جرى تحديث هذه المجموعة في 31 يوليو/تموز 2006
(بيروت، 17 يوليو/تموز 2006) ـ منذ أسر حزب الله جنديين إسرائيليين في 12 يوليو/تموز 2006، يدور قتالٌ عنيفٌ متواصل بين حزب الله وإسرائيل كان معظم ضحاياه من المدنيين في كلٍّ من لبنان وإسرائيل. وتبين الأسئلة والأجوبة التالية بعض القواعد القانونية التي تنطبق على مختلف الأعمال التي قام بها كل من حزب الله وإسرائيل في هذا النزاع الجاري حتى الآن. وتبين هيومن رايتس ووتش هذه القواعد قبل أن تتمكن من إجراء تحقيق شامل على الأرض. والهدف هو توفير دليل تحليلي لمن يقومون بدراسة القتال الجاري، وكذلك لأطراف النزاع وللأطراف التي تستطيع التأثير عليهم.
ولا تتناول هذه الأسئلة والأجوبة إلا قواعد القانون الإنساني الدولي المعروف باسم “قانون الحرب” والتي تحكم الطريقة التي يجب أن تتصرف بها أطراف النزاعات المسلحة أثناء الأعمال القتالية. وهي لا تنظر فيما إذا كانت مهاجمة حزب الله لإسرائيل أمراً مبرراً أم لا. ولا تنظر فيما إذا كانت مهاجمة إسرائيل للبنان بسبب سلوك حزب الله أمراً مبرراً أم لا. كما لا تتناول الأمور الأخرى المتصلة بشرعية اللجوء إلى الحرب. وانسجاماً مع مهمتها المؤسساتية، تلتزم هيومن رايتس ووتش الحياد الصارم بشأن هذه الأمور المتعلقة “بنظرية الحرب العادلة” لأننا نجد هذا الحياد أفضل وسيلةٍ للسير باتجاه هدفنا الرئيسي في تشجيع طرفي النزاع على احترام القانون الإنساني الدولي.
ما هو القانون الإنساني الدولي الذي ينطبق على النزاع الحالي بين إسرائيل وحزب الله؟
إن النزاع الحالي بين إسرائيل وحزب الله خاضعٌ لمعاهدةٍ دولية إضافةً إلى قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي. وتحدد معاهدة جنيف الثالثة لعام 1949 (وإسرائيل دولةٌ طرفٌ فيها)، وخاصةً المادة الثالثة العامة منها، معايير الحد الأدنى التي يجب أن تلتزمها جميع أطراف النزاع الذي يدور بين دولةٍ (كإسرائيل) وبين طرفٍ ليس بدولةٍ (كحزب الله). أما القواعد العرفية فتقوم على ما استقر من سلوك الدول وتُلزم جميع أطراف النزاع المسلح سواءٌ كانت دولاً أو جماعاتٍ مسلحة.
وقد وُضع القانون الإنساني الدولي من حيث الأساس بغية حماية المدنيين، وغيرهم من غير المحاربين، من المخاطر الناجمة عن النزاع المسلح. ومن بين القواعد العرفية وجوب تمييز الأطراف التي تقوم بينها أعمالٌ قتالية بين المحاربين وغير المحاربين. وقد لا يكون المدنيون هدفا للهجمات. وعلى الأطراف المتقاتلة، كما ستتم مناقشته لاحقا، اتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لتقليل الأذى الذي يصيب المدنيين والأهداف المدنية إلى حده الأدنى، وكذلك الامتناع عن الهجمات التي تلحق بالمدنيين ضرراً غير متناسب، أو التي لا تستطيع التفريق بين المحاربين والمدنيين.
وتقدم المادة العامة رقم 3 عدداً من ضمانات الحماية الأساسية لغير المقاتلين، والذين من ضمنهم من كف عن المشاركة في القتال كالمقاتلين الأسرى والمقاتلين الذين استسلموا أو لم يعودوا قادرين على القتال بسبب جراحهم أو مرضهم. وتحظر هذه المادة العنف ضد غير المقاتلين هؤلاء (وخاصةً قتلهم وتعذيبهم وإساءة معاملتهم)، إضافةً إلى أنها تحظر الإساءة إلى كرامتهم الشخصية أو معاملتهم معاملةً مذلةً أو مهينة. وهي تحظر أيضاً أخذ الرهائن و”إصدار الأحكام وتنفيذ الإعدامات” إذا لم يجر التقيد بالضمانات القضائية الأساسية.
تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر يلفت النظر إلى أن الصراع المسلح بين طرفين، والذي تنطبق عليه مواد اتفاقيات جنيف، لا يتوقف على الإعلان الرسمي للحرب أو الاعتراف السلبي بحالة اللا سلم. بل الوجود الفعلي للصراع المسلح بين طرفين يُفعِل في حد ذاته اتفاقيات جنيف. لذا فإن تلك الاتفاقيات تطبق على جميع الإشتباكات العسكرية – بغض النظر عن نوعها – بين القوات الإسرائيلية واللبنانية.
ويؤكد المسئولون الإسرائيليون في مناسباتٍ كثيرة منذ اندلاع الأعمال القتالية في 12 يوليو/تموز أن إسرائيل تعتبر نفسها في موقع الرد على ما تقوم به الدولة اللبنانية، وليس حزب الله فقط. ومنذ 17 يوليو/تموز، هاجمت إسرائيل كثيراً من الأهداف العسكرية اللبنانية، كهجومها على إحدى قواعد الجيش يوم 17 يوليو/تموز. كما بدأ انتشار القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. ولم تردّ القوات المسلحة اللبنانية على العمليات العسكرية الإسرائيلية، كما لم تقم بعملياتٍ عسكريةٍ من جانبها. وثمة جدلٌ يدور حالياً بين خبراء القانون الدولي عما إذا كان من الواجب التعامل مع النزاع في لبنان كنزاعٍ بين دولتين يخضع لاتفاقيات جنيف لعام 1949؛ علماً أن لبنان وإسرائيل من الدول الأطراف في هذه الاتفاقيات. إن وجود نزاع مسلح بين دولتين من أطراف اتفاقيات جنيف يجعل هذه الاتفاقيات سارية المفعول تلقائياً. وعليه فإن جميع الأعمال العدائية بين القوات الإسرائيلية واللبنانية تخضع لمجموعة اتفاقيات جنيف كاملة.
