على السلطات المصرية احترام التزاماتها الدستورية في المادة 236
تطالب المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه السلطات المصرية باحترام التزاماتها الدستورية المنصوص عليها في المادة 236، وكذا التزاماتها وفق القانون الدولي، والمعايير الواردة بالاتفاقية رقم 107 لسنة 1957 لحماية السكان الأصليين والقبليين، والاتفاقية رقم 169 لسنة1989 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة، وإعلان الأمم المتحدة للشعوب الاصلية الصادر في 2007، والتي تقتضي جميعها تمكين النوبيين من العودة إلى أراضيهم الأصلية وتنميتها، وذلك خلال الفترة التي حددها الدستور بـ10 سنوات مضى ما يزيد عن نصفهم، وعدم الالتفاف على تلك الحقوق عبر آليات التعويض المختلفة. حيث أن تعويض النوبيين بسكن أو أموال أو أراضي بديلة، لا يعد بديلاً عن حق التوطين، والذي لا يمثل فقط التزام دستوري، وإنما جزء أصيل من تراث النوبيين وهويتهم وثمرة نضالهم سنوات من أجل انتزاع اعتراف بحقوقهم ومعاناتهم وتهجيرهم.
فرغم الاعتراف الدستوري بحق النوبيين في العودة إلي أراضيهم الأصلية وتنميتها، ألا أن السلطات المصرية انتهجت مجموعة من السياسات والقرارات التي تقوض بشكل فج هذه الحقوق، بداية من القرار الجمهوري رقم 444 لسنة 2014 الذي اعتبر أراضي 16 قرية نوبية أراض حدودية عسكرية، لا يجوز للمدنيين العيش فيها أو الاستفادة منها، مرورًا بقراري رئيس الجمهورية رقم 355 و 498 لعام 2016، واللذان صادقا على مصادرة العديد من الأراضي النوبية لصالح مشروع المليون ونصف فدان، وصولاً للقانون رقم 157 لسنة 2018 بشأن إنشاء هيئة تنمية الصعيد والذي عصف بآمال النوبيين، بعدما غفل أي ذكر لهجرة النوبيين أو حقهم في العودة إلى أراضيهم، الأمر الذي دفع النائب عن دائرة نصر النوبة بأسوان ياسين عبد الصبور لوصفه بالقانون غير الدستوري، وأنه يمثل اغتصابًا لحقوق أهالي النوبة في إعادة تسكينهم على ضفاف بحيرة ناصر.
في 20 يونيو 2019 وفي مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء، صرح الوزير المستشار عمر مروان، وزير شئون مجلس النواب ورئيس اللجنة الوطنية المعنية بوضع القواعد والآليات التنفيذية لصرف تعويضات أهالي النوبة، أنه خلال الاجتماع تم اعتماد إجراءات صرف التعويضات لأهالي النوبة المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان وإنشاء السد العالي ممن لم يسبق تعويضهم، ووفقًا لتصريحات مروان جاء ذلك تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بحل مشكلة أهالي النوبة، وقرارات رئيس مجلس الوزراء رقم 478 لسنة 2017 الخاص بتشكيل لجنة برئاسة وزارة العدل لحصر أسماء المتضررين الذين لم يسبق تعويضهم، و قرار رئيس الوزراء رقم 371 لسنة 2019 المعني بتشكيل لجنة لوضع قواعد وآليات تنفيذية لصرف التعويضات للمستحقين، برئاسة وزير شئون مجلس النواب، واعتمدت اللجنة أسماء المستحقين الذين انتهت وزارة العدل إلى تحديدها، ووضعت اللجنة القواعد اللازمة لتنفيذ التعويضات.
وقد تنوعت أشكال التعويضات المطروحة بحيث يكون تعويض المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان تعويضات عينية، من خلال تمليكهم الأراضي التي سبق وبنوا عليها، أو منحهم حق الانتفاع بها. أما المتضررين من بناء السد العالي، فيتم تعويض أصحاب الأراضي القابلة للزراعة، بأرض أخرى إما في منطقة خور قندي بمساحة 6000 فدان، أو منطقة وادي الأمل بمساحة 1200 فدان. أما المستحقون للمساكن فيكون تعويض مالك المسكن الواحد بمسكن آخر داخل أو خارج محافظة أسوان ضمن عدد من الوحدات السكنية المتاحة في بعض المحافظات، وللمستحق طلب الحصول على تعويض نقدي بدلاً من المسكن أو الارض الزراعية، ويكون التعويض النقدي عن المسكن بمبلغ 225ألف جنيه، و25 ألف جنيه عن الفدان الواحد.
