضآلة وبالانسحاق أمام المحتل الغربي ذي الديانة المختلفة والحضارة المختلفة إلى جانب أن التحكم في سوق النفط العالمي من قبل القوة الأمريكية سيخلخل كثيرا من أهمية دول ذات شأن في المنطقة كانت تعتمد على وضعيتها النفطية في فرض إرادتها واستعلائها على الدول العربية الأخرى.
ملامح
وانتقل عاطف أحمد إلى الزاوية الثانية وهى تحديد ملامح تيارات الفكر الديني حيث فرق بين تيارات دينية ثلاثة هى في رأيه التيار المؤسسي الرسمي وتيار جماعات العنف وتيار جماعة الإخوان المسلمين، فأشار إلى أن التيار المؤسسي الرسمي يتكون أساسا من موظفين دينيين لدى الحكومات، كما هو الحال في مؤسسة الأزهر. وقال إن هذا التيار يتسم بالسلفية السنية وبالطابع الفقهي التقليدي وبالامتناع عن الدخول إلى مجالات السياسة حيث إنه محافظ بطبيعته ويعتمد على بعض الاتجاهات التراثية دون غيرها وكثيرا ما يصدر فقهاؤه فتاوى وآراء تتوافق مع اتجاهات السلطة. واعتبر أحمد أن مثل هذا التيار هو أقل التيارات تأثرا بأحداث الاحتلال أو بأية أحداث أخرى، ما لم يمس أوضاعهم أو مكانتهم الشخصية أو وضعهم الوظيفي.
وأشار إلى أن تيار العنف الديني يتجسد في جماعات أيديولوجية اجتماعية مغلقة، تمنحها رجعيتها الدينية يقينا مطلقا لا تجده في سواه وتمنح أعضاءها شعوراً بالتسامي والاستشهاد والتعالي على الأوضاع الاجتماعية التي يعيشون على هامشها وتمنحهم مشروعية فيما يكنونه من عداء عميق لما هو أهم، فيصبح العنف المنظم تعبيرا مباشرا عن تمردهم على أوضاع لا يستطيعون التعايش معها ولا يستطيعون تجنبها في نفس الوقت. أما تيار الإخوان المسلمين –والكلام لعاطف أحمد- فهو تيار شعبي النشأة يقوم أساسا على تنظيم مؤسس مستقل عن السلطة وعن الأزهر في وقت واحد.
اعتبر أحمد أن جماعة الإخوان هى التيار الذي ينطبق عليه الإسلام السياسي أكثر من سواه من حيث إنه يستخدم مفردات دينية للتعبير عن مشروع سياسي، ومن حيث إنه يتقبل إنجازات العصر من تنظيمات وطرق إدارة المجتمع وتطور تكنولوجي، بل وقيم عقلانية وإن فسرت على نحو خاص بهم، إلى جانب أنه التيار الذي يقبل أفراده الدخول في اللعبة الديمقراطية، خاصة حين يتوقعون الفوز فيها وحتى لو كان ذلك من أجل إلغاء قواعدها حين يتسلمون السلطة، إلى جانب أنهم يتسمون بمرونة بالغة في المفاوضات والتحالفات التي يرون أنها يمكن أن تقوى من وضعهم بصرف النظر عن التوجهات الأيديولوجية لأطراف التفاوض الأخرى.
وبينما رأى أحمد أن سمات جماعات العنف الديني تجعل منهم وقودا خصبا لعمليات فدائية استشهادية متزايدة، كتعبير عن الغضب المتفجر الذي يبدو أنه قد اكتسب شرعية بعد التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي صدرت عن راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، فإنه رأى أن خصائص جماعة الإخوان المسلمين تجعلها تيارا قابلا للتكيف مع المتغيرات بمختلف أنواعها من ناحية، لكنه من ناحية أخرى وعلى مستوى آخر فإن هذه الخصائص ذاتها قد تواجهه بتناقضات تبدو بلا حل.
تحديث
ورأى عاطف أحمد أن تحديث الفكر الديني هو السبيل الوحيد أمام العرب والمسلمين لكي يتمكنوا من التكيف مع متغيرات العصر والسيطرة على واقعهم، مشيرا إلى اشتراك ثلاثة مفكرين في تشخيص الأزمة التي يعاني منها الفكر الديني الحديث على أنها أساسا أزمة منهج ورؤية لكيفية فهم النص القرآني وهم البروفيسور فضل الرحمن وعبد الله النعيم وضياء الدين سردار.
وأكد الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجلس الشعب وعميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر سابقا، أن التحدي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الأمة العربية والإسلامية حاليا هو التحدي الأكبر في تاريخ هذه الأمة حيث تقود أمريكا هجمة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وتوسعية ودينية ضد دول المنطقة معتبرا أن الشعب المصري هو المؤهل لمواجهة هذه الأزمة.
قال بيومي إن هناك قطبين يفسدان التعاون الدولي والحضاري وهما الولايات المتحدة والمتطرفين الإسلاميين، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية أهانت كثيرا قيمة العدل في العالم عامة وفي العالم العربي وفي القلب في فلسطين بشكل خاص مؤكدا في نفس الوقت على أن العمليات التي وقعت في الرياض والدار البيضاء هى عمليات إرهابية بعيدة كل البعد عن الجهاد في الإسلام.
واعتبر أن ما وصفه بالتيار الإسلامي الأزهري هو على استعداد للحوار والتعاون مع كل التيارات الأخرى، بما فيها الماركسيون ودعا إلى التجديد في الفكر والخطاب الديني منتقدا استمرار العمل بآراء فقهية مر على إصدارها أكثر من 1400 عام. وحذر من أن أي هزيمة للعرب والمسلمين في معارك المستقبل ستكون من داخلهم وليس لأي سبب آخر.
Share this Post