لكن هذه الأسئلة والأجوبة تلتزم مقتضيات القانون الإنساني العرفي الدولي والمادة الثالثة العامة؛ كما تلتزم عند الحاجة باتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالأراضي المحتلة. وفي جميع الأحوال، فإن معايير القانون الإنساني العرفي الدولي والتي تنطبق على النزاع بين لبنان وإسرائيل متماثلةٌ عموماً سواءٌ كان النزاع جارياً بين دولتين أم لا.
ما هو موقع حزب الله في هذا النزاع؟
حزب الله جماعةٌ سياسيةٌ إسلاميةٌ منظمة في لبنان. وله ذراعٌ عسكري وذراع سياسي. وهو ممثلٌ في البرلمان اللبناني والحكومة اللبنانية. وبوصفه، كما تقدم، جماعة سياسية وعسكرية وطرفاً في هذا النزاع مع إسرائيل، فهو ملزم بممارسة القتال بطريقةٍ تتفق مع القانون الإنساني الدولي العرفي ومع المادة 3، وكلاهما ينطبق على النزاعات التي تقوم بين إحدى الدول وبين طرفٍ ليس بدولةٍ. وكما تنص المادة 3 بوضوح عززته تعليقات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن سريان أحكام المادة 3 والقانون الدولي العرفي على حزب الله لا يؤثر على مركزه القانوني.
هل كان أسر حزب الله للجنديين الإسرائيليين عملاً قانونياً؟
يسمح القانون الإنساني الدولي بأسر جنود الأعداء. لكن من الواجب معاملة المحاربين الأسرى معاملةً إنسانية في جميع الأحوال.
وقد صرّح حسن نصر الله زعيم حزب الله أن الجنديين الأسيرين سيستخدمان في التفاوض على إطلاق السجناء الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من السجناء العرب، من السجون الإسرائيلية. إن استخدام الأسرى الذين لم يعودوا يشاركون في النزاع لغايةٍ كهذه يمثل نوعاً من أخذ الرهائن. وأخذ الرهائن كجزءٍ من النزاع المسلح أمرٌ يحظره القانون الدولي بشدة بموجب كل من المادة 3 والقانون الدولي العرفي، وهو جريمةٌ من جرائم الحرب.
ما الأهداف التي يحق لإسرائيل وحزب الله مهاجمتها بموجب القانون الإنساني الدولي؟
ثمة مرتكزان أساسيان في القانون الإنساني الدولي هما “حصانة المدنيين” ومبدأ “التمييز”. وهما يفرضان التمييز بين المحاربين والمدنيين أثناء القتال في جميع الأوقات، ويفرضان استهداف المحاربين فقط. ويحظر في جميع الأحوال توجيه الهجمات ضد المدنيين. فالقيام بذلك عمداً، كما لاحظنا، يرقى إلى ارتكاب جرائم الحرب.
كما يحظر عموماً توجيه الهجمات ضد ما يعتبر “أهدافاً مدنية”، مثل البيوت وأماكن العبادة والمستشفيات والمدارس والمعالم الثقافية، إلا إذا كانت تستخدم لغاياتٍ حربية. أما الأهداف العسكرية التي تكون مهاجمتها أمراً مشروعاً فهي تلك التي تقدم مساهمةً “فاعلةً” في الأعمال الحربية، والتي يحقق تدميرها أو تحييدها أو الاستيلاء عليها “أفضلية عسكريةً مؤكدة”. وعند وجود شك في طبيعة الهدف، يجب اعتباره مدنياً.
لكن مجرد وجود استخدامات مدنية للهدف لا يجعله محصناً من التعرض للهجوم بالضرورة. فمن الممكن استهدافه أيضاً إذا كان يشكل مساهمةً “فاعلةً” في نشاطات العدو العسكرية، وإذا كان تدميره أو تحييده أو الاستيلاء عليه يحقق “أفضلية عسكريةً مؤكدة” بالنسبة للطرف المهاجم. لكن هذه الأهداف “ذات الاستخدام المزدوج” يمكن أن تكون محميةً بموجب مبدأ التناسب الذي ورد أعلاه.
ويجب اتخاذ الإحتياطات لحماية المدنيين حتى عندما يخدم الهدف غاياتٍ حربيةً.
هل يعتبر إطلاق حزب الله الصواريخ إلى داخل إسرائيل عملاً مشروعاً بموجب القانون الإنساني الدولي؟
بما أن حزب الله طرفٌ في نزاعٍ مسلح، فمن واجبه قانوناً حماية حياة المدنيين وصحتهم وسلامتهم، وكذلك حماية غير المحاربين الآخرين. إن استهداف المنشآت العسكرية وغيرها من الأهداف العسكرية أمرٌ مباح، ولكن على حزب الله اتخاذ جميع الإحتياطات المعقولة لتفادي الإضرار بالمدنيين. ويحظر عليه استهداف المدنيين أو شن هجمات عشوائية أو مهاجمة أهداف عسكرية إذا كان الضرر الواقع على المدنيين وعلى غير المقاتلين الآخرين غير متناسبٍ مع المنفعة العسكرية. وعلى قيادة حزب الله اختيار وسائل هجومية يمكن توجيهها إلى الأهداف العسكرية بحيث تقلل الأذى العرضي الواقع على المدنيين إلى الحد الأدنى. وإذا كانت الأسلحة المستخدمة قليلة الدقة بحيث لا يمكن توجيهها إلى الأهداف العسكرية دون أن تمثل مخاطرةً كبيرة بأذية المدنيين، فمن غير الجائز استخدامها. أما مهاجمة المدنيين عمداً فهي محظورةٌ في جميع الأحوال، وهي جريمة حرب.
