يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن إدانته الكاملة للخطوة التي اتخذتها السلطات مؤخرًا بإحالة 40 من العناصر القيادية لجماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمة العسكرية، باتهامات عدة شملت الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام الدستور، وغسيل الأموال، واستخدامها في تمويل أنشطة الجماعة الغير معترف بها.
ويعتبر المركز أن إحالة المتهمين – وجميعهم من المدنيين – إلى المحاكمة العسكرية، تمثّل تدخلاً فجًّا من جانب السلطة التنفيذية في إدارة شئون العدالة، واستلابًا للحق الدستوري للمتهمين في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، فضلاً عما تحمله هذه الخطوة – وما اقترن بها من إجراءات – من استهانة بالغة باستقلال القضاء والاحترام الواجب لقراراته وأحكامه.
جاءت هذه الخطوة بعد أيام قلائل من إصدار محكمة جنايات القاهرة قرارها في 29 يناير 2007 بإخلاء سبيل 16 من المتهمين، في مقدمتهم المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأمرت بالإفراج عنهم فورًا من سراي المحكمة بكفالة مالية لا تتجاوز خمسمائة جنيه لكل منهم، وحددت الرابع والعشرين من فبراير الحالي موعدًا للنظر في الاستشكال المقدَّم من المتهمين في قرار النائب العام بالتحفظ على أموال 29 منهم.
وبدلاً من احترام أحكام القضاء، استخدمت وزارة الداخلية قانون الطوارئ لتتحايل على قرارات الإفراج، وذلك بإصدار أوامر اعتقال جديدة للمتهمين، أعيدوا بموجبها إلى سجن مزرعة طرة بدلاً من الإفراج عنهم. ثم جرى انتزاع المتهمين من أمام قاضيهم الطبيعي ليمثلوا أمام القضاء العسكري في جرائم لا صلة لها بالنظام العسكري.
لقد كانت ظاهرة إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية – والتي تراجعت إلى حد كبير في السنوات الأخيرة – تشكّل اعتداء جسيمًا على حقوق الإنسان ومعايير العدالة واستقلال القضاء، حيث يفتقر القضاء العسكري إلى ضمانات الحيدة والاستقلال المفترضة في القضاء الطبيعي، وحيث يحرم الماثلون أمامه من حقهم في إعادة النظر في القرارات التي تصدرها المحاكم العسكرية، والتي لا يجوز الطعن عليها أمام هيئة قضائية أعلى. ومن المؤسف أن تعود السلطات إلى إشهار سيف المحاكمات العسكرية في مواجهة الخصوم السياسيين، والتي كان آخرها المحاكمة العسكرية لعضو البرلمان طلعت السادات.
ويعتقد مركز القاهرة أن استئناف ظاهرة الإحالة للمحاكمات العسكرية يحمل في طياته إصرارًا على تغليب المعالجات البوليسية والأمنية في مواجهة الخصوم السياسيين، ويضفي مزيدًا من الشكوك حول ما ستؤول إليه التعديلات الدستورية التي يجري التخطيط لها من قِبَل الحكومة من انتكاسة خطيرة للضمانات الدستورية للعديد من الحريات الأساسية للمواطنين تحت ستار مكافحة الإرهاب.
إن مركز القاهرة إذ يؤكد مجددًا إدانته لإحالة المتهمين من جماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمة العسكرية، فإنه يدعو مختلف القوى السياسية والمدنية المتطلعة إلى إصلاح ديمقراطي حقيقي وجاد، لرفض حسم الصراع مع أي فصيل سياسي عبر سياسات الإقصاء الأمني أو الإجراءات والمحاكمات الاستثنائية الجائرة، وتأمين حق المتهمين في هذه القضية في المثول أمام قاضيهم الطبيعي.
Share this Post