تقرير صحفي
استكمالا لحملة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لاستقلال منظومة العدالة، عقد المركز أمس الأربعاء 27 سبتمبر فى حضور مجموعة من رجال القانون والقضاة وخبراء وزارة العدل والطب الشرعي مائدة مستديرة حول استقلال الطب الشرعي كخطوة فى طريق إصلاح منظومة العدالة. أدار النقاش المستشار زكريا عبد العزيز -رئيس نادى القضاة السابق- وضمت المنصة المستشار زغلول البلشي -نائب رئيس محكمة النقض- ونجاد البرعي-المحامى بالنقض ورئيس المجموعة المتحدة محامون ومستشارون قانونيون- وجابر جاد نصار-أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة- ومحمد نصار ممثل اللجنة التأسيسية لاستقلال الطب الشرعي.
فى البداية استعرض محمد نصار الأوراق المعدة من قبل اللجنة التأسيسية لاستقلال الطب الشرعي، والتي تضمنت استعراضًا لبعض الحقوق التي يكفلها هذا الاستقلال عن ضغوط السلطة التنفيذية وما يعتريها من حسابات ونفوذ ومصالح. الأوراق استعرضت المركز القانوني للخبير وأيضًا الدور الفني له بمختلف تخصصاته، ودوره فى استجلاء الحقيقة. هذا بالإضافة إلى انتقاد الورقة لازدواج القوانين وتضاربها فى هذا الصدد بما يسمح للرؤساء الإداريين الممثلين لوزارة العدل بالتدخل فى عمل الخبراء سواء فى توجيه نوعية معينة من القضايا لبعض الخبراء دون غيرهم أو التدخل فى التقارير أو النقل والانتداب التعسفي والتحكم الظالم فى الرواتب بما يجعل الأطباء الشرعيين وهم أعوان القضاة حسب وصف القانون يقعون تحت سطوة إدارة السلطة التنفيذية غير المعنية بأعمالهم. اللجنة التأسيسية طالبت بإصدار قانون باستقلال مصلحة الطب الشرعي بوصفها “هيئة قضائية فنية مستقلة تمارس أعمالها وفقًا للضوابط القانونية التي يحددها قانون إنشائها، على أن يدير هذه الهيئة مجلس أعلى يحدد القانون كيفية تشكيله وواجباته وسلطاته وأن يكون لخبراء الطب الشرعي ذات الحصانة والضمانات التي يوفرها القانون لأعضاء الهيئات القضائية الأخرى.
اتفق المستشار زغلول البلشي مع الأطباء الشرعيين فى أهمية إصلاح منظومة الخبراء والطب الشرعي كمدخل محوري لإصلاح العدالة مشددًا على الدور الفعال الذي تلعبه هذه المنظومة فى صناعة الأحكام العادلة، بدءًا من دورها فى تكييف الواقعة (جنيات أو جنح) وتحديد محكمة الاختصاص (محكمة أحداث – محكمة عادية)، ودورها فى إثبات وقوع الجريمة للفصل بين الدعاوى الحقيقة والدعاوى الكيدية وأخيرًا دورها فى الفصل فى آلية وقوع الجريمة والتي استنادًا إليها ينطق القاضي بالحكم، مؤكدًا أن هذه الوظيفة العميقة قد عارها الكثير من اللغط فى العهود السابقة، فكم من قضايا تسببت فيها تقارير الطب الشرعي أو الخبراء فى تعطيل سير العدالة مثل قضية خالد سعيد وقضية قتل الثوار والعبث بتقارير الطب الشرعي الخاصة بها، وتحرير تلك التقارير بطريقة مبتسرة، تكتفي فقط بالإشارة إلى الوفاة بالطلق الناري دون أن تحدد لنا عيار هذا الطلق وموقع إطلاقه ومستواه، وهو ما يحول دون معرفة قتلة الثوار ومحاسبتهم ويسهم فى ضياع حقوق هؤلاء الأبرياء.
المستشار زغلول البلشي أعتبر أن تبعية مصلحة الطب الشرعي لوزارة العدل أمر غير مقبول لأن هذه التبعية لا تضمن الحيادية والنزاهة فى تحرير التقارير الفنية وثير الشكوك فيها بما يهدر الثقة فى القضاء برمته، مطالبًا بتحويل الطب الشرعي إلى هيئة مستقلة تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى. كما طالب البلشي بإنشاء مراكز متخصصة للطب الشرعي فى مقر كل محكمة استئناف مجهزة بأحدث الأجهزة والمعدات ومزودة باستراحات للأطباء للإقامة بها. كما رأى البلشي ضرورة زيادة مرتبات العاملين فى الطب الشرعي بما يتناسب مع حجم وحساسية عملهم. اعتبر البلشي إنه من جانب الأطباء الشرعيين لابد أن يعملوا على تجويد تقاريرهم وصياغتها بطريقة واضحة ومفصلة ومسببة تشرح للقاضي أسباب انتهاء الطبيب إلى هذه النتيجة وتدعمه بالحجج اللازمة لحكمه وللفصل بين التقارير المتضاربة، وهو ما يتطلب حسب البلشي عقد دورات تدريبية مشتركة بين القضاة والأطباء الشرعيين حتى يتبادلوا المعرفة ويبحثوا أفضل السبل لتبادل المنفعة فيما بينهم.