ومع أن هيومن رايتس ووتش لم تقم حتى الآن بتحقيقٍ ميداني لتحديد ما إذا كانت هذه الهجمات موجهةً ضد أهدافٍ عسكرية أم لا، فإن المعلومات الأولية تشير إلى أن الصواريخ التي أطلقها حزب الله قد تبلغ من قلة الدقة حداً يجعل التحكم بها أمراً غير ممكن، وإلى أنها تستخدم في استهداف مناطق ذات صفة عامة. وكما قالت هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن لبنان وإسرائيل عام 1997، فإن “الكاتيوشا أسلحة غير دقيقة، ومفعولها عشوائي عندما تطلق على مناطق يتواجد فيها المدنيون بكثافة، واستخدام هذه الأسلحة بهذه الطريقة خرقٌ صريح للقانون الإنساني الدولي”. وهذا يعني أن استخدامها في مناطق مدنية انتهاكٌ للحظر المفروض على الهجمات العشوائية، وهو جريمة حرب. ويحظر القانون الدولي العرفي هذا النوع من القصف في أية منطقة تتميز بكثافة المدنيين، أو بالقرب منها، حتى إذا كان يعتقد وجود أهدافٍ عسكريةٍ فيها.
هل يسمح القانون الإنساني الدولي لإسرائيل بقصف مطار بيروت؟
يمكن أن تكون المطارات أهدافاً ذات استخدامٍ مزدوج في ظروفٍ معينة. وذلك من حيث إمكانية استخدامها لغاياتٍ عسكرية من قبيل التزود بالمعدات العسكرية، أو من حيث توفير خدمات نقل المؤن للسكان المدنيين في نفس الوقت. لكن مطار بيروت، وبوصفه هدفاً مدنياً في المقام الأول، لا يمكن أن يصير هدفاً عسكرياً إلا إذا كان يقدم مساهمةً “فاعلةً” في النشاطات العسكرية المعادية، وإذا كان تدميره أو تحييده يحقق “أفضلية عسكرية مؤكدة”. ولا تتوفر إمكانية اعتباره هدفاً عسكرياً مشروعاً إلا إذا تحققت فيه الشروط المذكورة آنفاً. ويتطلب القانون الإنساني الدولي القيام بكل أمر ممكن للتحقق من أن الأهداف المستهدفة أهدافٌ عسكرية حقاً. وحتى إذا كانت أهدافاً عسكرية، فلابد من تقييم أثر مهاجمتها على المدنيين من حيث تناسبه مع المنفعة العسكرية المرجوة. ولابد من دراسة جميع وسائل تقليل الضرر اللاحق بالمدنيين. ولا يجوز شن الهجمات إذا فاق الأذى اللاحق بالمدنيين المنافع العسكرية المؤكدة، أو إذا كان تحقيق تلك المنافع ممكناً مع إلحاق أذى أقل بالمدنيين.
وكما قال تصريحٌ لجيش الدفاع الإسرائيلي، فإن مبرر استهداف مطار بيروت هو أنه “يمثل محطةً لنقل الأسلحة والبنية التحتية التي يستخدمها حزب الله”، ولأنه بذلك “يمثل خطراً جدياً”. وقيل أيضاً أن من الممكن استخدام هذا المطار لنقل الإسرائيليين الأسيرين خارج البلاد. لكن هذه التبريرات موضع جدلٍ في أحسن أحوالها. فإسرائيل لم تقل أن نقل الأسلحة يجري حالياً أو أنه يوشك أن يحدث. وبالتالي، فمن غير الواضح ما الذي يجعلها غير قادرةٍ على الانتظار ريثما ترى ما إذا كانت عمليات الإمداد قد بدأت فعلاً حتى تقوم باستهداف طائراتٍ بعينها، أو باستهداف المطار كله إذا لزم الأمر. لكن إسرائيل هاجمت مطار بيروت عدة مرات دون أي دليل ظاهر على استخدامه في نقل الأسلحة أو الجنود في الآونة الأخيرة. وأما من حيث إمكانية استخدامه لنقل الجنديين الأسيرين خارج لبنان، فإن المنفعة العسكرية الناجمة عن تدمير المطار صغيرةٌ جداً بالمقارنة مع الأضرار المدنية، وخاصةً بالنظر إلى الطرق المحتملة البديلة للخروج من لبنان عبر الحدود الطويلة مع سورية. أما من ناحيةٍ أخرى، فإن الأضرار المدنية لاستهداف المطار واضحةٌ تماماً، فهو يمنع المدنيين في لبنان من الخروج من منطقة القتال، كما يمنع المدنيين الباقين من تلقي المؤن.
أما الهدف الحقيقي غير المصرح عنه لمهاجمة المطار فقد يكون تحديداً إلحاق أضرار كبيرة بالمدنيين اللبنانيين لحملهم على الضغط على حكومتهم للجم حزب الله. وحتى إذا تغاضينا عن السؤال المتعلق بقدرة الحكومة اللبنانية على لجم حزب الله عسكرياً، فمن غير المشروع بموجب القانون الإنساني الدولي استخدام القوة العسكرية للضغط على السكان المدنيين ولزيادة معاناتهم وتدمير معنوياتهم، وذلك بصرف النظر عن الغاية النهائية لذلك. وفي ظل هذه الظروف، لا تبدو مهاجمة مطار بيروت أمراً مشروعاً وفق معايير القانون الإنساني الدولي.
