إن استعراض الوضع في مصر على مدة الأشهر الثمانية الماضية، يثير مخاوف جمة بشأن مدى التدهور الذي وصلت إليه حالة حقوق الإنسان في فترة حكم الرئيس محمد مرسي. لقد سبق وحذرت بعض المنظمات الحقوقية من أن وضع حقوق الإنسان في مصر في الوقت الراهن يبدو –من العديد من النواحي– أكثر خطورة مما كان عليه قبل الثورة وخلع الرئيس السابق حسني مبارك. في هذا السياق وصل إلى جنيف هذا الأسبوع وفد من ملتقى منظمات حقوق الإنسان المصرية، يمثل 23 منظمة حقوقية مصرية مستقلة، وذلك للمشاركة في الجلسة 22 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة المنعقدة حاليًا في جنيف.
قال زياد عبد التواب نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أنه “يتعين على الأمم المتحدة التعامل بشكل عاجل مع الأزمة الحقوقية التي تجري حاليًا في مصر. إن عملية التحول الديمقراطي لم تنته بمجرد خلع مبارك، ففي واقع الأمر، توقف التقدم نحو الديمقراطية في البلاد، حيث ما زالت الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان مستمرة في مصر، بالإضافة إلى إفلات مرتكبيها من العقاب. وذلك في الوقت نفسه الذي يواجه فيه المجتمع المدني ووسائل الإعلام نوع جديد من التهديد من قبل الحكومة لم تشهده مصر من قبل. يمكن تفسير ما حدث بأنه مجرد استبدال شكل من أشكال الحكم الاستبدادي بآخر، وإن كان الشكل الآخر له بعض الملامح الجديدة“.
تخوفت المنظمات من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، وتأثر شرائح المجتمع بها، حيث أصبحت تلك الانتهاكات مجرد مسألة روتينية في مصر بعد الثورة، موضحين أن العديد من الانتهاكات يتم ممارستها في ظل غياب كامل لعملية المحاسبة مثل انتهاكات حقوق المرأة والحق في حرية التجمع والحق في تكوين الجمعيات والحق في التعبير، بالإضافة إلى ممارسات الاحتجاز التعسفي والتعذيب.
شارك ممثلو الملتقى والمجتمع المدني المصري في لقاء بالأمم المتحدة يوم الاثنين 11 مارس الجاري، قاموا أثناءه بمناقشة الاعتداءات التي وقعت على المتظاهرين السلميين في مصر مؤخرًا، والتي تم وصفها بأنها “دوائر الجحيم“.
أوضحت ماسة أمير، الباحثة في نظرة لدراسات النسوية الانتهاكات التي تتعرض لها المدافعات عن حقوق الإنسان قائلة “أثناء المظاهرات التي شاركن فيها أواخر يناير من السنة الجارية، قامت مجموعات من الرجال بإخراج النساء بالقوة من بين زحام المتظاهرين، وهاجموهن بعد ذلك بالأسلحة البيضاء، كما قاموا –بوحشية مفرطة– بضربهن ونزع ثيابهن واغتصابهن، مما أخلف اثنتين على الأقل منهن في حاجة إلى رعاية طبية مركزة. كما تعرضت امرأتان لهتك أعراضهن بسكاكين“.
وأشارت ماسة إلى “أن الانعدام الكامل للإرادة السياسية الذي أظهرته الحكومة لفتح تحقيقات في تلك الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، يمثل إخلالاً خطيراً بالتزامات مصر إزاء حقوق الإنسان، كما أنه يشكل اتجاهًا محفوفًا بالقلق نحو مستقبل المشاركة السياسية للمرأة ومساهمتها في تحديد مسار جديد للبلاد“.
