(جنيف- القاهرة- 29 مارس 2010)
اعتمد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 25 مارس 2010 قرارا يصب في خدمة التوجهات الرامية لتقييد حرية التعبير، بدعاوى مكافحة أو منع ازدراء الأديان؛ وهى التوجهات التي تدعمها على مدى العقد المنصرم الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.
المعروف أن دعاوى الإساءة إلى الأديان أو ازدرائها شكلت في عالمنا العربي مدخلا أساسيا لمصادرة العديد من الأعمال الفكرية والإبداعية، وطالت تهديداتها رموزا للإبداع مثل الكاتب الراحل نجيب محفوظ، والفنان مارسيل خليفة. كما حاصرت هذه الدعاوى شعراء بارزين مثل أحمد عبد المعطي حجازي وحلمي سالم وحسن طلب وغيرهم. واستنادا إلى مثل هذه الدعاوى يخضع مدونون مثل كريم عامر لعقوبة السجن المغلظ. كما شاع توظيف هذه الدعاوى للتنكيل بحرية البحث العلمي والمجددين في الفقه الإسلامي، والزج بهم في ساحات المحاكم ووصمهم بالكفر الذي يمهد إما لإعدامهم، كما في حالة المفكر السوداني الراحل محمود محمد طه، أو تركهم هدفا مستباحا لسموم التعصب والتطرف الديني ولحملات التحريض على القتل، كما في حالات د. نصر أبوزيد، أو سيد القمني، أو د. حسن حنفي.
وكانت 47 منظمة حقوقية من كافة أنحاء العالم –من بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- قد وجهت خطابا إلى أعضاء المجلس الأممي تدعوهم فيه إلى التصويت ضد مشروع هذا القرار، وحذر الخطاب من الاتجاه الذي تتبناه بعض الدول، والرامي إلى الزج بمصطلح مكافحة ازدراء الأديان ودمجه في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، الأمر الذي يهدد ليس فقط بتقويض حرية التعبير، بل يفتح الباب أيضا للتمييز ضد الأقليات الدينية.
وعلى الرغم مما يمثله اعتماد هذا القرار من تأثيرات سلبية على المعايير العالمية لحقوق الإنسان، فإن مركز القاهرة يلفت النظر إلى أن تمريره هذه المرة قد حظي بمقاومة ورفض عدد أكبر من الدول، مما يعكس تطور إيجابي في السلوك التصويتي. حيث صدر القرار الأخير بأغلبية ضئيلة؛ الأمر الذي يؤشر إلى نجاحات نسبية لضغوط المنظمات غير الحكومية، التي أسهمت في تعديل مواقف بعض الحكومات، ووقوفها هذه المرة ضد القرار الذي كان يحظى بأغلبية ساحقة، سواء في تصويتات المجلس الدولي لحقوق الإنسان، أو في تصويتات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويكشف السلوك التصويتي في هذا الصدد عن تراجع ثلاث دول عن تدعيم القرار وانضمام ست دول إضافية إلى قائمة الدول الرافضة للقرار، من بينها الأرجنتين وزامبيا اللتان صوتتا للمرة الأولى ضد مشروع القرار. ومن ثم جاءت النتيجة النهائية للتصويت بموافقة 20 دولة على مشروع القرار المعادي لحرية التعبير فيما رفضته 17 دولة وامتنعت 8 دول عن التصويت.
وبحسب معتز الفجيري، المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فإن “هذا الأمر يشكل انتصارا رمزيا لمؤيدي حرية التعبير، فعلى الرغم من أن غالبية الدول صوتت لصالح هذا القرار، إلا أن هذا هو أكبر انخفاض حدث في الدعم السياسي للقرار من أي وقت مضى”.
وحول التبدل في اتجاهات التصويت، قال جيرمي سميث، مدير مكتب مركز القاهرة في جنيف: “اقترب مجلس حقوق الإنسان قليلا من التأكيد على الصبغة العالمية ومنعة حرية التعبير. ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل وشاق إذا كنا نريد البناء على هذه النتائج والمضي قدما في هذه القضية “. وأضاف قائلاً: “من المهم أن نضاعف جهودنا وعلى المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم أن تطالب حكوماتها برفض مفهوم يستخدم على نحو متزايد للتمييز ضد مختلف أتباع الديانات، وقمع حرية التعبير.”
Share this Post