تتميز المرحلة الثالثة من الاقتراع بخصوصية بالغة ليس فقط لكونها تمثل “تحصيل حاصل” لتيار الأغلبية، والفرصة الأخيرة لتيارات تتنافس على المراكز الثانية والثالثة وإنما لأنها تكرار لعملية اقتراع يعيشها الشارع المصري منذ أكثر من شهرين وهى أطول مدة اقتراع شهدها الشارع المصري، فتقسيم العملية الانتخابية إلى ثلاث مراحل وإن كان يحمل بعض الإيجابيات، إلا أنه يحمل الكثير من السلبيات على المستوى الإعلامي، أبرز هذه السلبيات هو التكرار، سواء كان تكرارًا للانتهاكات أو تكرارًا للسقطات المهنية، أو الأطراف المتنافسة، أو تكرار الوجوه البارزة للتيارات المتنازعة وأيضًا يتيح المجال للإعلام للقفز على النتائج والتنبؤ في ضوء مؤشرات كشفت عنها المراحل الأولى من الانتخابات.
ولعل تلك السلبيات يبرهن عليها التناقص التدريجي في المساحة المخصصة للتغطية الإعلامية للانتخابات، لتصل إلى أقل مساحة في المرحلة الثالثة. هذا التناقص ليس كميًا فقط، وإنما من الناحية الكيفية، فتدريجيًا تصبح العناوين أقل وطأة والهجوم أقل سخونة، والانتهاكات المكررة أقل بروزًا، علاوة على ذلك فقد أدى التقسيم الجغرافي للعملية الانتخابية إلى توزيع اهتمامات الرأي العام بالعملية الانتخابية وفقًا لمحافظاتهم، بما يعنى أن ثلثي القراء غير مهتمين بالعملية الانتخابية في المرحلة الثالثة ومن ثم يتراجع اهتمام الصحيفة بها لأنها صارت محل اهتمام النسبة الأقل من القراء على حساب أحداث وأخبار أكثر أهمية وتهم قطاع الأغلبية.
سببًا أخر يُبرر صغر مساحة التغطية الإعلامية للمرحلة الثالثة هو تزامنها مع أحداث مهمة سحبت منها البساط، واحتلت مكانها في الصفحات الأولى من الصحف بل وقاسمتها صفحات البرلمان، أبرز تلك الأحداث هي الهجمة على منظمات المجتمع المدني ومداهمة بعض مقراتها، ومحاكمة مبارك، وردود الأفعال الدولية والرسمية حول هذين الحدثين، وهو ما احتل الصفحات الأولى في كل الصحف، علاوة على قيام الصحف القومية (الأهرام، الجمهورية) بوضع أخبار المنظمات والهجوم عليها في صفحات الانتخابات على اعتبارها “الأكثر انقرائية” وربما للربط بين مداهمتها والعملية الانتخابية!
التغطية الإعلامية للمرحلة الثالثة من الاقتراع
1- الالتزام بالصمت الانتخابي: لم ينجح أحد
التغطية الإعلامية للمرحلة الثالثة حملت في جوهرها تأكيدات على انحرافات مهنية تم رصدها على مدار مراحل الاقتراع الثلاثة، كما أنها حملت تغيرات أثبتت أن هناك من يتقبل النقد ويسعى للتطوير والإصلاح، ولعل هذا يعكس الدور الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني، ففي إطار منظومة متكاملة واحدة لابد أن يسعى كل طرف ليس إلى هدم الأخر أو إقصائه، وإنما إلى رفع كفاءته بكل ما أوتى من إمكانيات وخبرات ونقد بناء.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الدور الذي لعبته تقارير المراقبة الإعلامية والميدانية من مختلف الجهات في لفت انتباه كافة الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية بما فيها وسائل الإعلام واللجنة العليا للانتخابات إلى ضرورة احترام فترة الصمت الانتخابي، فصار خرق المرشحين لفترة الصمت محل مراقبة الإعلام (المصري اليوم والشروق 2 يناير)، وخرق الإعلام للصمت محل نقد تقارير المراقبة الإعلامية. فخلال المرحلة الثانية والثالثة حضر مصطلح الصمت الانتخابي بوضوح في التغطية الإعلامية، وان كان في الكثير منها حضر قولاً وليس فعلاً، فعلى مدار يومي الصمت الانتخابي للمرحلة الثالثة 1-2 يناير 2012 لم تلتزم أي وسيلة إعلامية بالصمت الانتخابي سوى قناة ON.TV، بينما تعد قناة CBC الأكثر خرقًا للصمت الانتخابي بحرصها المستمر على استعراض أبرز المرشحين في مختلف المحافظات وذِكر نبذة مختصرة عنهم “ليلة الاقتراع”.