هل يحق لإسرائيل مهاجمة البنية التحتية اللبنانية كالطرق والجسور ومحطات الطاقة؟
يمكن أن تكون الطرق والجسور أهدافاً مزدوجة الاستخدام، كالمطارات. وذلك إذا استخدمت فعلياً من أجل غاياتٍ عسكرية. وحتى في تلك الحالة، فهي تخضع إلى عين الأحكام التي تلزم أطراف النزاع بالتقدير الدقيق للآثار التي تصيب المدنيين بالمقارنة مع المنفعة العسكرية المحققة. وعليها دراسة جميع طرق تقليل الأثر الواقع على المدنيين، وكذلك عليها عدم شن الهجمات إذا فاق الأذى الذي يصيب المدنيين المنفعة العسكرية. لم تقم هيومن رايتس ووتش بعد بالبحث الميداني الذي يمكّنها من تقييم شرعية مهاجمة إسرائيل طرق لبنان وجسوره. لكن من بين العوامل الواجب دراستها مسألة هل تدمير طرق أو جسور بعينها أمر مفيد حقاً لمنع النقل ذي الطبيعة العسكرية، وذلك في ضوء الطرق البديلة المتوفرة؛ أي هل البنى التحتية التي تتم مهاجمتها تقدم مساهمةً “فاعلةً” لنشاطات حزب الله العسكرية، وهل يؤدي تدميرها إلى تحقيق “أفضلية عسكرية مؤكدة”، وكذلك هل يستهدف هذا التدمير تغيير موقف المدنيين، بل ومنعهم من الهرب من منطقة القتال التماساً للسلامة.
أما بالنسبة لمحطات الكهرباء التي تخدم السكان المدنيين، فهي ليست أهدافاً عسكريةً مشروعةً على الإطلاق. فمن جهةٍ أولى، يمكن اعتبارها أهدافاً ذات استخدام مزدوج لأن الجيش يستخدم الكهرباء كما يستخدمها المدنيون. أما من جهةٍ أخرى، فغالباً ما يكون الضرر الواقع على المدنيين كبيراً جداً من حيث أثر ذلك على التبريد والصحة والمستشفيات وغير ذلك من متطلبات الحياة الحديثة. فالكهرباء في المجتمع الحضري “أمرٌ لا غنى عنه لعيش المدنيين”؛ مما يعني أنه لا تجوز مهاجمة مرافقها إلا ضمن شروطٍ ضيقةٍ إلى الحد الأقصى. كما أن الآثار العسكرية لاستهداف المرافق الكهربائية التي تخدم المدنيين غالباً ما يمكن تحقيقها بطرقٍ أكثر تركيزاً من قبيل مهاجمة المرافق العسكرية نفسها أو مهاجمة أجزاء الشبكة الكهربائية التي تخدم تلك المرافق العسكرية. ورغم وجوب التريث في إصدار الحكم النهائي حتى إجراء تحقيق ميداني أكثر تفصيلاً، فإن إسرائيل تواجه مهمة عسيرة في معرض تبرير هذه الهجمات.
هل يحق لإسرائيل استخدام القوة العسكرية ضد المدنيين اللبنانيين لحملهم على الضغط على حكومتهم لإيقاف هجمات حزب الله وتحرير الجنديين الإسرائيليين؟
لا تكون الهجمات قانونيةً إلا ضد الأهداف التي هي بحكم “طبيعتها أو موقعها أو غايتها أو استخدامها تقدم مساهمةً فاعلةً في الأعمال العسكرية”، والتي يقدم تدميرها كلاً أو جزءاً أو الاستيلاء عليها أو تحييدها، ضمن الشروط السائدة في اللحظة المعنية، “منفعةً عسكريةً مؤكدة”. وكما بينّا أعلاه، فإن الهجمات التي تستهدف معنويات المدنيين لا تحقق هذه الشروط. فالمدنيون بالتعريف هم غير المشاركين في الأعمال العسكرية. وفي الواقع، فإن استهداف معنويات المدنيين مناقضٌ لجوهر غاية القانون الإنساني الدولي المتمثلة في حمايتهم. وما من شكٍّ في أن استهداف معنويات المدنيين ينتج ضغطاً على الحكومة باتجاه إتباع نهج بعينه. لكن القانون الإنساني الدولي يرى في ذلك استخداماً غير صائبٍ للقوة العسكرية. بل أن منطق استهداف معنويات المدنيين يفتح الباب أمام استهداف المدنيين أنفسهم واستهداف الأهداف المدنية؛ وباختصار، فهو يفتح الباب أمام الإرهاب. كما أن القانون الإنساني الدولي يحظر تحديداً الهجمات التي تكون غايتها الرئيسية تخويف المدنيين ودب الذعر في قلوبهم.
ولا يحظر القانون الإنساني الدولي مهاجمة القوات العسكرية التابعة للحكومة اللبنانية كوسيلةٍ للضغط عليها حتى تلجم حزب الله. لكن هيومن رايتس ووتش لا تتخذ بطرحها هذه النقطة أي موقفٍ بشأن ما إذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على لجم حزب الله، أو بشأن ما إذا كان استهداف الحكومة اللبنانية يعتبر استخداماً صائباً للقوة بموجب معايير “نظرية الحرب العادلة”.
هل يحق لإسرائيل قصف منزل زعيم حزب الله أو مقره؟
يبيح القانون الإنساني الدولي استهداف القادة العسكريين في سياق النزاع المسلح شريطة أن تتفق هذه الهجمات مع القوانين التي تحمي المدنيين. وعادةً ما لا يكون القادة السياسيون، كالمدنيين، أهدافاً مشروعةً للهجوم. أما الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة فهو أن يجعلهم دورهم، بصفتهم قادةً للقوات أو بفعل مساهمتهم المباشرة في الأعمال القتالية، محاربين من الناحية الفعلية. فالمدنيون يفقدون الحماية القانونية عندما يساهمون في القتال.
وطبقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، تعني المشاركة المباشرة في الأعمال القتالية “الأفعال الحربية التي يرجح، بحكم طبيعتها أو غايتها، أن تلحق ضرراً فعلياً بأفراد القوات المسلحة المعادية أو بعتادها”، وهذا يتضمن الأعمال الدفاعية. ومن هنا فإن القادة السياسيين في حزب الله، ممن يمارسون فعلياً إمرة القوات المقاتلة، أهدافٌ مشروعة. ولا ينسحب هذا الاستنتاج على جميع قادة حزب الله، وخاصة من لا يمكن القول بأنهم يتولون مسؤوليات القيادة العسكرية أو يشاركون في الأعمال القتالية مباشرةً.
ومن حيث المبدأ، يسمح باستهداف المواقع التي يقيم فيها المقاتلون أو التي يعملون فيها. لكنّ على القوة المهاجمة، وكما في جميع الهجمات التي تستهدف أهدافاً مشروعة، أن تمتنع عن الهجوم إذا كان من شأنه أن يلحق بالمدنيين قدراً غير متناسبٍ من الأذى، أو أن يشنّ بطريقةٍ لا تستطيع التمييز بين المقاتلين والمدنيين.
هل يحق لإسرائيل مهاجمة الأحياء التي يوجد فيها قادة حزب الله ومقراتهم؟ وما هي واجبات حزب الله بشأن استخدام المناطق المدنية في النشاطات العسكرية؟
عند مهاجمة المقاتلين في مناطق مدنية يكون على جميع الأطراف إدراك واجباتها في حماية المدنيين إذ أن قصف المناطق المدنية يزيد من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون زيادةً كبيرة. ويلزم القانون الإنساني الدولي جميع المتقاتلين بتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين أو بالأهداف المدنية.
وعلى الطرف الذي يتعرض للهجوم (وهو حزب الله في حالة بيروت) أن يتخذ جميع الإحتياطات اللازمة لحماية المدنيين من الأخطار الناجمة عن الأعمال القتالية. وعليه ألا يستخدم وجود المدنيين أبداً كدرعٍ لحمايته من الهجوم. وهذا ما يقتضي تمركز قدراته العسكرية وجنوده وقادته العسكريين خارج المناطق المأهولة إلى أقصى حد ممكن. فاستخدام الدروع البشرية جريمةٌ من جرائم الحرب.
وعلى إسرائيل أخذ المخاطر التي يتعرض لها المدنيون عند تقدير مشروعية مهاجمة المباني التي يوجد فيها مقاتلو حزب الله. ولا يعفيها من هذا الواجب كونها تعتبر حزب الله مسئولاً عن وضع الأهداف العسكرية المشروعة ضمن المناطق المدنية أو بالقرب منها، أو احتمال كونه يستخدم المدنيين كدروعٍ بشرية. فحتى في حالة اختيار حزب الله مواقع غير مشروعة للأهداف العسكرية، أو في حالة اتخاذه دروعاً بشرية، على إسرائيل أن تمتنع عن شن أي هجوم يتوقع أن تنتج عنه خسائر مدنية كبيرة بالمقارنة مع ما تتوقعه من المنفعة العسكرية الملموسة المباشرة. وهذا يعني أن وجود انتهاك من جانب حزب الله لا يبرر تجاهل القوات الإسرائيلية لما تحمله هجماتها المخططة من عواقب على المدنيين. فشن هجمات مقصودة في منطقة ما دون النظر إلى عواقبها على المدنيين، أو مع إدراك أن الأذى الذي يصيبهم لا يتناسب أبداً مع أية منفعةٍ عسكرية محددة يمكن تحقيقها، يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي ويعتبر جريمةً من جرائم الحرب.
وفي جميع الأحوال، فإن وجود قائد حزب الله أو مرافقه العسكرية ضمن مناطق مأهولة لا يبرر مهاجمة تلك المناطق عامةً بدلاً من الاستهداف الدقيق للأهداف العسكرية. إذ أن معاملة منطقة بأكملها على أنها هدفٌ عسكري بدلاً من مهاجمة المواقع العسكرية أو الأفراد العسكريين فيها تمثل هجوماً عشوائياً محظوراً وجريمة حرب.
هل يحق لإسرائيل مهاجمة محطات الإذاعة والتلفزيون العائدة لحزب الله؟
إن الهجمات العسكرية ضد مرافق البث المستخدمة في الاتصالات العسكرية أمرٌ مشروع بموجب القانون الإنساني الدولي. لكن شن هذه الهجمات ضد محطات الإذاعة أو التلفزيون المدنية أمرٌ محظور إذا كان المقصود منها أساساً زعزعة معنويات المدنيين والإزعاج النفسي لهم. ولا تكون محطات الراديو والتلفزيون المدنية أهدافاً مشروعة إلا إذا توفرت فيها معايير الأهداف العسكرية المشروعة؛ أي إذا استخدمت بطريقةٍ تقدم “مساهمة فعالة في الأعمال العسكرية”، وإذا كان تدميرها ضمن الظروف السائدة في تلك اللحظة يحقق “أفضلية عسكريةً مؤكدة”. ويمكن، على وجهٍ خاص، أن تغدو مرافق البث المدنية التي يديرها حزب الله أهدافاً عسكريةً إذا استخدمت في إرسال رسائل عسكرية مثلاً، أو إذا استخدمت استخداماً ملموساً في دعم الحملة العسكرية التي يشنها حزب الله ضد إسرائيل. لكن من غير الجائز اعتبارها أهدافاً عسكريةً مشروعة لمجرد أنها تبث دعايةً مؤيدةً لحزب الله أو معاديةً لإسرائيل. وللسبب عينه الذي يجعل استهداف معنويات المدنيين أمراً غير مشروع، تكون مهاجمة المرافق التي يقتصر عملها على صياغة الرأي العام أمراً غير مشروعٍ أيضاً، كما أنه لا يمثل خدمةً مباشرةً للعمليات الحربية. ولا يقدم احتمال أن يضغط الرأي العام اللبناني على الحكومة اللبنانية في تعاملها مع حزب الله خدمةً مباشرةً كافية للعمليات الحربية إلى حدٍّ يجعل من وسائل الإعلام التي تؤثر في الرأي العام هدفاً عسكرياً مشروعاً. بل يجب أن يكون الرد على البث ببثٍ مقابل، وأن يُرد على الدعاية بالدعاية.
