يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالنتائج والتوصيات الصادرة عن لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن العدوان الأخيرة على غزة عام 2014 والوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة، والذي قامت اللجنة بتقديمه اليوم لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في إطار الدورة التاسعة والعشرون والمنعقدة حاليًا في مقره بجنيف. ويطالب المركز المجتمع الدولي ككل بدعم الجهود الرامية إلى تحقيق المساءلة وضمانات عدم تكرار الانتهاكات، وذلك من خلال ضمان تنفيذ التوصيات التي تضمنها التقرير.
لقد أفادت لجنة التحقيق المستقلة المكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان بوجود أدلة دامغة تفيد بانتهاك القانون الدولي الإنساني أثناء العدوان الأخير على غزة، وخلال الهجمات الموجهة عمدا بحق المدنيين، والتي أسفرت عن سقوط قتلى، ودمار للبنية التحتية المدنية على نطاق واسع.
وفقًا للأرقام التي قدمتها لجنة التحقيق المستقلة، سقط 1462 قتيلًا مدنيًا فلسطينيًا، بينهم 299 امرأة و551 طفل،[1] فضلًا عن 6 مدنيين في إسرائيل. كما أفاد التقرير بأن نهج الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتُكبت خلال العام الماضي، مازال مستمرًا.
عكَّس التقرير أيضًا السياسة الواضحة التي تقوم بها القيادة العسكرية الإسرائيلية باستهداف المدنيين من خلال الغارات الجوية، واستخدام المدفعية والأسلحة الثقيلة المتفجرة الأخرى في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وبعد استعراض الكثير من الأدلة، بما في ذلك شهادات الضحايا حول الهجوم العسكري الذي دام 52 يومًا، خلصت لجنة التحقيق إلى أن العديد من الهجمات الإسرائيلية تقع ضمن نطاق جرائم الحرب، ملقيةً الضوء على مسئولية ودور السلطات الاسرائيلية وكبار المسئولين في تنفيذ هذه الجرائم.
وفيما يتعلق بالجماعات الفلسطينية المسلحة، أعربت اللجنة عن قلقها إزاء الطبيعة العشوائية لمعظم القذائف الموجهة نحو إسرائيل، والتي تشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. كما أدانت اللجنة عمليات الإعدام المزعومة بحق المتهمين “بالتعاون مع إسرائيل”/”العملاء”، التي تصل إلى حد جريمة حرب.
بعد النظر في آليات المساءلة الداخلية الإسرائيلية، خلصت اللجنة إلى أن الآليات الداخلية الإسرائيلية الحالية لا تفي بالمعايير الدولية للنزاهة والاستقلال والسرعة والفعالية. إذ أكدت اللجنة فشل القدرة على المساءلة المحلية في إسرائيل، وأضافت أن سياسة الإفلات من العقاب سائدة ومعممة فيما يتعلق بانتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان المزعوم ارتكابها ممن قبل القوات الإسرائيلية، سواء كان ذلك في سياق الاقتتال في قطاع غزة أو القتل، أو التعذيب، أو سوء المعاملة في الضفة الغربية. كما خلصت اللجنة –وبعد دراسة الحوادث السابقة والتحقيقات في جرائم الحرب المزعوم ارتكاب القوات الإسرائيلية لها– إلى أن إسرائيل تصر على عدم مساءلة مرتكبي الانتهاكات، رغم أن هذه المساءلة –حسب اللجنة– ليست فقط وسيلة لضمان العدالة للضحايا ولكن أيضًا لتحقيق الضمانات اللازمة لعدم التكرار.
وفيما يدعم مركز القاهرة بقوة ما خلصت إليه لجنة التحقيق، والمتعلق بالحاجة لإيجاد آليات شاملة وفعالة للمساءلة عن الانتهاكات المرتكبة خلال عام 2014، يلاحظ المركز بعض أوجه القصور في التقرير. لاسيما أنه وعلى الرغم من إشارة التقرير الى هجمات واسعة النطاق ومنهجية موجهة ضد السكان المدنيين، فلم تتطرق لجنة التحقيق الى الحديث عن ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” مزعومة من قبل إسرائيل. كما لم تحظ التحقيقات في قضايا النازحين الفلسطينيين داخليًا في غزة، والذين يبلغ عددهم الآن ما يقرب من 100,000 شخص، وكذا لم تحظ الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وخاصةً القدس الشرقية، بالاهتمام الكافي في التقرير.