توخت القنوات العامة وبعض القنوات الخاصة الكثير من الدقة وحاولت أن تلتزم قدر المستطاع بالصمت الانتخابي، ولكن لم تنجح في ذلك بشكل تام ، فقد لجأت إلى التحايل باستضافة قيادات حزبية ليلة الاقتراع للحديث عن موضوعات بعيدة الصلة عن الانتخابات، إلا أن ظهور تلك الشخصيات على الشاشة ليلة الاقتراع وحديثهم في أي قضية عامة يُشكل بشكل أو بأخر خرقًا للصمت الانتخابي (دريم 2 العاشرة مساء، الحقيقة 2، 3 يناير)، (المصرية والنيل للأخبار 1 يناير).
بشكل عام كانت الصحف الأكثر خرقًا للصمت الانتخابي، فقد اخترقت جميع الصحف القومية والخاصة والأسبوعية الصمت الانتخابي بطرق متعددة أبرزها إجراء حوارات مع قيادات حزبية أو مرشحين ليلة الاقتراع ولكن دون إعلانات، فيما عدا جريدة الجمهورية فهي الجريدة الوحيدة التي نشرت إعلان (لحزب الحرية) على مدار يومي الصمت الانتخابي، كما نشرت إعلانا في شكل خبر للمرشح (ياسر الجندي – مرشح حزب الحرية) في عدد 2 يناير دون إشارة لكونه إعلان مدفوع الأجر، بينما كررت جريدة التحرير نشرها لملحق “نحن نساعدك على الاختيار” والذي تذكى فيه مرشحين في كل دائرة وتكتب عنهم نبذات إيجابية تُبرر دعم الجريدة لهم وذلك قبل الاقتراع بـ24 ساعة ، الأمر الذي يعد أبرز أنواع الدعاية وأغربها ، بالإضافة لكونه خرق صارخ للصمت الانتخابي.
2- أحداث تجدد البعد الطائفي
رغم أن البعد الطائفي للتغطية الإعلامية للانتخابات كان قد تراجع نوعًا ما في المرحلة الثانية من الانتخابات، إلا أنه عاد للحضور بقوة في تغطية المرحلة الثالثة، والتي جاءت متزامنة مع بعض الأحداث التي ساهمت في استحضاره، والتي يعد أبرزها واقعة الرسوم المسيئة في أسيوط ، تزامن الاقتراع مع احتفالات الأقباط بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وما صدر من فتاوى حول جواز مشاركة الأقباط الاحتفالات بأعيادهم أو تهنئتهم بها، كذا ظهور جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وما أثارته من فزع قبطي، هذا بالإضافة إلى تضمن هذه المرحلة بعض المحافظات المعروفة بالتركيز القبطي فيها مثل المنيا.
هذه الأحداث أعادت إلى الصحف عناوين حول المواجهات الطائفية في أسيوط (الجمهورية 2 يناير)، وأخرى مثل 20 مرشح قبطي في مواجهة القوائم الإسلامية (المصري 1 يناير)، المنيا: مثلث قبطي في مواجهة مثلث إسلامي (التحرير 1 يناير)، كما عاد السؤال حول موقف التيارات الإسلامية من المرأة القبطية ومن الرئيس المسيحي ومن بناء الكنائس ليفرض نفسه على الحوارات الإعلامية الصحفية والتلفزيونية مع قيادات الأحزاب الدينية (المصري 2 يناير)، لاسيما بعدما نشرت الصحف بعض التصريحات المتشددة في هذا الصدد (التحرير 1يناير)، الأمر الذي دفع بعض القيادات الدينية الإسلامية الوسطية إلى إدخال بعض التعديلات على لغتهم الإعلامية فصاروا أكثر حرصًا على خطب ود الأقباط والنساء في اغلب تصريحاتهم لاسيما التلفزيونية.
