تحت عنوان “تجديد حالة الطوارئ بين مكافحة الإرهاب وقمع حركة الإصلاح نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ندوة في إطار صالون بن رشد تحدث فيها عدد من الخبراء والمتخصصين وأدارها بهي الدين حسن مدير المركز والذي أشار بداية إلى موافقة البرلمان على مد العمل مجدداً بقانون الطوارئ لمدة عامين يعني استمرار حالة الطوارئ التي أعلنت عام 1981 إلى 27 عاماً وهو زمن لم يصل به الحال ربما في دول عانت من حروب مدمرة.
أضاف بهي أن الأهداف المعلنة لتمديد الطوارئ وإعلانها كانت تتصل باستمرار مخاطر الإرهاب وأن القانون لن يستخدم إلا في حالتين فقط هما الإرهاب ومواجهة تجارة المخدرات حسب الإعلان الحكومي المتكرر على مدار 25 عاماً لافتاً إلى أن طيلة هذه السنوات كان هناك موقفان متناقضان أولهما أن الإرهاب لم يتوقف برغم التجديد المتواصل لهذا القانون وتمتع أجهزة الأمن في ظله بسلطات استثنائية غير عادية بما لا يمكن القول معه أن هذا القانون أفلح في حماية مصر من الإرهاب وإنما بالعكس ففي خلال العامين الأخيرين تحديداً توطن الإرهاب في منطقة جديدة لم تكن في خريطة الإرهاب على مدار الربع قرن الماضي ومن ناحية أخرى نجد والكلام لبهي أنه تم اعتقال مئات الأشخاص في الفترة الأخيرة من النشطاء الذين لم يتهموا على الإطلاق بارتكاب أعمال إرهابية بما يطرح التساؤل: إلى حد مساعد سريان الطوارئ في مكافحة الإرهاب والحد من مخاطره وإلى أي حد يحضر القانون بالتطلعات إلى للإصلاح واحترام حقوق الإنسان.
وبدأ الحديث من عند حافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الذي أكد في بداية حديثة أن فرض قانون الطوارئ كان السبب الرئيسي لتراجع الحياة السياسية في مصر أو قوتها بمعنى أصح مشيراً إلى أنه على مدار استخدام هذا القانون كان هناك تناقض ما بين السبب المعلن من قبل الحكومة لتبرير العمل به وما بين الممارسة الفعلية واليومية للحكومة واستخدام لها وأكد أبو سعدة أن حالة الطوارئ لا تعلن إلا إذا كانت مهددة بما يستدعى فرض الطوارئ في ثلاث حالات هي الحرب أو التهديد بالحرب أو الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والأوبئة أما المشاكل الداخلية كالعنف والإرهاب فليست من مبررات استخدام قانون الطوارئ لأن القانون نفسه – حسب أبو سعدة – يعطي صلاحيات مطلقة للحكومة ويعطل كل الحقوق الواردة في الدستور ودلل على ذلك بالمادة 3 التي تنص على أنه لرئيس الجمهورية حتى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية:
وضع قيود على حريات الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معنية والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على النظام العام أو الأمن العام واعتقالهم والترخيص بتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.
الأمر بمراقبة الرسائل أياً كانت نوعها ومراقبة الصحف والمطبوعات والمحررات والنشرات والرسوم ومكافحة وسائل التعبير والدعاية من الإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.
تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها.
الاستيلاء على أي منقول أو عقار والأمر يفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات وكذلك تأجيل أداء الديون المستحقة والتي تستحق على ما يستولى عليه أو ما تفرض عليه الحراسة.
