يطالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالإفراج الفوري عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان وإسقاط جميع الاتهامات المبنية على أسباب سياسية ضدهم. إذ وصلت انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة البحرينية إلى حدود غير مسبوقة منذ بداية الهجوم على التظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية في فبراير العام الماضي. فقد ارتكبت السلطات البحرينية انتهاكات خطيرة تضمنت استخدام مفرط للقوة مما أدى إلى وفاة بعض المتظاهرين، بالإضافة إلى اللجوء إلى التعذيب والمحاكمات غير العادلة للمئات من المتظاهرين في محاكم خاصة –أثناء فترة السلامة الوطنية- واستهداف المسعفين والأطباء، وطرد مئات العاملين والطلاب من وظائفهم وجامعاتهم.
فحكومة البحرين تبدو -ظاهريًا- منخرطة في محاولات الإصلاح، بدايةً من تشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ونهاية بإقرار بعض التعديلات الدستورية الشكلية، إلا أن وضع حقوق الإنسان واقعيًا يبدو أسوأ في ظل استمرار الهجمات اليومية على التظاهرات السلمية والتعدي الكامل على المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.
يقول زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “المدافعون عن حقوق الإنسان في البحرين أحد ثلاثة إما في السجن أو بالمنفى أو على الأقل تم اعتقالهم خلال العام الماضي”، ويضيف عبد التواب “البحرين تحولت إلي معقل لمجموعة من أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة، وبالرغم من ذلك، عوضًا عن الاحتفاء بهم أظهرت الحكومة تعصبًا غير مسبوق ضد عملهم. ومع تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، تتصاعد معها الوحشية ضد من يحاربون هذه الانتهاكات”.
كانت السلطات قد ألقت القبض يوم السبت الماضي على المدافع الحقوقي المعروف نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان ومدير مركز الخليج لحقوق الإنسان، في مطار المنامة الدولي أثناء عودته من بيروت. وقد كان من المقرر أن يمثل رجب أمام المحكمة لاتهامات تتعلق بالتجمهر وإهانة هيئات الدولة، بعد يوم من اعتقاله. حيث تم التحفظ عليه في قسم شرطة الحورة حتى صباح اليوم التالي، ثم مثل أمام المحكمة التي قامت بدورها بتأجيل الجلسة حتى 22 مايو. هذا وقد أمرت النيابة العامة لاحقًا بحبس الناشط الحقوقي لمدى 7 أيام على ذمة التحقيق، فيما صرح المحامى العام الأول أن التهمه الموجهة لرجب وهى إهانة هيئات الدولة، متعلقة بوجهة نظره المعارضة التي عبر عنها عبر حسابه الخاص علي تويتر.
تعرض نبيل رجب إلى العديد من المضايقات من قِبل السلطات بسبب عمله الحقوقي والدعوي في الماضي، وقد تنوعت هذه المضايقات أثناء العام الماضي بين اعتقاله لمدد قصيرة والاعتداء عليه جسديًا، وحملات التشويه الإعلامية ضده وهجمات بالغاز المسيل للدموع تستهدف منزله.
في اليوم نفسه -6 مايو- تأجلت قضية زينب الخواجة الناشطة والمدونة البحرينية المعروفة، وابنة المدافع عن حقوق الإنسان المعتقل عبد الهادي الخواجة إلى يوم 9 مايو مع استمرار حبسها. كانت زينب الخواجة والتي تبلغ من العمر 28 عامًا قد اعتقلت يوم 21 ابريل بعد أن تظاهرت وحدها في الشارع احتجاجًا على استمرار اعتقال والدها.
تواجه زينب اتهامات بالتجمهر وتعطيل المرور والتعدي على ضباط الشرطة. وتمثل هذه الاتهامات 5 قضايا ضد الناشطة التي ألقي القبض عليها أكثر من 4 مرات خلال الشهر الماضي وحده. وقد أبلغت زينب أسرتها –والتي تتعرض بدورها لمضايقات ممنهجة من قبل السلطات- بتعرضها للضرب المبرح بعد اعتقالها في ابريل أثناء وجودها في قسم شرطة الحورة.