تناول الوفد أيضًا أثناء وجوده في جنيف، مشاريع القوانين المقترحة للمنظمات غير الحكومية التي تتم مناقشتها حاليًا في مجلس الشورى، والتي من شأنها، إذا تم تمريرها، إعاقة عمل المجتمع المدني المستقل بصورة كبيرة، حيث تفرض تلك المشاريع مجموعة غير مسبوقة من القيود، من ضمنها تقييد حق المنظمات الحقوقية والتنموية في الحصول على التمويل. يقول محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وعضو وفد الملتقى إلى جنيف، إن “هذه التشريعات تعد انتهاكًا صارخًا للحق في حرية التنظيم وإنشاء الجمعيات بإجبار غالبية المنظمات غير الحكومية المستقلة في مصر على خفض حجم أنشطتها بشكل كبير أو توقفها التام عن العمل“.
واستدرك زارع مؤكدًا أن الحكومة المصرية تستهدف منظمات المجتمع المدني في الوقت الحالي. حيث طالبت وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية في خطاب أرسلته إلى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بالانصياع لتعليمات رئيس الوزراء بعدم تعامل “أي كيان محلي” مع “كيانات دولية” بأي شكل من الأشكال، دون تصريح من “الأجهزة الأمنية“. مؤكدًا أن هذه التعليمات تخالف العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تطالب الدول بضمان حرية وصول منظمات المجتمع المدني المحلية إلى آليات حقوق الإنسان الدولية دون عوائق.
ناقش وفد الملتقى أيضًا التهديدات التي يواجهها الحق في التظاهر السلمي والتجمع عن طريق مشروع القانون الذي تتم مناقشته حاليًا في مصر، حيث يحتوي هذا المشروع على عبارات مفرطة في الغموض، من بينها حظر التظاهرات التي من شأنها “تعطيل حركة المواصلات” أو “الاعتداء على حرية العمل ومنع المواطنين من مباشرة أعمالهم“. فمثل تلك الأحكام الفضفاضة يسهل على السلطات التلاعب بها من أجل منع التجمعات التي لا يريدونها أن تحدث. وفي الواقع أيضًا يواجه المصريون تهديدات كبرى عند ممارستهم حقهم في حرية التجمع. فلقد اندلعت صدامات مميتة عقب تنظيم العديد من المظاهرات السلمية مثلما حدث أثناء الاعتصام عندقصرالاتحاديةالرئاسي حينما تصادم مؤيدو الحزب الحاكم مع المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى سقوط ما لا يقل عن أحد عشر قتيلاً، ومئات الجرحى من الجانبين.
تناول وفد الملتقى انتهاكات حرية التعبير المرتكبة في مصر بصورة عامة، والقيود على وسائل الإعلام بصورة خاصة. فقد أشارت نهاد عبود –مؤسسة حرية الفكر والتعبير– إلى أنه “في الوقت الحالي يتم تهديد سلامة الصحفيين أكثر من أي وقت مضى. حيث تتفاوت الانتهاكات التي يتعرضون لها من الاحتجاز إلى الخطف وصولاً إلى الموت، كما هو الحال مع الشهيد الحسيني أبو ضيف في ديسمبر 2012. ولقد تعرض العديد من الصحفيين والإعلاميين إلى التحقيق على خلفية اتهامهم بإهانة رئيس الجمهورية، ونشر أخبار كاذبة، والتشهير؛ وذلك بسبب انتقادهم سياسات الحزب الحاكم. وقد ارتُكبت انتهاكات أخرى لحرية وسائل الإعلام تحت ذريعة أنها قامت بـ“ازدراء الأديان“ مختتمة حديثها بقولها “يبدو أن الحزب الحاكم يأمل في أن يؤدي ذلك إلى الرقابة الذاتية من وسائل الإعلام، كما كان الحال في ظل حكم مبارك“.
اختتم زياد عبد التواب اللقاء بقوله: “لقد جئنا إلى جنيف لكي نلفت النظر إلى تفاقم وضع حقوق الإنسان في مصر، ومن أجل أن نحث مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة على أن يطالب الحكومة المصرية بالالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان واحترام حقوق المصريين وتعزيزها. المواطنون المصريون الذين يكافحون من أجل الحرية والديمقراطية، والذين فقد بعضهم حياته من أجل مستقبل أفضل لوطنه، يستحقون اهتمام وحماية مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان“.
Share this Post