وحتى إذا أصبحت هذه المحطات هدفاً عسكرياً مشروعاً لأنها تستخدم في بث اتصالات عسكرية، لابد من احترام مبدأ التناسب في الهجمات. ويعني هذا أن على القادة والمخططين العسكريين الإسرائيليين أن يتحققوا في كل مرة من أن الخطر الواقع على المدنيين عند القيام بهذه الهجمات لا يفوق المنافع العسكرية المتوقعة. ويجب اتخاذ احتياطات خاصة فيما يتعلق بالمباني الواقعة في مناطق حضرية. ويجب إعطاء إنذار مسبق بوقوع هذه الهجمات كلما كان ذلك ممكناً.
هل تتفق الإنذارات بشن الهجمات والتي يوجهها الجيش الإسرائيلي مسبقاً للمدنيين اللبنانيين مع القانون الإنساني الدولي؟
دعا الجيش الإسرائيلي مدنيي جنوب لبنان مراراً وتكراراً إلى إخلاء مناطقهم، وذلك عبر المنشورات التي تُرمى من الطائرات، وعبر الإذاعة والرسائل الهاتفية المسجلة.
ويفرض القانون الإنساني الدولي على الأطراف المتحاربة إعطاء “إنذار مسبق فعال” بالهجمات التي يمكن أن تؤثر على المدنيين، وذلك بقدر ما تسمح الظروف. ويجب أن يأخذ تقدير هذا الأمر بعين الاعتبار توقيت الإنذار، وكذلك قدرة المدنيين على مغادرة المنطقة. وقد عُلم أن الجيش الإسرائيلي أسقط في بعض الحالات منشوراتٍ تعطي السكان مهلة ساعتين فقط قبل بدء الهجوم. كما أن الأضرار التي ألحقتها القنابل بالطرق والجسور، إضافةً إلى الغارات الجوية على السيارات المدنية، تقلل من قدرة المدنيين على الفرار من الهجوم المرتقب.
إن المدنيين الذين لا يغادرون مناطقهم بعد الإنذار يظلون متمتعين بحماية القانون الدولي. وإلا فإن الأطراف المتحاربة تصبح قادرةً على استخدام الإنذارات للتسبب في التشريد القسري عبر تهديد المدنيين بالأذى المتعمد إذا لم يلتزموا بها. إذن، وحتى بعد إعطاء الإنذار، يظل على القوات المهاجمة اتخاذ جميع التدابير والاحتياطيات المعقولة لتجنب الإضرار بالأرواح أو الممتلكات المدنية. ويمكن أن تصل هذه الإجراءات حد إلغاء الهجوم عندما يتضح أن الهدف مدنيٌّ أو أن من شأن الخسائر المدنية أن لا تتناسب مع المكاسب العسكرية المرجوة.
كما يحظر القانون الإنساني الدولي “أفعال التهديد بالعنف التي يكون هدفها الأساسي دب الذعر في قلوب السكان المدنيين”. ويشمل هذا الحظر التصريحات الداعية إلى إخلاء بعض المناطق، والتي لا تكون إنذاراتٍ حقيقية بل يكون الهدف الأساسي منها دب الذعر بين السكان أو إجبارهم على مغادرة بيوتهم لأسبابٍ لا تتعلق بسلامتهم. ولا يتناول هذا الحظر آثار الهجمات المشروعة، والتي يكون من شأنها نشر الذعر عادةً، بل يتناول الهجمات أو التهديدات الموجهة إلى المدنيين لهذه الغاية تحديداً.
هل يعتبر الحصار الإسرائيلي المفروض على لبنان أمراً مشروعاً؟
استهدفت إسرائيل المطار الدولي الوحيد في البلاد. وفرضت عليها حصاراً بحرياً، إذ هاجمت الموانئ وقصفت الطرق التي تربط لبنان بالخارج. إن استخدام الحصار كوسيلةٍ من وسائل الحرب أمرٌ مشروعٌ في القانون الإنساني الدولي. لكن فرض الحصار يظل خاضعاً لمبدأي الضرورات العسكرية والتناسب.
ففي المقام الأول، لا يجوز أن يكون الهدف الرئيسي من الحصار تخويف المدنيين أو مضايقتهم أو تجويعهم. فهذا ما يحظره القانون الإنساني الدولي الذي يحرّم على القوات المسلحة تعمُّد جعل المدنيين يعانون الجوع، وخاصةً عبر حرمانهم من موارد الغذاء وإمداداته.
أما في المقام الثاني، ومع محاولة إسرائيل تبرير الحصار لمنع وصول الإمدادات العسكرية إلى حزب الله، فمن الضروري المقارنة بين الغاية المشروعة وبين الأضرار التي يلحقها ذلك بالمدنيين. وحتى إذا تبين أن الحصار مشروعٌ في البداية، فمن الممكن أن يغدو غير مشروع إذا أصبحت الأضرار المتزايدة التي يلحقها بالمدنيين شديدة الارتفاع بحيث تفوق المنفعة العسكرية المباشرة. وفي ظروف كهذه (نفاذ احتياطيات الغذاء والدواء مثلاً) تكون إسرائيل ملزمةً بإتاحة المرور الحر للإمدادات الأساسية من أجل المدنيين، وكذلك بحماية عمال الإغاثة الإنسانية الذين ينقلون هذه الإمدادات.
