يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالطلب الذي تقدم به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى قضاة المحكمة بتوقيف وضبط الرئيس السوداني عمر البشير، استنادا إلى الأدلة التي توفرت لدى المدعي العام، والتي يرى أنها كافية لتوجيه الاتهام للرئيس البشير وآخرين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوداني في إقليم دارفور.
ويعتقد مركز القاهرة أن هذا التطور البارز يشكل خطوة هامة من أجل وضع حد لسياسات الإفلات من العقاب في العالم العربي، والاقتصاص العادل لضحايا الأعمال الوحشية التي ارتكبها الجيش السوداني، وميليشيات الجنجويد التي حظيت بحصانة ودعم السلطات السودانية، والتي أدت إلى سقوط نحو 300 ألف قتيل، وتشريد نحو 3 مليون مواطن داخل السودان وفي الدول المجاورة، واغتصاب آلاف النساء والأطفال، وحرق مئات القرى.
ويؤكد مركز القاهرة أن ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم أيا كانت مواقعهم، وإنزال حكم العدالة بحقهم يشكل خطوة أساسية من أجل بناء السلام في السودان، ومن أجل وضع حد لتنامي النزعات الانتقامية والثأرية من قبل الجماعات المسلحة المختلفة في دارفور. كما أن مركز القاهرة يثق في أن المحكمة الجنائية الدولية تتوافر فيها معايير العدالة والنزاهة -خلافا لواقع الحال في النظم القضائية العربية- وأن الرئيس البشير يمكن أن يبرئ نفسه أمامها إذا ما توافرت لديه مقومات البراءة.
ويشدد مركز القاهرة على أن السلطات السودانية تتحمل المسئولية عن المأزق الذي تواجهه الآن، فقد رفض النظام السوداني التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، والاستجابة لطلب المحكمة في أبريل 2007 بتسلم اثنين من المتهمين، وهما أحمد هارون وزير الدولة للشئون الإنسانية!! وعلي كوشيب القائد الأسبق لميلشيات الجنجويد، ولم يبادر حتى بإحالتهما للمحاكمة أمام القضاء الوطني. وعلى مدار السنوات الخمس رفضت الحكومة السودانية تقرير الجامعة العربية عن دارفور، وقامت بمراوغة الاتحاد الأفريقي، ثم مجلس الأمن، وعرقلة وتعطيل انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وفاقمت من المعاناة الإنسانية للشعب السوداني بمنع دخول المساعدات الإنسانية تارة، أو التواطؤ تارة أخرى على الهجمات التي تتعرض لها قوافل الإغاثة والعاملين بمؤسسات الإغاثة.
وفي ذات الوقت فإن قدرا من المسئولية يقع على عاتق أطراف النظام العربي، وبعض الأطراف الدولية وفي مقدمتها الصين وروسيا، عبر أشكال الدعم السياسي والمادي والعسكري للنظام السوداني على حساب مصالح شعبه، والتواطؤ على الانتهاكات الجسيمة، ودعم سياسات المراوغة والمماطلة التي ينتهجها النظام السوداني، للتهرب من استحقاقات السلام والعدالة.
ويحذر مركز القاهرة من احتمالات إقدام قادة السودان على تنظيم ردود أفعال انتقامية وغير مسئولة، قد تقود إلى تصعيد العمليات العسكرية، وتفاقم من المأساة الإنسانية المتواصلة لخمس سنوات في إقليم دارفور. ويدعو المركز في هذا الإطار جامعة الدول العربية، وأطراف النظام العربي لحث قادة السودان ولو لمرة واحدة، على أن يضعوا مصالح الشعب السوداني فوق أي اعتبار آخر. كما يدعو المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته واتخاذ الإجراءات الكفيلة بقطع الطريق على أية أعمال انتقامية وتأمين الحماية الدولية لسكان دارفور، من جراء تلك الأعمال المحتملة.
وأخيرا، فإن مركز القاهرة يدرك أن مطاعن عديدة تطال مظلة العدالة الدولية، بفعل سياسة المعايير المزدوجة المتفشية في مجلس الأمن، التي أضفت نوعا من الحصانة على مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وبخاصة في فلسطين والعراق. غير أن ذلك لا ينبغي أن يشكل مسوغا لنبذ العدالة إذا ما طالت بعضا من مجرمي الحرب.
ويتعين على الذين ينشدون الحماية للمسئولين السودانيين المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أن يتقدموا باعتذارهم لمجرم الحرب الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي حوكم أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب على المذابح وأعمال الاغتصاب الجماعي، التي ارتكبها بحق المسلمين وغيرهم في كوسوفا والبوسنة والهرسك وكرواتيا، وهى نفس الجرائم التي ارتكبها النظام السوداني في دارفور.
إن الذين ينشدون بحق إعمالا منسجما لمعايير العدالة، يتعين عليهم أن يدعموا كل بادرة من شأنها أن تحد من إفلات مرتكبي الانتهاكات الجسيمة من العقاب، وأن يعتبروا مثل هذه المبادرة منطلقا لتضافر النضالات الإنسانية في التصدي للمعايير المزدوجة، ومن أجل أن تطول يد العدالة وتردع مرتكبي تلك الجرائم في كافة بقاع العالم.
Share this Post