في 11 مايو 2020، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة الحق ندوة مشتركة عبر الإنترنت تحت عنوان “مواجهة الضم الإسرائيلي غير الشرعي للأرض الفلسطينية المحتلة”. استضافت الندوة المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة بالأمم المتحدة مايكل لينك؛ وهيلينا فان روزبروك عضو وزميل الأبحاث في مجموعة ماتين MATTIN، فضلاً عن الدكتور ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات؛ ومديرة وحدة الأرض والتخطيط بمركز عدالة سهاد بشارة؛ والدكتورة سوزان باور مديرة دائرة البحث القانوني والمناصرة الدولية بمؤسسة الحق. أدارت الندوة مها عبد الله، مسئولة المناصرة الدولية من مركز القاهرة، وشارك فيها بعض ممثلي البعثات الدبلوماسية وصناع السياسات، بالإضافة إلى ممثلي منظمات المجتمع المدني ذات الصلة.
قدم المتحدثون تحليلاتهم للتداعيات القانونية والعملية للضم الإسرائيل الفعلي وغير القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة، وانعكاسات ذلك على العلاقة بين المجتمع الدولي ودولة إسرائيل، مقدمين توصيات رئيسية للمجتمع الدولي، تحث على اتخاذ إجراءات فعّالة وفورية لمنع وإيقاف ضم إسرائيل للضفة الغربية، فضلاً عن ضمان المحاسبة على تجاهل إسرائيل المتواصل والمتعمّد، على مدى عقود، لالتزاماتها بموجب القانون الدولي تجاه الشعب الفلسطيني.
وفي إطار تحليل التطبيقات السياسية والقانونية والعملية الخطيرة المترتبة على ضم دولة إسرائيل لأي من أجزاء الضفة الغربية، وهو بالقطع عمل محظور بموجب القانون الدولي، أكد المتحدثون على دور الولايات المتحدة الأمريكية في دفع مثل هذه الأعمال غير القانونية، لا سيما في إطار ما يُسمى بـ “خطة السلام” التي تعمل على تقويض الحق الفلسطيني في تقرير المصير، ضمن حقوق أساسية أخرى. وأكد المتحدثون أنه بدون اتخاذ الإجراءات اللازمة من المجتمع الدولي إزاء استمرار إسرائيل في خرق القانون الدولي، واحتلالها العسكري طويل الأمد والتمييز المؤسسي الذي يصل حد الفصل العنصري، وما ينتج عنه على المستويات التجارية والاقتصادية والفردية؛ فإن الوضع الحالي للإفلات من العقاب سيستمر.
ركزت الندوة أيضًا على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بتقييم العواقب القانونية للخروقات الجسيمة للقانون الدولي، ومن ثم الرد عليها باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة. هذه التدابير تمت الإشارة لها ضمن التوصيات الختامية للندوة، وعلى رأسها اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين، وحظر سلع المستوطنات الإسرائيلية، ودعم التحديث السنوي لقاعدة بيانات الأمم المتحدة حول الشركات والأعمال التجارية مع المستوطنات الإسرائيلية، وتأييد فتح تحقيقات من قبل المحكمة الجنائية الدولية حول الوضع في فلسطين. وذلك بالإضافة إلى توصيات أخرى، مثل مراجعة اتفاقيات التعاون والتجارة القائمة، وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل، وفرض حظر السفر على المستوطنين وقادة المستوطنات؛ باعتبارها تدابير فعّالة يمكن للمجتمع الدولي اتخاذها لمواجهة ضم إسرائيل غير الشرعي ولنشاطها الاستيطاني.
وختامًا أكد المشاركون على الحاجة الملحة للمحاسبة الفعّالة والحقيقية؛ وأن الإدانة لم تعد كافية، وإنما ثمة ضرورة لتحرك المجتمع الدولي حمايةً للنظام القانوني الدولي، الذي أصبح بالفعل على المحك في قضية فلسطين.
تقرير موجز حول كلمات المتحدثين خلال الندوة والتوصيات:
تقرير موجز حول كلمات المتحدثين وتوصيات الندوة المشتركة بعنوان:
“مواجهة الضم الإسرائيلي غير الشرعي للأرض الفلسطينية المحتلة”
فيما يلي مقتطفات من كلمات المتحدثين، وملاحظات وتوصيات تم تقديمها خلال الندوة المشتركة عبر الإنترنت “مواجهة الضم الإسرائيلي غير الشرعي للأرض الفلسطينية المحتلة، والتي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة الحق في 11 مايو 2020، بشأن مكافحة ضم إسرائيل الوشيك وغير الشرعي للأرض الفلسطينية المحتلة.