3- الهجوم على الإسلاميين في العناوين وحق الرد مكفول في المتن
تجدد البعد الطائفي في التغطية الإعلامية هو أحد انعكاسات الأداء الإعلامي الخاص والعام تجاه صعود التيارات الإسلامية في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات، فالإعلام مازال عاجزًا عن استيعاب الدرس، فهو لم يفهم أن دعايته السلبية ضد التيارات الإسلامية انقلبت عليه، وتحولت إلى أصوات إضافية لهذا التيار الذي بدا المستضعف المضطهد المجني عليه إعلاميًا وربما هذا ما لم يكن يقصده الإعلام من هجومه المستمر على التيارات الإسلامية.
وفي محاولة إعلامية أخيرة لمقاومة هذا الصعود الإسلامي قبل المرحلة الثالثة واعتقادًا بأن تقييم الأداء الإعلامي للوسائل الإعلامية في الانتخابات مقتصر فقط على تقييم صفحات الانتخابات أو البرامج المعنية فقط بالتغطية الانتخابية، لجأت وسائل الإعلام إلى توخي التوازن والتنوع والمهنية في صفحات وبرامج الانتخابات والخروج بالدعاية السلبية من صفحة الانتخابات إلى صفحات أخرى ربما لم يكن متوقع أن يتم التطرق فيها للانتخابات، مثل صفحات وبرامج الفن، المرأة، السياحة، الاقتصاد والتكنولوجيا. وهو تحديدًا ما لجأت إليه صحيفة صوت الأمة الأسبوعية 2 يناير، صحيفة روز اليوسف 1 يناير من خلال صفحات الفن التي جاءت بعناوين (المشاهير يتحدون السلفيون بعد فوزهم بالأغلبية)، (الفن أقوى من الأحزاب الدينية) وهى تحقيقات من شأنها استطلاع مخاوف الإعلاميين -خصوصًا الفنانات- على الفن بعد صعود التيارات الإسلامية وإبراز تصريحاتهم المضادة للتيار الإسلامي، مع تدعيم ذلك ببعض العوامل الإخراجية مثل نشر صور للفنانات بمساحات ضخمة لا تتناسب مع حجم حديثهن في التحقيق. وكذلك صحيفة الأهرام في صفحة المرأة يوم 2 يناير تناولت وضعية المرأة في البرلمان الإسلامي، وكذا عدد الأهرام 1 يناير الذي تناول تحول صعود الإسلاميين إلى نكته على الفيس بوك في صفحة خاصة بالتكنولوجيا.
وسيلة أخرى لجأت إليها جريدة الشروق في نقدها للتيارات الإسلامية وذلك من خلال ملف كامل أعدته في 2 يناير ربطت فيه بين أداء حزب الحرية والعدالة والحزب الوطني المنحل جاء تحت عنوان “البرلمان من أغلبية الوطني إلى أغلبية السمع والطاعة، الإرشاد في مكان أمانة السياسات والشاطر بدلاً من عز”.
هذا علاوة على تركيز المصري اليوم الدائم على الخلافات بين التيارات الإسلامية (الإخوان والسلفيين) وإبرازهم بعناصر إخراجية مُلفتة، وكذا الهجوم الشديد الذي تشنه قناة الحياة على حزبي الحرية والعدالة والنور على لسان مذيعيها فعلى سبيل المثال عقّب أحد المذيعين متهكمًا على صعود التيارات الإسلامية قائلاً “بما إن أسوان اللي بنقول عليهم ناس متفتحة انتخبوا النور، يبقى نتوقع إيه في شرم الشيخ ومطروح”، كما يزج المذيعين باسم حزب الحرية والعدالة في رصد أى انتهاك حتى لو رفض الضيف أو المراسل ذكر اسم الحزب يقول له المذيع “زى حزب الحرية والعدالة مثلا ؟”
الفضائية المصرية من أكثر القنوات هجومًا على السلفيين، فعلى مدار فترة الدعاية للمرحلة الثالثة وكذا فترة الصمت الانتخابي للمرحلة الثالثة كانت معظم التقارير الخارجية للقناة ومداخلاتها التليفونية تنتقد السلفيين وإقحامهم للدين في السياسة وتصريحاتهم ولجنة الأمر بالمعروف، …الخ وهو ما أكدته أسئلة المذيعين لضيوف القناة من التيارات الإسلامية والتي جاءت أغلبها تهكمية على شاكلة “هتفضلوا لحد امتى توزعوا لحمة، كيف تقيموا أخطاء حزب الحرية والعدالة، ما تعليقكم على حشد الإخوان للناخبين على أبواب اللجان….الخ” دون إتباع النمط نفسه من الأسئلة والهجوم مع الأطراف الأخرى التي يثبت ارتكابها لانتهاكات مشابهة.
