في خضم المناقشات الجارية بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشأن ليبيا، ندعو نحن، منظمات حقوق الإنسان الموقعة أدناه، الدول الأعضاء في المجلس لدعم إنشاء آلية ذات ولاية مستقلة، لتقصي الحقائق والتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني في البلاد، منذ نهاية ولاية لجنة التحقيق الدولية السابقة في عام 2012؛ وذلك بهدف تحديد المسئولين عن الانتهاكات و ضمان المساءلة والعدالة والتعويض.
إن إجراء تحقيق مستقل وفعال وشفاف في الانتهاكات الماضية والجارية، يلعب دورًا حاسمًا في للوصول لاتفاق دائم في سياق الحوار السياسي الجاري، وضمان تنفيذ بنود الاتفاق، الذي يتضمن على قائمة أولوياته : تشكيل حكومة وحدة وطنية، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والحفاظ على أعمال جمعية صياغة الدستور بمنأى عن الصراع السياسي والمسلح. إذ ينبغي أن تدرك جميع الفصائل المسلحة –التابعة للدولة و الخارجة عنها– والتي تبسط سيطرتها علي مختلف مناطق ليبيا أن أفعالهم يجري رصدها والتحقيق فيها، وأن المساءلة عن الجرائم التي يرتكبونها إمكانية حقيقية.
منذ تصاعد القتال في ليبيا بين المجموعات المسلحة في مايو 2014، ارتفعت وتيرة الانتهاكات الجسيمة واسعة النطاق والمستمرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وذلك في سياق إفلات كامل من العقاب لكل الأطراف الفاعلة.
فعلى مدار عام 2014، قُتل المئات من المدنيين، وشُرد أكثر من 400 ألف شخص داخليًا عبر 25 مدينة في البلاد. وفي الوقت الحالي تتزايد الهجمات المباشرة والعشوائية بحق المدنيين، وعمليات القتل خارج نطاق القانون والخطف والاختفاء القسري والتشريد والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة، بالإضافة إلى استهداف الجهات الفاعلة من المجتمع المدني والصحفيين ووسائل الإعلام، فضلًا عن الاعتقال التعسفي.
ومن المثير للقلق انتشار مزاعم بوجود مخازن للأسلحة الكيميائية،[1] بما في ذلك غاز الخردل وغاز الأعصاب (سارين) تعود إلى عهد القذافي؛ ومن ثم فهناك مخاوف حقيقية أن تصل تلك الأسلحة الكيميائية –في ظل الوضع الأمني المتدهور– إلى أيدي الفصائل المسلحة المختلفة.
إن الوضع في ليبيا الآن قد تحول من أزمة سياسية مدعومة باشتباكات مسلحة، إلى نزاع مسلح متكامل، حيث ظهر قادة الجماعات المسلحة وحلفائهما كأصحاب السلطة الحقيقية علي الأرض. وتعد الجماعات المسلحة مسئولة بشكل مباشر عن العديد من الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في جميع أنحاء ليبيا، مثل استهداف المدنيين –ومن ضمنهم المدافعون عن حقوق الإنسان والنساء والأطفال والأقليات والأجانب– بالإضافة إلى استهداف البنية التحتية الحيوية ومؤسسات الدولة الرئيسية؛ ويتضمن ذلك الهجمات الموثقة على المرافق الطبية والوزارات[2] والمحاكم[3] والمطارات المستخدمة في الطيران المدني، فضلًا عن المدارس و المؤسسات الإعلامية وحقول النفط.
ومن المثير للدهشة والقلق، أنه على الرغم مما سبق، فإن أكثر من 200 ألف مقاتل وعضو في الجماعات المسلحة المختلفة مستمرون في تلقي أموال من الدولة المركزية –وفقًا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.[4] وقد استخدم عدد من الأطراف الممثلين في الحوار السياسي الأحداث الجارية مثل الهجمات العشوائية على المدنيين والأحياء السكنية؛ بغرض فرض السيطرة وإخضاع كل طرف لمطالب الأخر.
إن المنظمات الموقعة تحث المجلس على تذكير ليبيا بالتزامها المتعلقة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وفقًا للولاية الممنوحة للمحكمة من خلال قراري مجلس الأمن رقم 2174 و1970، للتحقيق في جميع حالات الجرائم الدولية المزعومة، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي وقعت في ليبيا منذ فبراير 2011. ونحن نلاحظ بقلق بالغ أن المحكمة الجنائية الدولية لم تتخذ أية خطوات أو تحقيقات في الانتهاكات الجارية الآن في ليبيا برغم أن تلك الانتهاكات تقع تحت ولايتها الحالية.