الدكتورة سوزان باور مديرة دائرة البحث القانوني والمناصرة الدولية بمؤسسة الحق، تناولت الآثار العملية والحقوقية والقانونية لعملية الضم. وأكدت الدكتورة على حقيقة أن الضم الفعلي للضفة الغربية قائم منذ عام 1967، ويشمل ذلك تشييد وتوسيع المستوطنات، والاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى تهديدات إسرائيل الاستيلاء بضم الضفة الغربية بحكم قانوني، الأمر الذي من شأنه تنفيذ خطة إدارة ترامب المعروفة باسم “خطة السلام”.
في كلمتها، دعت مؤسسة الحق المجتمع الدولي والدول إلى اتخاذ إجراءات فورية من خلال عدة وسائل، منها ضمان تطبيق القانون الدولي وحماية الشعب الفلسطيني عبر تنفيذ العقوبات الاقتصادية والتدابير الأخرى؛ حتى تتقيد إسرائيل بالتزاماتها. كما دعت الدكتورة باور الدول إلى رفض “خطة السلام” التي أعلنتها إدارة ترامب؛ والاعتراف بدولة فلسطين ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؛ وتطبيق قوانين تحظر استيراد السلع والخدمات الناتجة عن الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي، والاستمرار في دعم التحديث السنوي لقاعدة بيانات الأمم المتحدة حول الشركات والأعمال التجارية مع المستوطنات الإسرائيلية؛ وضمان استمرار الدعم لآليات المحاسبة، خاصة المحكمة الجنائية الدولية.
سهاد بشارة مديرة وحدة الأرض والتخطيط بمركز عدالة، ركزت على الصلة بين القانون والسياسات الإسرائيلية وكيف قادت إلى تحول في الخطاب القانوني الإسرائيلي وتكييفه للمستوطنات والأرض الفلسطينية المحتلة عبر السنين. وقد سمح تفسير المحكمة العليا الإسرائيلية للقانون الدولي المطبق في الأرض الفلسطينية المحتلة، بأن تفعل الحكومة الإسرائيلية ما تشاء مع أدنى قدر من القيود، كما منح المستوطنين والشركات مساحة أكبر لتنفيذ أنشطة غير قانونية في الضفة الغربية. وأكدت بشارة مجددًا أن الضم الفعلي يحدث على الأرض، ولكنها حذرت من أن الضم القانوني سيكون له تأثير هائل، ناجم عن التغيير في المنظور القانوني الإسرائيلي إزاء الضفة الغربية.
على الصعيد السياسي، لاحظت بشارة أن خطة ترامب تتبنى المبادئ الإسرائيلية بأن تصبح فلسطين وطنًا للشعب اليهودي، وبالتالي تنكر الخطة حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وفي دولة ذات سيادة على الأرض، كما تنكر حق العودة للّاجئين الفلسطينيين. هذه الخطة تمنح الضوء الأخضر للتمييز والسيطرة والهندسة الديموغرافية، بهدف توسيع فرض السيادة الإسرائيلية، وهو ما يُعد مسألة ملحة لدى الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الحالية. وفي ختام كلمتها، أكدت بشارة أن ضم إسرائيل للضفة الغربية رسميًا، قد يصل حد جريمة فصل عنصري.
ناقش الدكتور ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس مؤسسة ياسر عرفات، ضم إسرائيل للقدس الشرقية بعد احتلالها عام 1967، من خلال قوانينها وسياساتها وممارساتها، ورد فعل المجتمع الدولي على ذلك. كما شدد القدوة على أن الضم الإسرائيلي الزاحف للقدس الشرقية يعكس مشروع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين كذريعة للضم المتواصل. ففي أعقاب الضم غير القانوني للقدس الشرقية؛ استجاب المجتمع الدولي بالعديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تدين وترفض الضم الإسرائيلي.
دعا القدوة أيضًا الدول لسحب تمثيلها الدبلوماسي من القدس ومعارضة اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية على المدينة. كما نصح في حالة ضم إسرائيل للضفة الغربية رسميًا، بضرورة استجابة المسئولين الفلسطينيين لذلك عبر إنهاء التسويات التفاوضية السابقة بين فلسطين وإسرائيل، والتأكيد مجددًا على الهدف الوطني المتمثل في تحقيق الاستقلال على حدود عام 1967، بالإضافة إلى طلب الدعم من المجتمع الدولي لتأييد هذا الهدف للشعب الفلسطيني.