وأشار أبو سعدة إلى أنه في البند الأول يتم المصادرة بالكامل للحريات العامة والحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة وفي البند الثاني تصادر كافة أشكال التعبير وحرية الرأي وفي الثالث تغلق المحالات بقرارات وفي الأخير تهدر أي ملكية خاصة في ظل حالة الطوارئ موضحاً أن الحديث الحكومي عن عدم استخدام هذه النصوص غير صحيح مدللاً على ذلك بوجود 500 أمر عسكري صدروا بقرار من رئيس الجمهورية لمعالجة موضوعات شتى تبدأ من جمع التبرعات والبناء على أرض زراعية والبناء بدون ترخيص وهدم بدون ترخيص وفتح أو غلق المحلات في أوقات معينة إلى جانب تغيير الساعة بين التوقيت الصيفي والشتوي لافتاً إلى أن هذا الأمر يتم بقرار عسكري بأمر رئيس الجمهورية وكذلك الكمائن الثابتة والمتحركة الموجودة في كل أنحاء الجمهورية وتوقيت المواطنين والقبض والاحتجاز يتم جميعه وفقاً لقانون الطوارئ مشيراً إلى أن الحديث عن أن قانون الطوارئ في مواجهة الإرهاب يتم إلا في حالة واحدة هي إحالة المتهمين إلى محاكم استثنائية وهي محاكم أمن الدولة طوارئ أو المحاكم العسكرية وعدا ذلك يتم بالفعل مصادرة كافة الحقوق والحريات الواردة بالدستور.
وأفصح أبو سعدة أنه في الفترة الأخيرة ظهر بشكل مفاجئ اتهام “إهانة رئيس الجمهورية” في مواجهة الطلبة والمتظاهرين والمتضامنين مع القضاة ليسمح بإحالتهم إلى نيابة أمن الدولة ثم تحال القضية إلى محكمة أمن الدولة مشيراً إلى اتهامهم بالجرائم الأخرى الواردة في المواد من 63 إلى 70 من قانون العقوبات بشأن تعطيل المواصلات العامة إلى جانب المادة الخامسة بإهانة رئيس الجمهورية والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر وفي القانون 14 لسنة 1923 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات وهذا القانون يتناولان حق التظاهر والتجمع السلمي مشيراً إلى أن قرار وزير الداخلية بحظر التظاهر مخالف للدستور للقانون 14 لسنة 23 الذي ينص على أن أي جماعة سياسية تريد عمل اجتماع أو تظاهرة أو تجمع سلمي تخطر الجهة الإدارية قبل الاجتماع بثلاثة أيام وفي حالة الانتخابات يجوز إخطارها قبلها بساعة وتناول أبو سعدة الاستخدام الواسع لقانون الطوارئ مشيراً إلى أن الأحزاب المعارضة في مصر لم تمكن من إقامة أي اجتماعات أو مؤتمرات في الشارع مع أعضائها بسبب قانون الطوارئ ومثال لذلك اجتماع لجنة التنسيق بين الأحزاب السياسية الذي قرر عقد مؤتمر عند قصر عابدين عام 2004 لإعلان وثيقة خاصة رؤساء وممثلي الأحزاب السياسية بأن أي تجمع في هذا المكان سوف يتم التعامل معه أمنياً.
أضاف أبو سعدة أن قانون الطوارئ استخدم ضد الإعلاميين والمتظاهرين والأحزاب السياسية كما تم استخدامه ضد المواطنين العاديين بالأوامر العسكرية حيث كانت هناك 50 ألف قضية مرفوعة ضد فلاحين بتهمة البناء على أرض زراعية كما يستخدم القانون ضد المواطن العادي يومياً عبر لجان التوقيف الموجود في المجتمع المصري.
وفند أبو سعدة الإدعاء الحكومي بأن قانون الطوارئ ليس أمراً جماهيرياً متسائلاً كيف يصادر هذا القانون حقوق المواطن الواردة في الدستور ولا يكون جماهيري مشيراً إلى أن القاعدة القانونية لها هدفان الردع العام بمعنى أن مجرد إصدار القانون ونشره في الجريدة الرسمية يصبح فرض العلم به قائماً لدى كل مواطن والردع العام تحقق بقانون الطوارئ وأدى إلى حالة الموات في المجتمع السياسي المصري موضحاً أن ظاهرة الإفلات من العقاب تواكب استخدام الطوارئ بما يؤدي إلى كوارث تجعل من الردع العام أحد الأسباب الرئيسية للموات السياسي في المجتمع المصري ومنع الأحزاب من العمل وجعل العمل الوحيد المتاح هو الكتابة في المعنى.