4- المرحلة الثالثة.. مزيد من الأخطاء المهنية
كشفت فترة الرصد عن العديد من الانحرافات المهنية التي ترتكبها معظم وسائل الإعلام، والتي تعكس انحيازاتها أحيانًا، وضعف مهنية محرريها أحيانًا أخرى، وقد ركز كل تقرير على مجموعة من الأخطاء المهنية البارزة أثناء التغطية الإعلامية لكل مرحلة من الانتخابات وكانت أبرز هذه الانحرافات تجهيل المصادر، خلط الرأي بالخبر، الصورة غير المتسقة مع الخبر، عدم استيعاب المراسلين للنظام الانتخابي والقفز على النتائج أو نشر استطلاعات غير علمية من شأنها التأثير على الرأي العام، والى جانب هذه الانحرافات التي أكدتها المرحلة الثالثة، يكشف التقرير عن:
- تضارب واضح في معلومات المراسلين بما يؤكد ضعف مهنية المراسلين التي سبق الإشارة لها، فعلى قناة CBC ذكرت لميس الحديدي أنه لا يوجد مرشحين للحرية والعدالة والنور في جنوب سيناء ، بينما ذكر مراسل قناة الحياة في اليوم نفسه أن لهم مرشحين، وكذلك قالت قناة CBC أن الناخبين في المنيا عددهم ضعيف، بينما ذكرت الحياة أنهم يُقدرون بأكثر من مليون ناخب وهى من أكثر المحافظات إقبالاً.
- استمرار صحيفة أخبار اليوم (31 ديسمبر) وقناة CBC (3 يناير) في نشر مؤشرات الاقتراع الأولية بعد نهاية اليوم الأول من التصويت أو قبل بداية التصويت وهو ما يعد قفزًا مرفوض على النتائج من شأنه التأثير على الناخبين واختياراتهم لاسيما انه لا يستند على أية معايير علمية أو استطلاعات علمية سوى مشاهدات مراسلي القناة أو توقعات مصادرها، وهو ما نقدته التقارير السابقة وامتثلت له الكثير من وسائل الإعلام.
- استمرار الصحف في نشر مقالات لمرشحين دون الإشارة لكونهم مرشحين، أو تجريم استخدامهم لمساحات الرأي في الدفاع عن مواقفهم أو مواقف أحزابهم أو مهاجمة خصومهم وهو ما يتنافى مع قواعد المهنية التي تلزم الجريدة بوقف مقالات المرشحين لاسيما أيام الصمت الانتخابي.
- الخلط في المسميات بيين السلفيين وحزب النور، الإخوان والحرية والعدالة، التحالف الديمقراطي وتحالف الحرية والعدالة، حزب الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية وهو ما تجلي بشكل أكبر في صحيفتي الفجر 29 ديسمبر ، صوت الامة 2 يناير
- اقتطاع جمل قول مخالفة لما جاء في نص المتن، واقتطاع عناوين مثيرة لا تعبر عن السياق (الفجر وصوت الأمة و روز اليوسف) واستخدام الأسئلة الإيحائية “اليس كذلك ؟” لدفع دفة الحوار بما يخدم انحيازات الوسيلة.
5- غياب عدالة التوزيع الجغرافي للتغطية … خطأ يتكرر
في مرحلة فتح باب الترشيح ومرحلة الدعاية كانت القاهرة تأتى غالبًا في الصدارة من حيث الاهتمام الإعلامي تليها مجموعة من المحافظات القريبة منها بينما تقل التغطية تدريجيًا كلما ابتعدنا عن القاهرة الكبرى. وفي أثناء المرحلة الأولى والثانية من الاقتراع حصدت القاهرة والجيزة النسبة الأكبر من التغطية وظلت المحافظات الحدودية البعيدة الأقل اهتمامًا، وهو ما برهنت عليه المرحلة الثالثة والتي ضمت عدد من المحافظات البعيدة مثل جنوب وشمال سيناء والوادي الجديد واللذين جاءوا في ذيل القائمة بعناوين مكررة وتغطية متشابهة تقتصر فقط على الإشارة إلى الطبيعة القبلية لهذه المناطق، ومشاركة المرأة في الاقتراع، دون أن تحظى هذه المحافظات بتحليل متعمق للتيارات المتنافسة فيها أو أشهر مرشحيها وبرامجهم، أو التطرق لاحتياجات هذه المناطق ودور البرلمان في تعميرها كما حظت محافظات أخرى أكثر قربا مثل القليوبية والغربية والدقهلية.