ورغم كل هذه القرارات الصادرة عن الدولة، وإن بدت محاولة لحل مشكلة أهالي النوبة تمتثل لتوجيهات الرئيس، فهي في حقيقتها التفاف على حق العودة وإعادة التوطين والتنمية، إذ أن توزيع النوبيين على مناطق جغرافية متفرقة ب٦ محافظات مختلفة، يفاقم آثار التهجير من تفكك اجتماعي للنوبيين، ويساهم في اندثار الهوية والثقافة واللغة النوبية.
ينطوي قرار التعويض أيضًا على مخالفة صريحة لنص المادة 236 من الدستور، ونكوصًا للحق الذي أقرته نصًا “تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال 10 سنوات، على النحو الذي ينظمه القانون.” إذ تمثل هذه المادة الدستورية أول اعتراف صريح من الدولة المصرية بأن النوبيين هم السكان الأصليين لمنطقة جنوب السد العالي، كما تضمنت المادة اقرارًا صريحًا بحق النوبيين في العودة إلى أراضيهم وتنميتها، وهو حق جماعي يختلف عن حق التعويض الفردي، الأمر الذي يترتب عليه بطلان أية إجراءات لاحقة تقر بفردية هذا الحق أو تقلص منه. فأهالي النوبة أصحاب حقوق جماعية في العودة وفي التنمية وليسوا أصحاب مشكلات تستوجب تعويض فردي، وإنما هم ضحايا سياسات الدولة.
وبجانب عدم دستورية قرارات التعويض، افتقدت إجراءات التعويض المطروحة من قبل الحكومة لإطار قانوني منظم لها. فتاريخيا نظم القانون رقم 6 لسنة 1933 الخاص بنزع الملكية التي تستلزمها التعلية الثانية لخزان أسوان، والصادر استثناءً من قانون نزع الملكية رقم 5 لسنة 1907، تقدير تعويضات النوبيين لمواجهة كوارث بناء وتعليات الخزان. كذلك نظم القانون رقم 67 لسنة 1962 الخاص بنزع ملكية أراضي بلاد النوبة التي تغمرها مياه السد العالي، تعويضات النوبيين المتضررين من بناء السد العالي، بالإضافة إلى قرارات وزير الشئون الاجتماعية وقتها، قرار رقم 106 لسنة 1962 الخاص ببيان قواعد تعويض وتمليك أهالي النوبة، وقرار رقم 106 لسنة 1963 بشأن إسكان الأسر المقيمة ببلاد النوبة بمساكن القرى الجديدة، وأخيرًا قرار وزير الشئون الاجتماعية رقم 135 لسنة 1980 والخاص بإلغاء القرار الوزاري رقم 160 لعام 1962. والذي منذ إلغاءه وإقرار القانون رقم 10 لسنة 1990 الخاص بنزع الملكية، لم يصدر أي تشريع ينظم كيفية حصول النوبيين على حقوقهم. وبالتالي تفتقر قرارات مجلس الوزراء رقم 478 لسنة 2017، ورقم 371 لسنة 2019 لإطار قانوني تعمل من خلاله، وبغياب ذلك الإطار لن يتمكن النوبيين من الطعن أمام القضاء على تقدير الدولة لقيمة التعويض، على النحو الذي كانت تضمنه قوانين نزع الملكية السابقة المشار إليها.
لقد حول قرار التعويض حقوق النوبيين المنصوص عليها دستوريًا، إلى هبة أو منحة من الدولة علي النوبيين قبولها أو رفضها فحسب، بعدما تم تغييبهم تمامًا عن أية حوارات مجتمعية أو نقاشات بشأن القرار، والذي لم يذكر أيضًا أي ألية للطعن على تقدير اللجان لماهية التعويض أو قيمته، فقط حق التظلم أمام اللجنة وليس القضاء على أسماء المستحقين للتعويض أو نوع التعويض المقرر من بين أشكال التعويض الواردة بالقرار، والتي لا تتضمن بالطبع خيار العودة للأراضي الأصلية.