ويؤكد المركز في هذا الصدد على ضرورة النظر لهذا التقرير في سياق “القضايا الهيكلية التي تؤجج الصراع” كما ذكرت اللجنة، لاسيما حرمان الفلسطينيين من الحق في تقرير المصير، وسياسة تقسيم الأرض ومصادرتها من خلال بناء جدار الفصل والمستوطنات، فضلًا عن الضم غير القانوني للقدس الشرقية والحصار المستمر على قطاع غزة والممتد لثماني سنوات. هذه السياسات غير الشرعية تمثل جذور العنف المتكرر والتصعيد المستمر في الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ويؤكد مركز القاهرة من جديد تضامنه الكامل مع نضال الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، دون استخدام المقاومة كذريعة لارتكاب عمليات القتل خارج نطاق القضاء أو تعريض حياة المدنيين للخطر، إذ يساعد ذلك فقط في تأجيج الصراع وتقويض نضال الشعب الفلسطيني. ويُذكَّر المركز بأنه لا سبيل للسلام من دون ضمان المساءلة الحقيقية عن النمط السائد من انتهاكات القانون الدولي والمتكررة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وتحقيقًا لهذه الغاية, يوصى مركز القاهرة بالأتي:
- على أعضاء المجتمع الدولي، وخاصةً الأطراف السامية في اتفاقية جنيف الرابعة، العمل على تنفيذ توصية لجنة التحقيق الخاصة بدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق والمحاكمة عن كل الجرائم التي ارتكبت أثناء العمليات العدائية. كما يدعو هذه الدول لتتبع توصيات لجنة التحقيق بشأن ممارسة الولاية القضائية العالمية، وقبول حالات الجرائم الدولية في محاكمها الوطنية، وذلك تماشيًا مع أحكام المادة (1) من اتفاقية جنيف الرابعة.
- يدعو المركز المجتمع الدولي لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لرفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وتسهيل عمليات الإغاثة والعمل على إعادة إعمار سريعة وفعالة، تحقق الانتعاش الاقتصادي وتضمن إعادة تأهيل البنية التحتية، الأمر الذي يشكل جزءً أساسيًا من عملية إنهاء الأزمة الإنسانية طويلة الأمد في قطاع غزة.
- على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء حالة الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، وضرورة إيجاد وتفعيل آليات للمساءلة تضمن تعويضات عادلة للضحايا الفلسطينيين عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بهم قبل وأثناء وبعد العدوان.
- على مجلس حقوق الإنسان ضمان المتابعة الفعالة لتنفيذ توصيات لجنة التحقيق، من خلال إنشاء آلية لإجراء استعراض شامل لتنفيذ التوصيات الموجهة إلى طرفي النزاع، لاسيما تلك المتعلقة بلجنة التحقيق الحالية وبتحقيقات أممية سابقة ومنها تقرير لجنة تقصي الحقائق في أعقاب عملية الرصاص المصبوب في عام 2009، كما ورد في توصيات اللجنة.
- على دولة فلسطين الشروع فورًا في تحقيق شامل يضمن المسائلة عن جميع انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت خلال الأعمال العدائية.
*** كان مجلس حقوق الإنسان قد كلف لجنة تحقيق دولية مستقلة في 23 يوليو 2014 بالتحقيق في “جميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة… في سياق العمليات العسكرية المنفّذة منذ 13 يونيو 2014، سواء قبل هذه العمليات أو أثناءها أو بعدها، وتقرير الوقائع والظروف المحيطة بهذه الانتهاكات والجرائم المرتكَبة وتحديد المسئولين عنها، وتقديم توصيات، لاسيما التوصيات الخاصة بتدابير المساءلة، وكل ذلك بغية تفادي الإفلات من العقاب ووضع حد له وضمان محاسبة المسئولين، فضلًا عن التوصيات الخاصة بسبل ووسائل حماية المدنيين من أية اعتداءات أخرى”.
[1] وفقًا لإحصائيات منظمات فلسطينية، تم قتل 1639 مدنيًا فلسطينيًا، من بينهم 556 طفل.
Share this Post