6- المرحلة الثالثة….مؤشرات تتأكد
كان من الصعب في المراحل الأولى للعملية الانتخابية التنبؤ بانحيازات وسائل الإعلام أو تقدير مواقفها من الجهات الرسمية في الدولة، وهذا لا يعنى أنه من المفترض أن تكون هناك انحيازات، وإنما المقصود أنه كان من الصعب الوقوف على مواقف وسائل الإعلام من الأطراف المختلفة في العملية الانتخابية ورصد تغيراتها، ولكن تكرار المؤشرات على مدار فترة الانتخابات برهن على مجموعة من المؤشرات يمكن إدراجها على النحو التالي:
· المصري اليوم الأكثر تركيزًا على بحث طبيعة العلاقة بين العسكري والإخوان، هل هي علاقة صدام، اتفاق، صفقة، تبادل مصالح…الخ ومدى تأثير هذه العلاقة أيًا كان نوعها على الثوار والأطراف السياسية الأخرى، وهو ما يؤكده إصرار الصحيفة على طرح سؤال حول علاقة الإخوان والعسكري في كافة حواراتها مع كل الأطراف، واختيارها لجمل القول للقيادات الإسلامية التي تنطوي على ربط ما بالعسكري (المصري 1و2 يناير).
· جريدة التحرير الأكثر استحضار للبعد الطائفي في التغطية الانتخابية، فإلى جانب ما تم رصده من عناوين وموضوعات طائفية للجريدة في تقارير المرحلة الأولى والثانية من الاقتراع، عادت الجريدة لتستخدم العناوين نفسها قبيل المرحلة الثالثة مثل عنوان تحقيق في عدد 2 يناير بعنوان: المنيا المثلث القبطي في مواجهة المثلث الإسلامي، وفي الصفحة الثانية من العدد نفسه تحقيق بعنوان “من التحرير إلى أسيوط المصحف مع الصليب” ، ورغم ما يحمله العنوان من محمل إيجابي إلا أن العناوين الفرعية للتحقيق نفسه جاءت تعكس غير ذلك مثل “النور يقولها صراحة لا نريد حاكمًا مسيحيًا ولا دولة مدنية”، “بكار: نهنئ المسيحيين في مناسبتهم الاجتماعية لا الدينية” ، وكأن الجريدة قصدت التأكيد على عدم حقيقة العنوان الرئيسي أو توصيل انطباع بذلك للقارئ.
· الجمهورية المدافع الأبرز عن الحكومة ووزارة الداخلية، وهو اتجاه يتأكد تدريجيًا، سواء من خلال المؤشرات الكمية (أكبر مساحة للحكومة) أو الكيفية التي تنطوي دائمًا على استعراض لانجازات رجال الحكومة والدفاع عن مواقفهم والذي تبلور في ملف حصاد السنة في عدد 1 يناير 2012 ، عبر إعلان شكر في الصفحة الأولى “شيخ بلدة الخصوص يتقدم بخالص الحب والتقدير والدعم الكامل منه ومن أهل الخصوص لرجال الشرطة الذين أعادوا الأمن والاستقرار للشارع المصري”، وعلى الجانب الأخر تعد قناة الفضائية المصرية والنيل للأخبار الأكثر اهتمامًا بالجيش وذلك بتكرارهما لمشاهد تأمين الجيش للجان ومساعدته للناخبين، وكلمات المشير للحث على المشاركة تقريبًا في كل تقاريرهما الانتخابية والمتكررة لعدة مرات على مدار اليوم الواحد.
