من أجل مراجعة شاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر
السيد: شارل ميشيل
رئيس المجلس الأوروبي
السيد: جوزيب بوريل
الممثل السامي للمفوضية الأوروبية
السيد: أوليفر فاريلي
مفوض الاتحاد الأوروبي
نكتب إليكم نحثكم على إجراء مراجعة شاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر في ضوء الحملة المستمرة وغير المسبوقة ضد حقوق الإنسان في البلاد. وندعوكم إلى وضع وتنفيذ استراتيجية شاملة تستهدف نتائج محددة، وتستخدم جميع الأدوات المتاحة تحت تصرف الاتحاد الأوروبي لوقف هذا التوجه القمعي بشكل عاجل، والتواصل بشكل أفضل مع مصر بشأن حماية حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الإفلات من العقاب.
في سبتمبر 2019، خرج الآلاف من المتظاهرين السلميين في جميع أنحاء مصر إلى الشوارع ضد التقشف وضد الفساد المتفشي في الحكومة وفي الجيش. وردت السلطات المصرية بموجة هائلة من الاعتقالات، احتجزت فيها تعسفًا الآلاف من المتظاهرين السلميين والمواطنين المشتبه في معارضتهم. وفي غضون أسابيع، تم اعتقال أكثر من 4000 شخصًا، حسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات. وقد صاحب هذه الاعتقالات حملة قمع عنيفة ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنقابيين والمنظمات غير الحكومية وشخصيات حزبية معارضة.
جاءت هذه الاعتقالات كجزء من نمط متكرر من الهجمات الوحشية ضد المجتمع المدني وقمع الحقوق الأساسية وجميع أشكال المعارضة، وقد ازدادت هذه الهجمات سوءًا بشكل كبير في ظل حكم الرئيس السيسي.
ومع الأسف، فقد التزم الاتحاد الأوروبي الصمت في مواجهة التدهور الحاد لحقوق الإنسان في مصر، الأمر الذي يرجع في الغالب إلى انقسامات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي جعلت من شبه المستحيل مجرد إصدار بيانات تعبر عن قلق الاتحاد الأوروبي إزاء الأوضاع في مصر، وحالت بالطبع دون اتخاذ إجراءات عملية.
فبعد موجة عنف واعتقالات وترهيب شنتها الحكومة المصرية، كان رد الاتحاد الأوروبي سلبيًا مما دفع البرلمان الأوروبي إلى الدعوة لمراجعة شاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر.
ونحن إذ نتفق أن ثمة حاجة ملحة لهذه المراجعة، نظراً لفشل التوجه الحالي في الوصول لأية نتائج ذات معنى، نحث الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد على:
- التأكيد مجددًا أن‘حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون’هي العناصر الأساسية في أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، وضمان التنفيذ السليم لهذه الالتزامات.
تنص أولويات الشراكة 2017-2020 على أن علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر تسترشد بالالتزام المشترك بالقيم العالمية للديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وفي هذا العام والمقرر فيه تجديد هذه الشراكة، على الاتحاد الأوروبي الإصرار على وضع هذه القيم في قلب شراكته، وأن يهدف إلى الحصول على التزامات أقوى وأكثر واقعية من مصر بشأن هذه القضايا، وأن يضمن التزامًا أفضل في ضوء استمرار فشل مصر في ذلك خلال الدورة الحالية.
كما ينبغي أن تؤكد أولويات الشراكة الجديدة على أهمية أن يكون المجتمع المدني المستقل شريكًا منفذًا، قادرًا على تلقي التمويل دعمًا لأنشطته في مجال حقوق الإنسان والتنمية دون قيود لا مبرر لها.
كما يتعين على الاتحاد الأوروبي الالتزام بالمزيد من الدعم للمدافعين المصريين عن حقوق الإنسان، الذين يواجهون الملاحقة القضائية، من خلال الاستمرار في مراقبة محاكماتهم ومطالبة الحكومة المصرية بالوفاء بالتزاماتها الواردة في المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، وإصدار إدانات علنية حاسمة وقوية رداً على انتهاك السلطات المصرية لحقوق الإنسان.
