في إطار الاستعداد لعملية استعراض الملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة للمرة الثانية، والمقررة في 5 نوفمبر القادم، ينشر ملتقى منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة –والمكون من 19 منظمة حقوقية– تقريره المجمع عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الأربعة أعوام الماضية، والذي سبق وأرسله إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في شهر مارس الماضي، حسب الموعد المحدد لتقديم التقارير الحكومية والمستقلة محل النقاش في الاستعراض، ووفقًا لقواعد المجلس تظل جميع التقارير محل مراجعة وتقييم الأمم المتحدة حتى يتم الإفصاح عنها والسماح بنشرها قبيل عملية الاستعراض، وتجرى هذه المراجعة الدورية لسجل حقوق الإنسان لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كل أربع سنوات.
التقرير الذي شارك في إعداده 19 منظمة مصرية، ركز على مجموعة من الحقوق الإنسانية الهامة ومدى تطورها خلال السنوات الأربع الأخيرة، آخذًا في الاعتبار الاحتجاجات الشعبية العارمة التي ميّزت تلك الفترة، وتعاقب الأنظمة السياسية فيها، مشيرًا إلى أن القاسم المشترك الأساسي على مدار تلك الفترة كان المطالبة الشعبية بأوضاع أفضل لحقوق الإنسان، غير أن الحكومات المتعاقبة برغم اختلافها سياسيًا، أخفقت في تقليل الانتهاكات والعمل على ضمان الحقوق التي تحتاج تغيرات في السياسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية.
خلص التقرير إلي أنه على الرغم من مطالب المصريين المتكررة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، وبالرغم من أن منظمات حقوق الإنسان قدمت للحكومة مرارًا وتكرارًا مقترحات لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر؛ إلا أن غياب الإرادة السياسية لتحسين حالة حقوق الإنسان يظل العائق الأساسي لتدهور حالة الحقوق والحريات. فقد انتهكت كل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2010 العديد من الحقوق مثل الحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات وحرية الرأي والتعبير، فضلاً عن الاعتداءات الجنسية على المتظاهرات، بينما لم تحرز تقدمًا يذكر في تحسين أوضاع الفقراء والخدمات الصحية والتعليمية والسكن.
وفي هذا السياق تدعو منظمات الملتقى الحكومة المصرية لاجتماع مشترك تدعى إليه كل المنظمات المشاركة في وضع هذا التقرير، لمناقشة كلاً من التقارير الحكومية والتقارير المستقلة عن حالة حقوق الإنسان في مصر قبل الاستعراض الدوري أمام الأمم المتحدة، كما تدعوها لإعلان التزامها مسبقًا، وقبل الاستعراض، بعدد من التوصيات المقدمة من المنظمات المستقلة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن اللجنة الحكومية التي كانت مكلفة بإعداد التقارير الرسمية إبان الاستعراض الدوري الشامل الأول لمصر أمام الأمم المتحدة في 2010، كانت حريصة أثناء عملية إعداد التقرير الحكومي على التشاور والتواصل مع منظمات حقوق الإنسان المعنية برصد وتوثيق حالة حقوق الإنسان، على عكس اللجنة الحالية التي أعدت تقريرها الحكومي بشكل منفرد، الأمر الذي قد يكون مؤشرًا أو دليلًا على تجاهل الحكومة لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة التي بذلت جهدًا مدققًا في وضع تقريرها.
كانت الحكومة المصرية قد وجهت إنذارًا بحل المنظمات الأهلية المسجلة تحت مظلة قوانين أخرى، ما لم تُعِد تسجيل نفسها تحت قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لعام 2002، قبل موعد غايته 10 نوفمبر، أي بعد 3 أيام من انتهاء الأمم المتحدة من المراجعة الدورية الشاملة لوضعية حقوق الإنسان في مصر!
التقرير الذي جاء في 13 صفحة عمد إلى تقييم مدى وفاء مصر بالتزاماتها التي أقرّتها في دورة الاستعراض الأولى في 2010، والتي بلغ عددها 119 توصية، بدءً من التزامها بحماية الحق في الحياة، مرورًا بالحق في المحاكمات العادلة، الحق في حرية الرأي والتعبير، الحق في حرية الاعتقاد، والحق في حرية التجمع السلمي، والحريات الطلابية والنقابية، وحرية الإعلام والنشر، وكذا الحق في المشاركة السياسية، بالإضافة لحقوق النساء وحقوق الطفل.