· جريدة روز اليوسف الأكثر هجومًا على التيارات الإسلامية بكل روافدها، وهو اتجاه واضح جدًا في عناوينها التي تنطوي على خلط واضح بين الرأي والخبر، وافتتاحيات أخبارها التي غالبًا ما تنطوي على توصيفات شديدة السلبية للإسلاميين من نوعية “سلفيون يعملون لحساب الموساد في مصر” (تحقيق بمساحة صفحة كاملة في عدد الجمعة 30 ديسمبر)، و في تحقيق بتاريخ 2 يناير ذكر المحرر “أنه على الرغم من أن نتائج الانتخابات لم تكن مرضية للأغلبية و سادت حالة فزع من صورة البرلمان الإسلامي إلا أنهم (الجريدة) يحاولون رسم صورة متوازنة للبرلمان”، وفي العدد نفسه ضمن حوار طويل مع الدكتورة نوال السعداوي استقطعت الجريدة جملة “انتهى عصر الدكر، وعلى الإسلاميين الرحيل عن البلاد” لتبرزه مانشيت في صفحتها الأولى رغم أنه الأقل أهمية، الأمر نفسه تكرر في عدد 1 يناير فمن بين تصريحات الفنانين اختارت الجريدة تصريحا لإيناس الدغيدي “أدفع حياتي ثمنًا لمواجهة التيار الديني” ليكون عنوانا لصفحتها الأولى.
· قناة الحياة كانت الأكثر دفاعا عن حزب الوفد، قد تكون القناة مقلة جدًا في استضافة قيادات وفدية على شاشاتها ولكنها تُروج له من خلال استعراض تصريحاته ومؤشرات غرفة عملياته التي ترصد انتهاكات كل الأحزاب (مثال الحياة اليوم 3 يناير) وكذا تتبع خطوات رئيس حزبه (الحياة الآن 3 يناير) ونقل مؤتمراته كاملة في تقاريرها، هذا علاوة على الزج باسم الوفد غالبًا في الكشف عن الانتهاكات والإبلاغ عنها والتصدي لها.
· القنوات الدينية الإسلامية الأكثر هجومًا على التيارات الليبرالية، وهو ما كشفت عنه قناتي الرحمة والناس على مدار فترة البحث، وهو النقد الذي بلغ حد التكفير والحض على الكراهية، والقنوات الدينية المسيحية الاقل حديثا عن العملية الانتخابية.
· النيل للأخبار و ON.TV كانتا الأكثر التزامًا بالحيادية والتنوع ولكن هذا لا ينفي انحيازها الليبرالي في اختيار ضيوفها ومصادرها على حساب الضيوف والمصادر الإسلامية.
7- حملات التوعية والتثقيف..لا تكفي أحيانًا
الصحف الأسبوعية هي الأقل اهتمامًا بجوانب التثقيف والتوعية ومخاطبة الناخبين بشكل عام، إلا أنه وبعد انقضاء مراحل الاقتراع الثلاثة يمكن القول أن أغلب وسائل الإعلام وقعت في فخ الإثارة أكثر من نجاحها في شرح البرامج الانتخابية، فنحن لا ننكر عليها دورها المتميز في حشد المواطنين للتصويت والمشاركة ولكنها فشلت في مساعدتهم على اختيار الحزب الذي يمنحوه أصواتهم، فبتحليل أسئلة المذيعين والحوارات وجد أن وسائل الإعلام ركزت على المحاور المثيرة في تصريحات الإسلاميين ومواقفهم من قضايا ثانوية وكذلك في استضافتها للكوادر الليبرالية لم تتطرق إلى برامج انتخابية وخطط إصلاحية وإنما دفعتهم للحديث حول مواقفهم من الأحزاب الإسلامية، ولم يقوم الإعلام بدوره في استعراض البرامج الانتخابية والرؤى الحزبية حول الاقتصاد والسياسة الخارجية والدعم …الخ وغيرها من القضايا المحورية واستنزف الجزء الأكبر من التغطية في الحديث حول البكيني والخمر ….الخ
8- المرأة في العملية الانتخابية
اهتمام الإعلام بالمرأة في العملية الانتخابية مازال يعكس قصورًا واضحًا في تقدير دور المرأة المصرية في الحياة السياسية والتحول الديمقراطي، فالمرأة تعانى تجاهل واضح أكدته التقارير الكمية والكيفية على مدار فترة البحث، وإن كانت بعض الوسائل الإعلامية قد انتبهت لهذا القصور في منتصف العملية الانتخابية فصارت أكثر اهتمامًا بتغطية أخبار المرشحات ومؤتمراتهن (CBC في 2 يناير)، أو إجراء حوارات مع شخصيات نسائية بارزة مثل تهاني الجبالي ونهى الزيني وعزة كامل إلا أن الاهتمام الإعلامي بالمرأة يبدو ضعيف في مجمله.