- إجراء مراجعة عامة وشاملة لأوجه دعم ميزانية المفوضية الأوروبية لمصر، والتأكد من أن أموال الاتحاد الأوروبي لا تسهم في انتهاكات حقوق الإنسان
لقد سبق وتم تجميد صرف هذه الأموال بعد استنتاجات مجلس الشئون الخارجية لعام 2013، بعدما ثبت أنه من الصعب على المجتمع المدني وعلى أعضاء البرلمان الأوروبي الوصول إلى معلومات مفصلة حول الوضع الحالي فيما يتعلق بأوجه دعم الميزانية لمصر. هذا يمنع التدقيق العلني في استخدام ميزانية الاتحاد الأوروبي، ويتعارض مع مبادئ الشفافية والمساءلة. وعليه فمن الضروري أن تنشر المفوضية الأوروبية معلومات واضحة وشاملة حول الدعم المالي الذي تقدمه إلى دول العالم الثالث، وذلك لتبديد الشكوك وتوضيح دور المفوضية الأوروبية. هذه المعلومات يجب أن تكون مفصلة وواضحة في أن أموال الاتحاد الأوروبي لا تدعم انتهاكات حقوق الإنسان ولا تُستخدم لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
كما يجب على الاتحاد الأوروبي ضمان أن التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة يتوافق تمامًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، على أن يكون أي تمويل من الاتحاد الأوروبي في هذا المجال مجهزًا بآلية مراقبة لضمان عدم تورط الاتحاد الأوروبي في تمويل الهيئات أو المؤسسات المشاركة في انتهاكات حقوق الإنسان في مصر أو المساهمة فيها.
- ضمان أن تكون حقوق الإنسان ومشاركة المجتمع المدني المستقل عنصرين رئيسيين في المشاركة المالية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي مع مصر
بين عامي 2017 و2020 تدهورت حالة حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في مصر، لذا يجب ألا يعتمد الاتحاد الأوروبي فقط على آليات سياسة الجوار، بل يتعين ضمان أن يكون احترام حقوق الإنسان ومشاركة منظمات المجتمع المدني المستقلة عنصرين رئيسيين في جميع مجالات تعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر – بدءًا من المفاوضات التجارية إلى استراتيجيات إقراض البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير[1] وبنك الاستثمار الأوروبي، وكذلك المؤسسات المالية الدولية التي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء صوت فيها – وذلك من أجل تشجيع مصر على اعتماد سياسات تحمي حقوق الإنسان.
- ضمان تقديم تقارير عامة وشفافة حول صادرات الأسلحة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى مصر، والتنفيذ الكامل لضوابط تصدير الاتحاد الأوروبي للسلع التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي أو التعذيب أو عقوبة الإعدام
لم تمتثل العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لالتزاماتها المنصوص عليها في استنتاجات الشئون الخارجية لعام 2013 فيما يتعلق بتصدير المعدات التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي في مصر، وذلك وفقًا للموقف المشترك 2008/944/CFSP. واستنادًا إلى تقارير الاتحاد الأوروبي نفسه، إذ قدمت 12 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إلى مصر منذ عام 2013 معدات عسكرية أو أمنية يمكن استخدامها للقمع الداخلي. وواصلت منظمات حقوق الإنسان توثيق استخدام المعدات العسكرية أو الأمنية المستوردة من أوروبا في ارتكاب انتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، بما في ذلك خلال احتجاجات شهر سبتمبر 2019 وأثناء العمليات العسكرية في شمال سيناء. وفي الوقت نفسه، تم استخدام تقنيات المراقبة لقمع المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.