لقد مر قرابة 13 شهرًا، منذ اعتقال 14 ناشط سياسي وحقوقي استنادًا على اتهامات ذات دوافع سياسية، لازالت قيد الإثبات بأدلة وإثباتات ملموسة مثل التآمر لقلب نظام الحكم، أو تأسيس وإدارة جماعة إرهابية وتهم أخرى فضفاضة. تلك المحاكمات غير العادلة والأحكام القاسية ضد 21 ناشط في البحرين -منهم 7 تمت محاكمتهم غيابيًا- أسفرت عن أحكام بالسجن لمدد تتراوح بين سنتين والسجن مدى الحياة، لمجرد ممارسة حقهم الأساسي في حرية التعبير والتجمع السلمي.
ومن بين المعتقلين المدافع والناشط المعروف عبد الهادي الخواجة والذي يدخل إضرابه عن الطعام يومه الـ 89، في ظل مطالبات دولية بالإفراج عنه، وتدهور حالته الصحية تدهورًا سريعًا.
هذا ويعاني نشطاء آخرون من مشاكل صحية خطيرة- بالأخص دكتور عيد الجليل السنكيس المتحدث الرسمي ومدير مكتب حقوق الإنسان لحركة حق للحريات المدنية والديمقراطية، وحسن المشيمع الأمين العام لحركة حق، وكلاهما حكم عليهما بالسجن المؤبد. وبالرغم من الحكم الصادر من محكمة التمييز يوم 30 أبريل الذي أحال القضية إلى محكمة استئناف العليا المدنية، فهناك مخاوف أن المسألة ستأخذ عدة أشهر قد لا يملكها عبد الهادي الخواجة نتيجة لظروفه الصحية الحالية.
يقول زياد عبد التواب: “مر أكثر من عام على اعتقال عبد الهادي الخواجة و13 ناشط أخر على أساس اتهامات ملفقة تتعلق مباشرة بحقهم في التعبير والتجمع السلمي”، مضيفةً أن “لا حالة الخواجة الصحية ولا معايير حقوق الإنسان الدولية تسمح باستمرار اعتقالهم لحين صدور القرار النهائي من المحكمة المُعيَّنة حديثًا”.
ويضيف عبد التواب “التصعيد الجديد الذي نراه في القضايا الحالية ضد النشطاء في البحرين هو نتاج مباشر لمناخ الإفلات من العقاب بشكل شبه مطلق، والذي يتمتع به المسئولين في دولة البحرين ويعززه صمت المجتمع الدولي”. مؤكدة أنه حتى في التعامل مع عموم المتظاهرين، هناك تطورات خطيرة خلال الأشهر الماضية سواء باستمرار توجيه الاتهامات واعتقال المتظاهرات من النساء والأطفال أو الاستخدام غير المبرر للغاز المسيل للدموع في الأحياء الأمر الذي ينتج عنه سقوط العديد من الضحايا”.
يؤمن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن نضال الشعب البحريني الذي لا يتوقف من أجل الديمقراطية يجب أن يُشاد به ويُعتد به كعلامة فارقة في مستقبل البلاد. فقد أسفرت الحملة العقابية للحركة الداعمة للديمقراطية عن إرهاب المواطنين والتلاعب بالتشريعات الصارمة واعتقال النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتسببت أيضًا في الإضرار بسمعة الحكومة البحرينية وتقليص كل الوسائل من أجل التحول الديمقراطي في البلاد. يتحتم على السلطات البحرينية أن تعي أن السبيل الوحيد لاستقرار الأوضاع في البحرين هو العمل على إرساء مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية والتوقف الفوري عن كافة الانتهاكات تجاه المتظاهرين وتقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة وتقديم التعويضات للضحايا وأقاربهم، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المعارضة السياسية.
Share this Post