عند مهاجمة أهداف عسكرية مشروعة، فهل يكون استخدام القذائف العنقودية أو الرؤوس الحربية المحشوة بكريات معدنية صغيرة أمراً مشروعاً؟
في النزاع الجاري حتى الآن، ثمة أدلة على استخدام إسرائيل قذائف عنقودية في المناطق اللبنانية المأهولة. وثمة أدلة على إطلاق حزب الله صواريخ على حيفا احتوت آلاف الكريات المعدنية الصغيرة. وترى هيومن رايتس ووتش أن من غير الجائز استخدام أيٍّ من النوعين في المناطق المدنية أو بالقرب منها من وجهة نظر القانون الدولي. وهذا بسبب استحالة توجيه الانتشار الواسع لنواتج انفجار هذه الأسلحة ضد الأهداف العسكرية من غير مغامرة كبيرة بإصابة المدنيين، ولأن هذه الأسلحة لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية.
والقذائف العنقودية أسلحةٌ تطلق من الأرض أو الجو وتنشر عشراتٍ (بل غالباً مئاتٍ) من القنابل الصغيرة (تدعى “رمانات” في حالة القذائف التي تطلق من الأرض أو البحر، وتدعى “قنيبلات” في حالة القذائف العنقودية التي تطلقها الطائرات). وتغطي هذه القذائف الصغيرة منطقة واسعة بحيث يزداد قطر دائرة الأثر التدميري حول الهدف. ولا يوجد حظر دولي محدد مفروض على استخدام القذائف العنقودية (بعكس أشعة الليزر المسببة للعمى أو الأسلحة الكيميائية مثلاً). لكن، ولأن القنابل الصغيرة التي تنشرها القذائف العنقودية تتناثر في منطقة واسعة، فهي غير قابلة للتوجيه الدقيق إلى هدف محدد. وهي بالتالي عاجزة عن التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية عند استخدامها في مناطق مأهولة أو بالقرب منها. كما أن للقذائف العنقودية نسبة فشل عالية، فنسبة القنابل الصغيرة التي لم تنفجر في القذائف التي أطلقتها إسرائيل على لبنان تبلغ 14%؛ وهذا ما يخلف أعداداً كبيرة من الأجسام القابلة للانفجار والتي تتناثر في الأرض؛ وهي تماثل الألغام الأرضية المضادة للأفراد من حيث خطرها على المدنيين.
وعلى غرار القذائف العنقودية، فإن استخدام الرؤوس الصاروخية المحشوة بالكريات المعدنية الصغيرة يجعل من المتعذر توجيهها على نحو دقيق ويجعلها أسلحة عشوائية عند استخدامها في مناطق مأهولة. ويبدو أن زيادة الإصابات في صفوف المدنيين هي الغاية من استخدام هذه الرؤوس في المناطق المأهولة.
ما المقصود “بالعقاب الجماعي” للسكان المدنيين؟
يحظر القانون الإنساني الدولي معاقبة أي شخص على جريمة لم يرتكبها شخصياً. والعقاب الجماعي تعبير يستخدمه القانون الإنساني الدولي لوصف أي شكل من أشكال العقوبات أو المضايقات الجماعية دون أن يقصرها على العقوبات القانونية؛ فهي تشمل العقوبات من “أي شكل، سواء كانت إداريةً أو عن طريق الشرطة أو عن أي طريق آخر”، والتي تفرض على جماعات من الأشخاص المستهدفين جرّاء أفعال لم يقوموا بها بأنفسهم. إن فرض العقوبات الجماعية جريمة من جرائم الحرب. ويعتمد اعتبار الهجوم أو الإجراء المتخذ عقاباً جماعياً على جملة من العوامل من بينها هدف ذلك الإجراء ومدى أثره العقابي. لكن للنية الكامنة خلف إجراء ما أهمية كبيرة هنا. فإذا كانت النية هي إنزال العقاب بسبب فعل قام به طرف ثالث (فقط أو أساساً) فمن المرجح أن يكون هذا الهجوم عقاباً جماعياً.
ما هي واجبات أطراف النزاع تجاه الجهات التي تحاول تقديم المساعدات الإنسانية؟
أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان إلى تشريد مئات الألوف من اللبنانيين وحرمت كثيرين غيرهم من سبل الحصول على الطعام والرعاية الطبية وغير ذلك من الضروريات. كما عانت المنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في الوصول إلى السكان المحتاجين بفعل استمرار حملة القصف الإسرائيلي، بما فيها الغارات الجوية التي تستهدف المعابر الحدودية والطرق والسيارات. وحتى إعداد هذه المادة، لم يكن قد تم ضمان أي ممر آمن للقوافل الإنسانية، وخاصةً من حيث قدرة هذه القوافل على الوصول إلى الجرحى أو إجلاء المدنيين من مناطق القتال.
وبموجب القانون الإنساني الدولي يكون على أطراف النزاع السماح بمرور سريع من غير عقبات للمعونات الإنسانية التي توزع على السكان المحتاجين من غير محاباة أو تمييز بينهم، وكذلك تسهيل هذا المرور. وعلى الأطراف المتحاربة أن تسمح بعمليات الإغاثة، ولا يحق لها رفض السماح بها رفضاً تعسفياً. ومن حقها اتخاذ التدابير الكفيلة بمراقبة محتوى وحركة المساعدات الإنسانية بحيث تتأكد من خلوها من الأسلحة. على أن العرقلة المتعمدة للإمدادات الإنسانية أمر محظور. وتعتبر عرقلة الإمدادات الإنسانية بقصد تجويع السكان جريمة حرب.