- تكثيف تفاعل الاتحاد الأوروبي بشأن مصر في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة
على الاتحاد الأوروبي أن يعزز جهوده من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر من خلال مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، على النحو المتبع لعدة سنوات في إطار البند 4 من جدول الأعمال. تبدأ بيانات الاتحاد الأوروبي حول مصر أمام المجلس غالبا بالفقرة المتعلقة بالاعتراف بـ “جهود مصر في مكافحة الإرهاب” وهذه اللغة تحتاج لمراجعة بالنظر إلى تبرير مصر بشكل منتظم لقمعها المتزايد ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين عمومًا بحجة “مكافحة الإرهاب”، بينما ترتكب انتهاكات جسيمة كجزء من حملتها المستمرة في شمال سيناء.
وفي ضوء تصاعد الانتهاكات في مصر، وعدم تعاونها مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر تدقيقًا في فحصه لحالة حقوق الإنسان في مصر في 2020، وأن يثير وضع حقوق الإنسان في مصر بصورة منهجية خلال المناقشات العامة بالمجلس في إطار البند4، مشيرًا على وجه الخصوص إلى إساءة استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب في استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، وثقافة الإفلات من العقاب السائدة على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. كما يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الإشارة للحالات الفردية للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون أعمال تخويف وانتقام عقابًا على تعاونهم مع الأمم المتحدة، بما في ذلك المشاركين في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
- مواجهة محاولات مصر لتقويض فعالية واستقلالية الأمم المتحدة وآليات حقوق الإنسان الدولية الأخرى
تسعى مصر بانتظام إلى تقويض نزاهة ومصداقية مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها أثناء مكافحة الإرهاب. وتحت ذريعة دعم حقوق ضحايا الإرهاب، سعت مصر إلى صرف الانتباه والموارد عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في سياق تدابير مكافحة الإرهاب، والتركيز بدلاً من ذلك على “انعكاسات سياسات مكافحة الإرهاب على حقوق الإنسان”، حتى أنها تدعي أن مصر الدولة هي ذاتها ضحية لانتهاكات حقوق الإنسان.
تهدف هذه الجهود المصرية إلى تقويض الإطار المؤسسي الحالي، وتشتيت الانتباه عن إساءة استخدام مصر والدول الأخرى لمحاربة الإرهاب في قمع حقوق الإنسان للأفراد والوقوف ضد أنشطة المجتمع المدني في الداخل. علاوة على ذلك، فإن تعيين مصر كقيادة مشتركة في المراجعة المستمرة لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، يعرض أحكام حقوق الإنسان المتضمنة حاليا في الاستراتيجية للخطر. ومن ثم يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه استخدام موقعهم في الأمم المتحدة لمواجهة الجهود الضارة التي تقودها مصر، بما في ذلك ضمان أن تعالج مراجعة 2020 لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب أوجه القصور في تنفيذ ركيزة حقوق الإنسان في الاستراتيجية (الركن الرابع).
- يجب إخطار المسؤولين المصريين رفيعي المستوى بأن الاتحاد الأوروبي على استعداد للتصدي لانتهاكات مصر الخطيرة والمنهجية لحقوق الإنسان، وعلى الاتحاد الأوروبي ضمان المساءلة واستعادة احترام حقوق الإنسان في ضوء قرار البرلمان الأوروبي المؤرخ 24 أكتوبر 2019.
كما نود أيضًا أن نطلب اجتماعًا مشتركًا معكم لمناقشة هذه المشكلات بشكل أكثر تفصيلاً.
نتطلع إلى ردكم، ونسعد بتقديم أية معلومات أخرى في هذا الصدد.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
المنظمات الموقعة:
- منظمة العفو الدولية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مرصد حقوق الإنسان
- الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- مراسلون بلا حدود
- سوليدار
[1] يشدد الاتفاق المنشئ للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، على التزام جميع الأطراف المتعاقدة بالمبادئ الأساسية بما في ذلك سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
Share this Post