كان لصعود التيارات الدينية في هذه الانتخابات أثره على المعالجة الإعلامية للمرأة في هذه الانتخابات، فقد استحضرت التيارات الإسلامية المرأة بقوة في الوسائل الإعلامية بتصريحاتهم حول المرأة وفتواهم بجواز ترشحها أو تصويتها، وتدريجيًا حازت أنماط الدعاية الإسلامية للمرشحات المسلمات على اهتمام الإعلام، وكذا محاكاة بعض الأحزاب لتلك الأنماط بعدما رصدوا قبول مجتمعي لها في بعض المحافظات (الوفد يحجب صورة مرشحة)، وبشكل عام تعتبر قناة CBC القناة الوحيدة التي اهتمت بمؤتمر لمرشحات مجلس الشعب وإجراء حوارات معهم وركزت على بحث دور المرأة في البرلمان، وكذلك جريدة الأهرام في 2 يناير والتي خصصت صفحة للحديث عن “المرأة بين التمكين والتهميش، ووضع المرأة في البرلمان وقوائم الأحزاب“.
استخدام المرأة في الهجوم على التيارات الإسلامية كان منهج صحيفة الفجر مخترقة كافة قواعد المهنية في عدد 2 يناير بثلاث موضوعات منفصلة، الأول: “زوجة سلفي تحكى قصتها والذي يتناول اعترافات سيدة مجهولة عن الانحرافات الأخلاقية لزوجها السلفي الذي لم تكشف الجريدة عنه واكتفت باعتباره مثالا لكل الأزواج السلفيين” ، الموضوع الثاني جاء بعنوان “الاستغلال الجنسي والسياسي لنساء الإخوان” والذي تناول إهانة صريحة لنساء التيارات الإسلامية على اعتبارهن أداة لدعاية الحزب، العنوان الثالث اقتطعته الجريدة من سياقه لتبرزه عنوانًا في صفحتها الأولى على لسان “نهى الزيني”: القوى الإسلامية تقوم الدعاية الخاصة بها على احتقار المرأة”.
كذا تطالعنا جريدة المصري اليوم في صفحتها الأولي يوم 1 يناير بخبر بعنوان “منتقبة تطالب وزير الداخلية بملاحقة البلطجية” وهو توصيف غير مهني ولا يحمل أي دلالة مفيدة، والدليل على ذلك أن الخبر تكرر في صفحة الحوادث في نفس العدد بلفظة سيدة محل لفظة منتقبة و هو ما يعكس دلالة مسيئة للمرأة قصدتها الصحيفة في صفحتها الأولى.
القنوات الدينية
بعد نجاح التيارات الإسلامية في حصد النسب الأكبر خلال المرحلتين الأوائل من الاقتراع، لم تعد القنوات الدينية في حاجة إلى مهاجمة باقي التيارات بالعنف الذي كانت تتبعه في فترات الدعاية وقبيل الاقتراع، وإنما بدأت مرحلة جديدة من الحوار تقوم بالأساس على فكرة الإقصاء والتهميش أو تغافل وجود تيارات أخرى، فقد بدأت القنوات الدينية (الرحمة والناس) بالتعامل مع المرحلة الثالثة من الاقتراع على اعتبارها تحصيل حاصل، فانصرفت عن الدعاية وبدأت تفكر في كيفية إدارة الحكم الإسلامي، فجاءت كل برامجها مناقشات إسلامية/ إسلامية حول توزيع الأدوار من يتولى المعارضة وكيف يتم التشريع، و”هل من المفترض أن تكون هناك معارضة أم أن الشورى بين المسلمين تكفي لإدارة شؤون البلاد” مثلما جاء عبر برنامج الشعب يختار على قناة الرحمة.
وأخيرا تكرار هذه الانحرافات على مدار المراحل الثلاثة للاقتراع إنما يعكس تراخى الجهة الرقابية في ضبط وملاحقة هذه الانتهاكات المتكررة ليس فقط الانحرافات الإعلامية وإنما الميدانية أيضًا.
Share this Post