كما يفرض القانون الإنساني الدولي على الأطراف المتحاربة أيضاً ضمان حرية حركة عمال الإغاثة الإنسانية ضمن الحدود اللازمة لأداء وظيفتهم. ولا يمكن تقييد هذه الحرية إلا تقييداً مؤقتاً ولأسباب تتعلق بالضرورات الحربية فقط.
هل تعتبر مهاجمة القوافل الإنسانية أمراً غير مشروع؟
استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية السيارات التي تحمل المساعدات الإنسانية؛ كما حدث في غارة 18 يوليو/تموز التي استهدفت قافلة للهلال الأحمر من دولة الإمارات العربية المتحدة فدمرت شاحنةً تحمل الأدوية والزيت النباتي والسكر والأرز وقتلت سائقها. وكذلك الغارة التي أصابت يوم 23 يوليو/تموز في قرية قانا سيارتي إسعاف تحملان شارة الصليب الأحمر بكل وضوح. كما تحدث باحثو هيومن رايتس ووتش عن ضرب مبنى للدفاع المدني في صور يوم 16 يوليو/تموز، إضافةً إلى ثلاثة مبانٍ سكنية مجاورة يتألف كل منها من ثمانية طوابق أو عشرة كان معظم سكانها من المعلمين ومن الأطباء العاملين في مستشفى قريب منها كما قال السكان. ويعتقد أن 21 شخصاً قتلوا في هذه الغارة، إضافة إلى سقوط أكثر من 50 جريحاً.
يفرض القانون الإنساني الدولي على أطراف النزاع احترام عمال الإغاثة الإنسانية وحمايتهم، وكذلك كل ما يستخدم في عمليات الإغاثة، إضافةً إلى أفراد الدفاع المدني ومبانيه. وإن مهاجمة عمال الإغاثة الإنسانية ومراكزهم وقوافلهم تعد جريمة حرب.
متى يكون من حق الجهة التي تسيطر على سكان مدنيين أن تأمرهم بالإجلاء؟
عندما يسيطر أحد طرفي النزاع على منطقةٍ مأهولة (سواءٌ كان سكانها من شعبه أو من الطرف الآخر) فإن القانون الإنساني الدولي يفرض على هذا الفريق اتخاذ جميع الإحتياطات المعقولة لحماية المدنيين الواقعين تحت سيطرته من آثار الهجمات العسكرية.
ويشمل هذا الإلزام ضرورة الامتناع عن وضع أهداف عسكرية قرب المدنيين (إلى أقصى حد ممكن)، وكذلك إجلاء المدنيين من جوار الأهداف العسكرية. وليس من المشروع أيضاً منع المدنيين من مغادرة المناطق القريبة من الأهداف العسكرية.
ويحظر على أطراف النزاع تشريد المدنيين الواقعين تحت سيطرتهم إلا بالقدر الذي تفرضه سلامة المدنيين المعنيين أو الضرورات العسكرية. ولا يمكن تبرير الضرورات العسكرية بأهدافٍ سياسية أو بالرغبة في اضطهاد المدنيين ومضايقتهم. كما لا يجوز تشريد المدنيين خارج حدود بلادهم.
وعند حدوث التشريد، يكون على الطرف المسئول اتخاذ جميع التدابير المعقولة لضمان تمتع السكان المشردين بشروطٍ مرضيةٍ من حيث المأوى والصحة والسلامة والنظافة والغذاء، إضافةً إلى عدم تشتيت شمل العائلات. وعلى جميع الأطراف السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المشردين وإلى جميع المدنيين.
هل يشمل القانون الإنساني الدولي النية الإسرائيلية المعلنة في “الاحتفاظ بالسيطرة على منطقة في جنوب لبنان ريثما يتم نشر قوة حفظ سلام دولية”؟
إن إقامة إسرائيل منطقة أمنية أو منطقة عازلة في جنوب لبنان، تسيطر عليها وتحتفظ بوجودٍ مستمرٍ لقواتها فيها سيجعلها سلطة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. وتحدد هذه الاتفاقية واجبات سلطة الاحتلال في حماية المدنيين من آثار الحرب ومن سوء المعاملة على يد سلطة الاحتلال. وعلى سلطة الاحتلال ضمان حماية خاصة للاحتياجات الإنسانية للسكان من قبيل استمرار عمل المستشفيات المدنية واستمرار توفير الإمدادات الغذائية والطبية وغيرها من المساعدات الإنسانية.
ما هي القوانين التي تحكم معاملة الموتى؟
قال الجيش الإسرائيلي أنه يجمع رفات مقاتلي حزب الله المقتولين في لبنان ويخزنها في برادات داخل إسرائيل. وفي حالات تبادل أسرى سابقة بين حزب الله وإسرائيل استخدمت إسرائيل رفات مقاتلي حزب الله كورقة مساومة.
ويفرض القانون الإنساني الدولي معاملة رفات الموتى بطريقةٍ محترمة ودفنها في قبورٍ يجري العمل على احترامها والحفاظ عليها على نحوٍ لائق. وعلى أطراف النزاع العمل على تسهيل إعادة الرفات وممتلكاتها الشخصية بناءً على طلب الطرف الذي تتبع له أو على طلب الأقارب. وتقنّن المادة 34 من البروتوكول الإضافي الأول هذه القاعدة من قواعد القانون العرفي، حيث تقرر وجوب التوصل (وبمجرد أن تسمح الظروف والعلاقات بين الطرفين) إلى اتفاق “لتسهيل عودة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلي وطنهم إذا ما طلب هذا البلد، أو طلبه أقرب الناس إلي المتوفي ولم يعترض هذا البلد”.
http://hrw.org/arabic/docs/2006/07/17/lebano13772.htm
Share this Post