وخلص إلى أن كل العمليات الإرهابية تمت في ظل استمرار الطوارئ وأن الحكومة تخدع الناس عندما تتحدث عن منعها لعمليات إرهابية مشيراً إلى وجود 35 قضية فقط من عام 1922 حتى الآن تتعلق بالتنظيمات فيما يشير تقرير الأمن العام بخصوص الجرائم العادية القتل والسطو المسلح في العام الواحد إلى 30 ألف قضية قتل عمد مع سرقة بالإكراه مع بلطجة واعتداء على مواطنين بما يعني أن الحكومة تعطل الحياة السياسية في مصر كلها بأكاذيب وليس حقائق وأنه لو اختفى الإرهاب لتم اختراع إرهاب جديد حتى يستمر العمل بقانون الطوارئ لأنه المبرر المنطقي والوحيد لاستمرار سلطة مستبدي لا تستطيع أن تحكم إلا بقوة النار والحديد.
وتناول عبد الرحيم على الجنيدي شئون الجماعات الإسلامية ملابسات نشأة التنظيمات الإسلامية المسلحة المختلفة في ظل وجود قانون الطوارئ وانشغال الدولة بملاحقة السياسيين وإغلاق صحف المعارضة وأكد أن طول استخدام قانون الطوارئ أنتج ظاهرة خطيرة تمثلت في ضعف المهنية والاحتراف لدى رجال الأمن في مصر بعدما صار من السهل الحصول على ما يريدون من اعترافات عن طريق التعذيب وتجاوز القانون ودلل على ذلك بما حدث في قضية “الناجون من النار” في عهد وزير الداخلية السابق زكي بدر حيث لجأت الداخلية إلى تلفيق الاتهام إلى ثلاثة من الشباب الذين اعترفوا تحت وطأة التعذيب بتكوين هذا التنظيم بينما ظهر المتهمون الحقيقيون فيما بعد.
وأشار على أن محافظات الصعيد تحولت في حقبة الثمانينيات إلى دولة داخل الدولة وكان أمراء الجماعات الإسلامية يقومون بتطبيق الحدود في مساجد المنيا وأسيوط تحت بصر ورعاية ضباط المباحث وأكد على أنه كان هناك تعاون بين الجانبين في هذه المحافظات في الوقت الذي كان يتم فيه منع أحزاب كالتجمع من عمل الندوات والتجمعات السلمية والسماح بأمراء هذه الجماعات بالالتقاء بالآلاف من أتباعهم في المساجد.
وانتقل إلى فترة التسعينيات فأشار إلى حادثة اغتيال رئيس مجلس الشعب السابق الدكتور رفعت المحجوب وانتقال وزير الداخلية وقتها عبد الحليم موسى إلى مكان الحادث ومطاردته لمرتكبيه باستخدام طبنجة أحد أمناء الشرطة مشيراً إلى أن هذه الحقبة شهدت محاولات اغتيال كل من الدكتور عاطف صدقي وصفوت الشريف ونجيب محفوظ وحسن الألفي وأوضح أن الدولة أحكمت الحصار المجتمع ووسعت دائرة الاعتقال بما أدى إلى تفريخ مئات الإرهابيين نتيجة لممارسات الأمن ضدهم أو ضد أهاليهم وذويهم كاشفا عن أن قوات الأمن كانت تتخذ من المواطنين دروعاً بشرية في قيامها مع الجماعات لتعلن عن سقوط مدنيين في هذه المعارك.