تجاهلت السلطات المصرية الإطار القانوني البديل لتمكين النوبيين من حق العودة والتنمية من خلال (قانون إنشاء الهيئة العليا لتنمية وتعمير بلاد النوبة القديمة) الذي جاء نتاجاً لإقرار دستور 2014، حيث شكل وزير العدالة الانتقالية وشئون مجلس النواب آنذاك إبراهيم الهنيدي، لجنة “تنمية النوبة وأسوان”، والمختصة بتنفيذ المادة 236 من الدستور، ووضع إطار قانوني لتنظيم حقي العودة والتنمية. وعرّفت اللجنة أهالي النوبة بأنهم النازحون بسبب خزان أسوان في الأعوام 1902 و1912 و1933، وبناء السد العالي بين العامَين 1960 و1964، والمنحدّرون منهم. واجتمعت اللجنة مع المواطنين النوبيين وممثلي التجمعات النوبية بأسوان والقاهرة ومختلف المحافظات، فضلاً عن ممثلي النوبة خارج مصر، واستمعت لمطالبهم بشأن العودة لوطنهم ومقترحاتهم للتنمية المتكاملة على ضفاف بحيرة ناصر. وبعد ذلك، أعدت لجنة فرعية من 18 عضواً مشروع قانون يحدد اختصاصات اللجنة ومسئولياتها للإشراف على عودة النوبيين إلى قراهم، بما في ذلك كيفية استخدام الأرض. وأعلنت اللجنة عن جاهزية مشروع قانون لإنشاء الهيئة العليا لتنمية وتعمير بلاد النوبة القديمة، تمهيدًا لعرضه على البرلمان بغية إقراره. إلا أنها لم ترسله للمجلس، ولم تقدم أي سبب رسمي، بينما ورد في تقارير صحفية أن ممثلي جهات سيادية نقلوا رفضها لمشروع القانون لدواعي الأمن القومي.
لذلك تطالب المنظمات الموقعة السلطات المصرية بالآتي:
1- على البرلمان المصري احترام الالتزام الدستوري المنصوص عليه في المادة 236، وسرعة إصدار قانون إنشاء الهيئة العليا لإعادة توطين وتعمير وتنمية بلاد النوبة الأصلية.
2- علي رئيس مجلس الوزراء إلغاء القرارين رقم 478 لسنة 2017 الخاص بتشكيل لجنة برئاسة وزارة العدل لحصر أسماء المتضررين النوبيين الذين لم يسبق تعويضهم، والقرار رقم 371 لسنة 2019 المعني بتشكيل لجنة لوضع قواعد وآليات تنفيذية لصرف التعويضات للمستحقين، واستبدالهما بالقرارات المنظمة لتوطين النوبيين وتنمية مناطقهم وفقًا لقانون إنشاء الهيئة العليا لإعادة توطين وتعمير وتنمية بلاد النوبة الأصلية.
3- على الرئيس المصري إلغاء القرارات الجمهورية رقم 444 لسنة 2014 بتخصيص أراضي 16 قرية نوبية كأراضٍ حدودية عسكرية، والقراران رقم 355 و498 لسنة 2016 اللذان يصادقا على مصادرة العديد من الأراضي النوبية لصالح مشروع المليون ونصف فدان.
4- على البرلمان المصري تعديل قانون إنشاء هيئة تنمية الصعيد رقم 157 لسنة 2018 ليتوافق مع الدستور المصري وتحديدًا المادة 236 بما يلبي حق النوبيين في العودة إلى أراضيهم وكذلك في تنمية تشاركية.
المنظمات الموقعة:
- مركز عدالة للحقوق والحريات
- مركز حدود للدعم والاستشارات
- مبادرة الحرية
- مركز النديم
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- كومتي فور چيستيس
- المؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية – نضال
- هيومينا لحقوق الانسان والمشاركة المدنية
- مركز بلادي للحقوق والحريات
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
Share this Post