نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء الخميس 15 يناير 2015 مائدة مستديرة، حول “حقوق المواطنة في ضوء الانتخابات التشريعية 2015”. النقاش الذي جمع عدد من ممثلي مختلف الأحزاب والتيارات السياسية، وكذا عدد من الباحثين والصحفيين استهدف وضع تعريفًا واضحًا للمواطنة وبحث ضماناتها في الانتخابات القادمة.
استضاف اللقاء كل من أحمد سمير الصحفي بجريدة المصري اليوم، أحمد فوزي أمين عام الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، حسام بشير منسق ائتلاف العودة النوبية، خالد داوود المتحدث الرسمي باسم حزب الدستور، عصام شيحة عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، عمرو عبد الرحمن الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وفاطمة خفاجة عضو مجلس إدارة رابطة المرأة العربية، وأدار النقاش معتز الفجيري عضو مجلس إدارة مركز القاهرة وباحث دكتوراة في جامعة لندن.
في البداية أكد الفجيري أنه لم يطرأ أي تغير نوعي في مسار المواطنة على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة بعد ثورة يناير، وإن بدت هناك اختلافات بين نظام وأخر، ففي المرحلة الانتقالية الأولى –حكم المجلس العسكري– كان هناك انفتاح نسبي في الحقوق المدنية والسياسية تمثل في حرية الصحافة، وحرية تشكيل الأحزاب، ثم في مرحلة حكم الإخوان المسلمين بدأ الانكماش التدريجي في تلك الحقوق والحريات، وعلى الرغم من أن دستور 2014، ببعض التحسينات في تلك الحقوق لكن على مستوى الممارسة العملية، فهناك انهيار كامل فيما يتعلق بحقوق المواطنة.
اعتبر أحمد سمير أن مسار المواطنة مرتبط بالأساس بمجمل الحقوق، والتي يتم انتهاكها بشكل مستمر، وعلى رأسها الحق في الحياة، والحق في الحركة. معتبرًا أن القوى السياسية مقتنعة بفكرة “الحرب على الإرهاب”، بالإضافة إلى الخطاب الطائفي الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين، منذ أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، تحت شعار “الحرب على الإسلام” في مقابل خطاب “الحرب على الإرهاب”، في محاولة لحشد وضم الجماعات الدينية. وأكد سمير وجود تغير إيجابي في المزاج العام تجاه الأقباط، مدللًا على إيجابية ذلك التغير من خلال رد الفعل على زيارة رئيس الجمهورية للكاتدرائية في قداس ليلة عيد الميلاد.
اتفق خالد داوود مع سمير في اعتبار المواطنة جزء من منظومة أشمل للحقوق الإنسانية، مؤكدًا على اعتبارها جزءً أساسيًا من ثورة يناير، تجلى في شعار “كرامة إنسانية”، معتبرًا أن حقوق المواطنة منقوصة في مصر ليس فقط للأقليات الدينية، وإنما أيضًا لكل من يخالف الإجماع.
على الجانب الأخر اعتبر عصام شيحة أن ثمة نقلة نوعية حدثت في مسار المواطنة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مدللًا على ذلك بارتفاع معدل مشاركة المرأة في العملية الانتخابية في الفترة الأخيرة، ومقدرًا تصويتها بـــ50%، من إجمالي المشاركين في الانتخابات، مضيفًا أن مسار المواطنة كان في تذبذب خلال الأنظمة المتعاقبة، ولكن قانون الانتخابات الجديد راعى ذلك المبدأ بشكل ما، عن طريق نظام المحاصصة الذي يلزم البرلمان القادم بأن يضم 24 مقعدًا للمسيحيين، 16 للشباب، 8 لذوي القدرات الخاصة، و8 للمصريين بالخارج. كذا فإن قانون تقسم الدوائر –حسب شيحة– قد عدّل عدد الدوائر لتصبح 238 دائرة بدلًا من 223 دائرة، بما يضمن تمثيل عدة فئات في البرلمان، لم يكن لها تمثيلًا من قبل مثل (نصر النوبة، حلايب وشلاتين).
اختلفت فاطمة خفاجة مع عصام شيحة فيما يتعلق بتمكين المرأة، حيث قالت أنه لا يزال هناك فجوة بين تعريف الدولة لحقوق المرأة والتزاماتها، وبين ما يحدث على أرض الواقع، مضيفةً أن الأنظمة المتعاقبة من بعد ثورة يناير لم تختلف في الانتقاص من حقوق المرأة السياسية والعامة. ولخصت خفاجي المشكلة فيما أسمته “البيروقراطية الذكورية المصرية”، مشيرةً إلى أن الجزائر مثلاً قد وصلت مشاركة المرأة في البرلمان إلى 30%، في حين أن المشكلة التي تواجه المرأة في مصر تتمثل في الإرادة السياسية لدى (القضاة، الوزراء، المحافظين) الرافضين لمشاركة المرأة سياسيًا.
اعتبر عمرو عبد الرحمن أن قوانين الدولة المصرية –والتي تستمد مرجعيتها من الدين الإسلامي– تستثنى من حقوق المواطنة عدد من الطوائف التي لا تنتمي لجماعة المسلمين مثل البهائيين، وطوائف مسيحية مثل شهود يهوه، معتبرًا أن الدستور لم يبتدع جديدًا في مواده الثانية والثالثة، وإنما أصّل هذا الوضع قانونيًا، ونقل أوضاع معترف بها تشريعيًا، إلى صيغة قانونية، منتقدًا وجود مادة في الدستور المصري تقتصر الحق في ممارسة الشعائر الدينية على أتباع الديانات السماوية فقط.
من جانبه ألقى أحمد فوزي بالمسئولية على المجتمع المصري، والذي اعتبر أن لديه أزمة في فهمه لمفهوم المواطنة، حيث أن المفهوم يتحول من المساواة أمام القانون، إلى ضغط بعض المجموعات أو الفئات المهمشة على السلطة للحصول على ما يمكن الحصول عليه. و تكمن المشكلة حسب فوزي في القواعد القانونية، قائلا: “من الواضح أن قانون التظاهر غير دستوري، ومع ذلك فإن هناك ما لا يقل عن 450 يحاكمون على إثره”، وأضاف: “وهناك العديد من مواد الدستور لا تزال غير مفعلة، كما أنه بعد 30 يونيو أصبحت جهة الإدارة أقوى مما قبلها، فأصبح بإمكانها تجاهل تطبيق عدد كبير من القوانين الموجودة، بل وتجاهل عدة مواد من الدستور”.
أبدي فوزي أيضًا تعجبه من أن البرلمان القادم عليه التصديق على أكثر من 420 تشريع خلال 15 يوم، مشيرًا إلى أن عملية تمرير قوانين تدعم حقوق المواطنة هو بمثابة مشكلة، حيث أن القوانين التي سيتم تشريعها، تأتي من السلطة التنفيذية، وغالبية التشريعات التي ستولى الاهتمام، هي التشريعات ذات العلاقة الاقتصادية.
اختتم فوزي كلمته بأننا في الفترة القادمة أمام طوفان من التشريعات، والقوانين، قد يكون أسوأ من الواقع الحالي، بالإضافة إلى أن ضغوط السلطة التنفيذية على البرلمان القادم ستكون أقوى، ولكنه حذر من مقاطعة الانتخابات، معتبرا أن المقاطعة ستعيد البلاد إلى ما قبل 25 يناير، وأن المعركة في الوقت الحالي هي المجال العام.
Share this Post