اختتم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمس الأول الأحد 10 ديسمبر 2017 بتونس العاصمة، دورته التدريبية الإقليمية الــعاشرة حول الآليات الدولية لحقوق الإنسان، التي بدأت فعاليتها مطلع ديسمبر الجاري، بمشاركة 20 حقوقيّا من 9 دول مختلفة، من منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونخبة من المدرّبين المتخصصين في مجال المناصرة الدولية وحقوق الإنسان. وعلى هامش الدورة احتفل المشاركون باليوم العالمي لحقوق الإنسان بحضور أمسية سينمائية حول حقوق الإنسان في ليبيا، نظمها المركز بدعم من الاتحاد الأوروبي، بالمعهد الفرنسي بتونس.
تميز التدريب هذا العام بتنوع غير مسبوق سواء في بلدان المشاركين وهوياتهم الثقافية والإثنية والجندرية، أو نطاق عملهم واهتمامهم الحقوقي، وكذا في طبيعة الموضوعات والقضايا التي ركز عليها التدريب، فضلاً عن التنوع الثري في خلفيات المدربين ومجال تخصصهم وخبراتهم العملية. وللمرة الأولى ناقش التدريب قضايا التوجه الجنسي والهوية الجنسية، والتحديات التي تواجه العمل الحقوقي على هذه القضايا. كما ناقش المشاركون عدد من الانتهاكات المشتركة بين بلدانهم المختلفة، كالتهجير القسري، ومصادرة الحق في حرية التنظيم والتجمع السلمي، و غياب الحق في المسائلة العادلة وتفشي سياسات الإفلات من العقاب، ومصادرة حقوق الأقليات الإثنية والثقافية، وكذا الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان وإجبارهم على المنفى، وتحديات استمرار عملهم من أجل وطنهم من خارج حدوده.
ركز البرنامج التدريبي للدورة على كيفية بناء جسور التواصل والتعاون بين مجموعات متنوعة ومتباينة من الحقوقيين المنخرطين في العمل الحقوقي في سياقات مختلفة وتحديات عديدة، وذلك من خلال توفير مساحة أمنة للعمل والنقاش المشترك بينهم، وفرصة ممتدة لعشرة أيام هي مدة التدريب لتبادل الخبرات وقصص النجاح.
وفي ذلك أشار المشاركون للمعرفة الاستثنائية التي حظوا بها من المدربين ومن بعضهم البعض، مما دفعهم إلى إعادة تقييم وجهات نظرهم حول بعض القضايا ووضعية المجموعات المتنوعة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعدما أتيحت لهم فرصة التواصل المباشر والنقاش المفصل مع أصحابها،من قضايا اليزيديين في جبال سنجار إلي قضايا الصحراويين في العيون. إذ أعرب المشاركون الذّين جاءوا من فلسطين، وسوريا، والعراق، والسّودان، وليبيا، وتونس، ومصر، والجزائر، والمغرب، عن امتنانهم البالغ للوعي الذي اكتسبوه بشأن التحديات البالغة التي تواجه هذه الإثنيات والمجموعات، والتي لا تحظى بالاهتمام المطلوب. وبحسب أحدى المشاركات من السودان: “حجم التنوع والتبادل المعرفي خلال التدريب كان مصدر إلهام غير مسبوق، فمجرد الاستماع لقصص نضال وكفاح المشاركين والمدربين كان كافيُا لإعطاء حقوقية سودانية مثلي أملًا حقيقيا في إحداث فرق وصناعة تغيير، أصبح اليوم ليس ببعيد.”
استهدفت الدورة أيضًا خلال جلساتها الـ38 (60 ساعة عمل تقريباً)، رفع كفاءة المشاركين في إعداد وتطوير استراتيجيات المناصرة على المستوى الدولي، من خلال تعميق فهمهم للآليات الدولية داخل كل من منظومة الأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي، والحملات الحقوقية بالعواصم المختلفة، وإجراءاتهم التقنية، فضلاً عن تعزيز قدرات المشاركين في مجال توثيق الانتهاكات، وإعداد الشكاوى والبيانات، والتواصل مع المنصّات الإعلامية، والحقوقية المحلية والدولية، في إطار يضمن أقصى سبل الأمان الشخصي والرقمي.
خلال الدورة، ناقش المشاركون عددًا من التقارير الحقوقية -كنماذج للدّراسة- الموثقة لبعض إشكاليات حقوق الإنسان في ثلاث بلدان (تونس- ليبيا- فلسطين)، وسلّط الميسرون من فريق عمل البرنامج التدريبي الضوء على محتوى تلك التقارير، وكيف يمكن توظيفها في تفاعلات مختلفة مع الآليات الدولية بحسب موضوعات التقارير ومجال اختصاص كل آلية. وفي الشق التطبيقي للتدريب، صمّمت كل مجموعة عمل بين المتدربين حملة مناصرة دولية- وفقا لخطوات وقواعد محددة- حول أحد التقارير، تستهدف في الأساس فهم أعمق للإشكاليات المحيطة بالانتهاكات وسياقها ومحاولة بناء رؤية مشتركة مع شركاء وفاعلين علي المستوي المحلي والدولي، تستند إلى المعايير الدولية والأممية لحقوق الإنسان وفقاً لمنهجية تمكنهم من التأثير على المجتمع الدولي أو الهيئات المختصّة من أجل تبنّي قرارات أو إصلاحات جوهرية للإشكاليات التي يطرحها كل تقرير.
وفي هذا الصّدد حرص المدربون على عرض وتقديم نماذج وأمثلة لحملات مناصرة مشابهة، تبنّتها سابقًا منظمات حقوقية محلية وإقليمية، ونجحت من خلالها في استصدار قرارات أممية أو في الضغط على حكومات معينة من أجل وقف انتهاك حقوقي معين أو الحيلولة دون صدور تشريع أو إجراء ينتهك حقوق الإنسان.
دورة الآليات الدولية لحقوق الإنسان تمثل أحد أدوات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لتحقيق نظريته الخاصة في صناعة التغيير، والقائمة على الحوار والتواصل وربط الجهات الفاعلة المحلية والقاعدة الشعبية بالمؤسسات الدولية من خلال اقتران الحملات المحلية على الأرض بالدعوة الدولية للمناصرة والتأييد. فعلى مدى 10سنوات، يحرص المركز على تنظيم هذه الدورة التدريبية- ضمن أهم فعاليات برنامجه الخاص بنشر وتعليم ثقافة حقوق الإنسان- في إطار سعيه نحو رفع كفاءة ومهنية المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومزيد من انخراطه وتفاعله مع المجتمع الدولي بمختلف آليات المناصرة المتاحة، لتحسين حالة حقوق الإنسان، ومواجهة التحديات الضخمة التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللّحظة الراهنة، وتهدّد سلامة مواطنيها.
Share this Post