وحسب التقرير فإنه على مدى السنوات الأربع الأخيرة، ونتيجة سياسات القمع العنيف التي اتبعتها أجهزة الأمن، خاصةً في فض الاعتصامات والمظاهرات واستخدام الأسلحة المميتة بصورة غير متناسبة، تعرض الحق في الحياة لانتهاكات صارخة ولقي آلاف الأشخاص مصرعهم. وفي هذا الصدد يشير التقرير أيضًا إلى انتهاك الحق في الحياة الذي يُمارس ضد العسكريين والمدنيين من قِبل الجماعات الإرهابية، التي لم تنجح الحكومات المتعاقبة
في وضع حد لممارستها الإجرامية، التي بدأت في شبه جزيرة سيناء ثم امتدت لباقي أرجاء الجمهورية ووصلت للعاصمة لتحصد مئات الأرواح.
ركز التقرير على الحق في المحاكمة العادلة، وغياب آلية فعالة للمحاسبة على الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المصريون خلال السنوات الماضية، الأمر الذي شكك في نزاهة أية آلية للانتصاف وإقامة عدالة حقيقة، ناهيك عن الزيادة البالغة في أعداد المدنيين الخاضعين للمحاكمات العسكرية بما في ذلك القُصّر. كما لفت التقرير الانتباه أنه وفي انتهاك صارخ لحقوق الطفل، يناقش المجلس القومي للطفولة والأمومة حاليًا بعض التعديلات القانونية للمواد التي تسمح بإنزال عقوبة الإعدام أو عقوبة الأشغال الشاقة على الأطفال بين 15 و18عامًا.
تطرق التقرير بشكل مفصل للحق في حرية التنظيم وتكوين الجمعيات، مشيرًا إلى أنه رغم قبول مصر للتوصيات بشأن حرية تكوين الجمعيات في الاستعراض الدوري الشامل الأول لها؛ فقد تقاعست الحكومات المتعاقبة عن تعديل القانون رقم 84/2002 بشأن الجمعيات، بل طرحت تشريعات بديلة، من شأنها وضع العراقيل والمعوقات الشديدة في وجه منظمات المجتمع المدني. وفي هذا الصدد تطرق التقرير إلى الهجوم الحاد على منظمات المجتمع المدني الذي وصل إلى حد اتهام المنظمات علانيةً على صفحات الجرائد بالخيانة والعمالة للخارج، واستدعاء نشطاء حقوقيين للتحقيقات، بالإضافة إلى اقتحام مقرات منظمات حقوقية مصرية ودولية (في فبراير وديسمبر 2011، وديسمبر 2013).
وعن حرية النشر والإعلام، أشار التقرير إلى التغييرات الإيجابية المحدودة التي أقرها دستور 2014 في هذا الصدد، والتي تبقى نصوص وضمانات دستورية لم تترجم بعد إلى تشريعات، مشيرًا إلى أن مشاريع القوانين التي طُرحت في هذا الصدد جاءت في جوهرها متناقضة مع هذه الضمانات الدستورية. كما يوثق التقرير استمرار انتهاكات الحكومة لحرية النشر على صعيد الممارسة، إذ رصدت المنظمات الحقوقية إحالة العديد من الصحفيين والمدونين للمحاكم العسكرية كما رصدت تزايد حالات الاعتداء على الصحفيين والمدونين، بالإضافة إلى تعمد الحكومة غلق بعض الصحف والقنوات والاعتداء على مقراتها.
ركز التقرير على الحق في التجمع السلمي والانتهاكات الجسيمة التي نالت منه، سواء على المستوى التشريعي من خلال تقديم نقد لقانون التظاهر الذي فرّغ حق التجمع السلمي من مضمونه، في مقابل إطلاق يد قوات الأمن في التعامل مع المتظاهرين، أو على مستوى الممارسات القمعية والعنيفة في التعامل مع التظاهرات، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 2000 مواطن في الثلاث سنوات الماضية، ناهيك عن تعرض النساء المشاركات في التظاهرات للعديد من التعديات وصلت إلى حد الاغتصاب الجماعي المتكرر، والذي عجزت قوات الأمن عن منعه أو عن تعويض الناجيات منه. بل على العكس توثق المنظمات النسوية محاولات للضغط على الناجيات لسحب شكاواهن، وتثبت بالوقائع تعاطف بعض رجال الشرطة مع الجناة وتحقير أو مضايقة الناجيات، وتجدر الإشارة إلى أنه ورغم قبول مصر في الدورة الأولى من الاستعراض الدوري الشامل لخمس وعشرين توصية فيما يتعلق بحقوق المرأة. إلا أن الدولة –رغم مرور أربعة أعوام– لم تتخذ أي إجراءات للوفاء بالتزاماتها إزاء تلك التوصيات، كما لم تتخذ أي إجراءات تجاه دعم المساواة، أو وقف العنف ضد المرأة.
المنظمات المشاركة في إعداد التقرير هي:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الائتلاف المصري لحقوق الطفل
- الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة الاجتماعية
- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
- مركز الأرض لحقوق الإنسان
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- مركز هشام مبارك للقانون
- مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية
- مصريون ضد التمييز الديني
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
- مؤسسة المرأة الجديدة
- المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
- نظرة للدراسات النسوية
Share this Post