محمد سيد سعيد
جريدة البديل، 16 فبراير 2009
أسباب كثيرة أملت الإضعاف المتواصل للمجتمع المدني والسياسي في مصر، خاصةً منذ 1956: الطابع المغلق للنظام السياسي ونخبته المنحدرة من أصول عسكرية وبوليسية، انسداد معظم قنوات التعبير الحر عن الجدل الاجتماعي، استعداد الدولة لرشوة أجزاء من المجتمع في المجال الاقتصادي، لقاء الإبقاء على نظامها السياسي بدون تغيير يذكر، وبوجه عام اتجاه المجتمع للتحلل خلال ربع القرن الماضي بسبب التحولات الطفيلية في الاقتصاد السياسي للبلاد.
وطالما أن الدولة مهيمنة وبالغة الضخامة مع استمرار المجتمع المدني ضعيفًا أو مريضًا، فلا يكاد يكون ثمة مجال لمعارضة حقة وقوية، ولسبل التغيير المنبثق من الشعب كله، كل ما يمكن أن تسمح به هذه الظروف هو تركز الحيوية، وبالتالي آمال وأشواق التغيير التي يشعر بها جميع المصريين في قطاع أو فئة أو مؤسسة اجتماعية ما، لبعض الوقت.
إننا لا نشير هنا إلى معارضة بالمعني الحزبي أو السياسي الضيق، وإنما إلى التعبير عن المشروع التاريخي للوطنية المصرية، وهو بناء دولة النهضة ودولة القانون، كل فئة بطريقتها وتبعًا لظروفها.
وسريعًا ما تنتبه الدولة وجهازها البوليسي الهائل لهذه الفئة أو المؤسسة فتبدأ في رشوتها أو قمعها أو الأمرين معًا، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، ولكن النظام يكسب الصراع في النهاية، والمذهل حقًا هو أنه ما إن ينجح النظام في سحق هذه الفئة أو المؤسسة واستعادة السيطرة عليها، حتى تبدأ فئة أو مؤسسة أخرى ما في حمل الشعلة أو الأمانة.
ففي الفترة التي أعقبت 1967 مباشرة قام الطلاب وبعض الطلائع العمالية بالدور الرئيسي في النضال، من أجل تصحيح مسار التطور السياسي في البلاد، حمل الطلاب بالذات الشعلة حتى 1977 تقريبًا، وبعدها بدأ عدد محدود من البرلمانيين المصريين بقيادة الراحل المستشار محمود القاضي في حمل الشعلة، وسريعًا ما تمكنت الدولة من تغييب هذه الفئة، وقام الرئيس الراحل أنور السادات بحل مجلس الشعب فقط من أجل التخلص من بضع عشرات من البرلمانيين الذين عارضوا المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وطالبوا بالديمقراطية الحقيقية، وحملت نقابة المحامين الشعلة بداية الثمانينيات حتى تكفلت الخلافات الداخلية بإنهاء دورها، وبعدها بدأت الصحافة الحزبية تلعب الدور الأهم وبالذات صحيفة الوفد، ماتت الأحزاب وصحفها بنهاية الثمانينيات، وحملت الشعلة مجموعات متفرقة طوال التسعينيات وبالذات بعض منظمات حقوق الإنسان، ومع بداية الألفية الجديدة تألفت كتلة متعددة المراكز منها كفاية لقيادة النضال من أجل التغيير.
ولكن الدور الذي لعبه نادي القضاة بقيادة المستشار زكريا عبد العزيز كان عظيمًا بلا أدنى شك، كما توافر عليه إجماع فريد.
Share this Post