كانت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) قد أكدت في تقريرها الأخير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن الوضع في ليبيا يشهد”تدهورًا مقلقًا”، ودعت إلى إنشاء مجموعة اتصال دولية معنية بقضايا العدالة، يمكن من خلالها تقديم الدعم القانوني والفني وغيره من أشكال الدعم إلى ليبيا، كما أكدت على التزام المحكمة “بضمان احترام و تعزيز العدالة والمساءلة في ليبيا “.[5]
في هذا السياق، فإن منظمات حقوق الإنسان الموقعة أدناه، تؤكد أن مئات البلاغات عن مزاعم بانتهاكات جسيمة، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القانون، و استخدام منهجي للتعذيب واعتقال تعسفي؛ قد قدمت إلى مكتب المدعي العام في ليبيا، خلال الفترة بين 2012 و2014 ضد عدد من الجماعات المسلحة، ولكنه لم تتخذ أي تدابير ملموسة نحو تحقيق العدالة والمساءلة حتى الآن، كذا فإن المحاكم الوطنية في ليبيا تقف عاجزة عن ملاحقة الجناة المزعوم ارتكابهم جرائم خطيرة بسبب التهديد المستمر للقضاة، المحامين و أعضاء النيابة العامة من قِبل الجماعات المسلحة المختلفة.
إن جهود مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لمعالجة الوضع في ليبيا من خلال تقديم المساعدة الفنية، لم تعد كافية، بما يعكس خطورة أو إلحاح الوضع على الأرض. فحماية حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية المستمرة في ليبيا تقع
–بشكل مباشر– ضمن ولاية المجلس التي تتضمن “معالجة حالات انتهاك حقوق الإنسان، بما فيها الانتهاكات الجسيمة والمنهجية، وتقديم توصيات في هذا الشأن”، بالإضافة إلى “الاستجابة الفورية لحالات الطوارئ في مجال حقوق الإنسان”.
إن استجابة المجلس لأزمة حقوق الإنسان في ليبيا يجب أن تمثل انعكاسًا لتفاقم الأزمة على محو خطير، ومن ثم فإننا ندعو إلى آلية ذات موارد كافية ومستقلة للتحقيق.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان
- شبكة مدافع للمدافعين عن حقوق الإنسان
- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- اللجنة الدولية للحقوقيين
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- محامون من أجل العدالة في ليبيا
- ملتقى المنظمات الأسيوية لحقوق الإنسان و التنمية – Forum Asia
- منظمة الرحمة الليبية للدفاع عن المهجرين قسريًا
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
- المنظمة الليبية للمساعدة القانونية
- منظمة مراسلون بلا حدود
[1] وفقا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أنظر: http://www.opcw.org/the-opcw-and-libya/libya-facts-and-figures
“عند الانضمام إلى الاتفاقية في يناير 2004، أعلنت ليبيا عن حيازة المواد والقدرات التالية، والتي تم التحقق منها من قبل التفتيش التي تجريها المنظمة:
- 7 طن متري من خردل الكبريت
- 390طن متري من السلائف الكيميائية
- 563 ذخائر الأسلحة الكيميائية مفرغة(القنابل الجوية)
- ثلاث مرافق لإنتاج الأسلحة الكيميائية السابقة.
في نوفمبر 2011 وفبراير 2012، أعلنت الحكومة الليبية الجديدة عن “مخزون جديد للأسلحة الكيميائية لم يعلن عنه مسبقًا”، ويتألف من عدة مئات من الذخائر محملة بخردل الكبريت، و بضعة مئات الكيلوجرامات من خردل الكبريت مخزنة في حاويات من البلاستيك (المبلغ الإجمالي من خردل الكبريت التي أعلنها ليبيا تقف الآن عند 26.3 طن متري، فضلًا عن عدد محدود من الحاويات البلاستيكية الشاغرة (حاويات الذخائر). كانت ليبيا غير قادرة على الوفاء بالموعد النهائي الممتد بتاريخ 29 إبريل 2012، وقدمت، بناءً على طلب قرار لمؤتمر الدول الأطراف، خطة مفصلة لتدمير الأسلحة الكيميائية المتبقية على أن تنتهي من تدمير الأسلحة في ديسمبر 2016. و كان من المفترض أن يتم استئناف عمليات تدمير في مارس 2013.
[2] تم اقتحام وزارات العدل والدفاع والداخلية، في طرابلس، ونقل عددًا كبيرًا من الوثائق، بما في ذلك ملفات التحقيق الجنائية، من قبل عناصر “ورد أنهم ينتمون إلى فجر ليبيا” في 31 أغسطس، أعلنت الحكومة أنها فقدت السيطرة على معظم الوزارات والمرافق الحكومية في طرابلس.
[3]توقف سير المحاكم في درنة، بنغازي، وسرت منذ مارس 2014 وفي طرابلس منذ اندلاع القتال في يوليو2014. لقد عانى المدعين العامين والقضاة من التهديدات والاعتداءات المتكررة بما في ذالك تفجيرات بالمحاكم، والضرب، خطف أفراد أو أعضاء الأسرة، بالإضافة إلى الاغتيالات.
[4] في السنوات الأربع الأخيرة، اعتمدت الحكومة الليبية عدة تدابير غير منسجمة لإدماج الميليشيات وإعطاء عناصرها غطاء الشرعية ومناصب في الوزارات الأمنية دون أية رقابة وطنية فعلية.
[5] بيان السيدة فاتو بنسودة، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول الوضع في ليبيا، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1970 (2011)، 2014/12/11: http://j.mp/1O8Wwo2
Share this Post