وأشار إلى أن أجهزة الدولة لجأت إلى فرض خطر التجول وانتهاج سياسة التجويع والإرهاب ضد العديد من القرى في محافظتي المنيا وأسيوط لإجبار ألها على تسليم مطلوبين من الجماعات بما حول هؤلاء الأهالي إلى أعداء تقليدين للدولة والمجتمع والقوى السياسية وأجهزة الأمن ونشأت ظاهرة الثأر بين هؤلاء والأهالي ورجال الأمن وأكد على أن الإرهاب لم ينته بمجهودات أمنية وإنما انتهى بقرار ذاتي من الذين حملوا السلاح والذين اتخذوا قراراً بوقف العمليات المسلحة.
انقلاب دستوري
وبدوره أكد ضياء رشوان الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن قانون الطوارئ تم استخدام في قمع المجتمع بكامله وليس قمع حركة الإصلاح وحدها مشيراً إلى أن الفترة الحالية هي أطول فترة فرضت فيها حالة الطوارئ في مصر منذ عام 1914 حين تم فرض الأحكام العربية بسبب الحرب العالمية الأولى وأكد أن أجهزة الأمن تتعامل مع المواطن في ظل حالة الطوارئ على أنه لا يساوي شيئاً مدللاً على ذلك باعتقال مواطنين في مدينة أرمنت بقنا لمدة 13عاماً وقال أنه منذ عام 1997 ومنذ وقوع حادث الأقصر وحتى أبريل 2005 لم تشهد طيلة هذه السنوات السبع وفي المقابل كان الإرهاب مشتعلاً في الفترة من 1990 حتى عام 1997 وفي الحالتين كان العمل بقانون الطارئ قائماً مستخلصاً من ذلك أن توقف الإرهاب ليس له علاقة بالطوارئ وأن هناك أسباب أخرى وراءه تتعلق بالمعالجات السياسية لظاهرة الإرهاب إلى جانب أن وقف العمليات المسلحة كان بقرار من الجماعة الإسلامية بما يعني أن الأمن وحده لا يمنع الجريمة.
وأكد رشوان أن توصيف الإرهاب سواء في الموجة الحالية أو السابقة بالطريقة الأمنية يعني الفشل من الأساس في هذا التوصيف وأن الاعتماد على الطوارئ باعتبارها الأداة الأساسية يؤكد أن هناك فشل أكبر في المواجهة ولفت إلى لجوء الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر إلى تبني الرؤية المصرية في مواجهة الإرهاب باللجوء إلى تشريع قوانين متشابهة مع الحالة المصرية وممارسة كل الاختراقات الممكنة للقانون الدولي من الاعتقالات خارج نطاق القانون واحتلال البلدان الأخرى وغير ذلك من الممارسات.
وأشار إلى تزايد هائل في حجم العمليات الإرهابية التي جرت في العالم في السنوات التي أعقبت 2001 فشل السياسة الأمريكية في مواجهة الإرهاب وأنها كانت السبب الرئيسي لاتساع موجة الإرهاب في العالم.
وانتقل رشوان إلى نقطة أخرى تتعلق بما يعدله الحزب الحاكم من سعي لإصدار قانون للإرهاب بما يعني في حقيقة السعي إلى التوطين المستمر للطوارئ وحالة الطوارئ داخل النصوص الدستورية عبر قانون الإرهاب المزمع إصداره والإعلان عن تعديلات دستوري لتتواءم مع القانون وتغتال المواد التي تتعلق بالحريات العامة فيه خاصة المادة 4 المتعلقة بالحرية الشخصية وكذلك المادتين 42 و 71 فيما يوصف بأنه انقلاب دستوري كبير يتم الإعداد له ومن شأنه وضع الطوارئ بداخل الدستور وتحويل الأحكام الاستثنائية إلى نصوص دستورية أو نصوص يتجاوز الدستور عنها في قوانين تصدر بنفس طريقة قانون الطوارئ معتبراً أن ذلك يعني أننا في طريق معاكس تماماً للإصلاح وقال رشوان أن من يعدون لهذا الانقلاب هم من اصطلح بتسميتهم برجال الإصلاح في الحزب الوطني واصفاً هؤلاء بأنهم مجرد استنساخ مشوه لرجال سبقوهم في هذا الحزب.
Share this Post