مايكل لينك، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة بالأمم المتحدة، ناقش المعنى السياسي للإفلات من العقاب في سياق الاحتلال العسكري الإسرائيلي طويل الأمد، واستعرض تدابير المحاسبة التي ينبغي أن ينظر فيها المجتمع الدولي. وسلّط لينك الضوء على أنه في حادثتين سابقتين ضمت إسرائيل القدس الشرقية والجولان السوري المحتل، دون أن تتخذ الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي أية تدابير محاسبة فعّالة ردًا على ذلك – أو على أي من الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي على مر السنين. كما ركز لينك على التناقض بين استجابة المجتمع الدولي، التي تضمنت تدابير محاسبة فعّالة، على ضم روسيا للقرم ومدينة سيفاستوبول، مقارنة بالتحركات الدولية إزاء ضم إسرائيل للقدس الشرقية والجولان السوري المحتل، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي فقط عندما يفرض المجتمع الدولي عواقب على عدم تقيدها بها، بما يشمل العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل.
شدد لينك على أهمية عقد مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة، بهدف دراسة تدابير إنفاذ الاتفاقية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والتركيز على تفكيك مشروع الاستيطان الإسرائيلي، وإعادة التأكيد على عدم شرعية الاحتلال طويل الأمد. فضلا أهمية التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية والتفعيل الكامل للآليات المحلية، كلما أمكن؛ لمحاسبة الجناة الإسرائيليين على ما ارتكبوه من جرائم حرب، بالإضافة إلى مواصلة دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا).
وفي ختام كلمته، عدَّد المقرر الخاص تدابير المحاسبة العملية والفعّالة المنوطة بالدول، ليس فقط لعرقلة الضم وإنما أيضًا للسماح بعملية سلام حقيقية وتمكين الفلسطينيين من حقهم الأصيل في تقرير المصير، بما في ذلك:
- مراجعة وخفض مستوى اتفاقيات التجارة والتعاون القائمة مع إسرائيل، مع إشارة خاصة للاتحاد الأوروبي؛
- تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطين؛
- رفض دخول سلع المستوطنات إلى الأسواق دون الحصول على شهادة من السلطة الفلسطينية، أسوة بالممارسة الحالية في القرم وشمال قبرص؛
- منع الشركات والمنظمات والمؤسسات المسجلة من التبرع أو جمع الأموال أو التداول أو المساهمة في المستوطنات واقتصاد المستوطنات؛
- فرض حظر السفر على المستوطنين وقادة المستوطنات، بما يشمل رؤساء البلديات في المستوطنات؛
- دعم قاعدة بيانات الأمم المتحدة حول الشركات والأعمال التجارية مع المستوطنات الإسرائيلية.
هيلينا فان روزبروك عضو وزميل الأبحاث مجموعة ماتين MATTIN سلّطت الضوء في كلمتها على القضايا ذات الصلة بطبيعة استجابة الاتحاد الأوروبي للضم، مستعرضة العقبات أمام أية مواقف أو قرارات جديدة في السياسة الخارجية مع إسرائيل، والتي تتطلب إجماع الدول الأعضاء.
لخصت روزبروك أيضًا الجوانب الأخرى للعمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، والتي لا تنبع من دوافع السياسة الخارجية نفسها، مستشهدة برفض الاتحاد الأوروبي منح معاملة تفضيلية لمنتجات المستوطنات، وكذا بتوجيهات عام 2013 بشأن حظر تمويل الاتحاد الأوروبي للأنشطة الإسرائيلية في الأرض المحتلة، وكلاهما ينبثق عن ضرورة قانونية داخلية. وتشمل دوافع الضرورة القانونية في هذه الحالات- حسب روزيروك- التزام الاتحاد الأوروبي باحترام القانون الدولي العام وعدم اعترافه بسيادة إسرائيل على الأرض المحتلة عام 1967، فضلاً عن التزامات الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على سيادة القانون داخليًا، وضمان الاتساق بين أنشطتها وسياساتها.
أشارت روزبروك أيضًا إلى ردود الاتحاد الأوروبي الخاصة على إجراءات الضم الإسرائيلية الجديدة التي يمكن أن تفرضها الضرورة القانونية بالمثل. وشملت توصياتها الموجهة للسياسيين ضرورة مواجهة المحاولات السياسية لخلط التدابير الناشئة عن الضرورة القانونية مع ممارسات تقدير السياسة الخارجية، أو الدفاع عنها في حد ذاتها.
Share this Post