من جانبه أكد نجاد البرعي أن استقلال الخبراء بما فى ذلك خبراء الطب الشرعي أبرز جوانب استقلال القضاء، رافضًا أن يتم اختصار فكرة الاستقلال فى الحصول على المزيد من الحصانات أو الامتيازات المادية، لا للقضاة ولا للخبراء، معتبرا أنه حان الوقت للحديث عن قانون تعويض عن أخطاء القضاة وأخطاء المحامين والنيابة ، فحق التعويض مكفول دون حصانات أو ضمانات لأي مواطن إصابة ضرر جراء خطأ عمدي أو غير عمدي، كما أن التعدي على الموظف العام أثناء تأدية عمله أمر يستوجب عقوبة غليظة سواء كان قاضى أو موظف فى أقل الدرجات. وعن خطوات الاستقلال رفع نجاد سقف المطالب، فلم يكتفي بالمطالبة بفصل مصلحة الطب الشرعي عن وزارة العدل وإنما طالب بإلغاء وزارة العدل برمتها إذ لم يعد لها اختصاص، على أن تقوم كل هيئة قضائية باختصاص شؤونها تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء، مشددًا على ضرورة تمتع الخبراء بإدارة ذاتية فى إطار هيئة عليا مستقلة.
اعتبر المستشار زكريا عبد العزيز أن المطالبة بإلغاء وزارة العدل فى هذا التوقيت ليس من الحكمة فى شئ، فهذا المطلب قد يعطل مشروع الاستقلال، مؤكدًا ضرورة الارتقاء بفكرة الاستقلال عن المطالب المادية إلى السعي تجاه مصلحة الوطن. كما أبدى زكريا تخوفه من رفع الحصانة الخاصة بالقاضي بشأن التعويضات متخوفًا أن يتسبب هذا فى قتل إبداع القاضي وتفكيره أو ارتعاش يده قبل الحكم وهو ما اعتبره سلاح خطير قد يضر بمصلحة العدالة.
من جانبه أكد محمد زيدان -خبير أبحاث التزييف والتزوير- أن مطالب الخبراء بما في ذلك الحصانة ضد قضايا التعويضات لا تستهدف إلا الحماية من دعاوى اغلبها كيدية تصرف الخبير عن العمل. وأضاف وليد عبد الحميد -خبير سموم ومخدرات- أن الحصانة المطلوبة ليست فقط حصانة ضد الدعاوى المدنية وإنما حصانة مهنية بالأساس، وهو ما رهنه المستشار زغلول البلشي فقط باستقلال الطب الشرعي عن السلطة التنفيذية من خلال مجلس أعلى ينظم شؤونه، مشددًا على ضرورة تفعيل قانون خاص للخبراء يتم صياغته على نحو متسق ينظم أعمالهم، الأمر الذي أشار فيه عبد الله خليل -المحامى بالنقض- ضرورة الاستعانة بأهل الخبرة فى صياغة هذا القانون لضمان دقته وعدم تعرضه للتحوير.
فى هذا الصدد لفت جابر جاد نصار الانتباه إلى تاريخ إحالة مصلحة الطب الشرعي للسلطة التنفيذية فى 1931 فى ظل حكومة استبدادية وتوسيع العمل بالطوارئ وارتفاع نسبة تجاوزات أجهزة الأمن فى ظل دستور 1930 إذ تحولت هذه المصلحة وغيرها ليس فقط من السلطة القضائية إلى وزارة العدل بل بالأحرى لوزارة الداخلية. نصار اعتبر أن خطوات الاستقلال تكمن فى تشكيل هيئة عليا مستقلة إداريا وماليًا تدير شؤونها بطريقه لامركزية تحت وصاية قضائية إدارية وليست رئاسية، إلا أن نصار أثار فى هذا الصدد إشكالية محورية حول ضرورة أن تكون هذه الهيئة العليا هيئة قضائية؟ وهو الأمر الذي أثار خلافًا بين القضاة والخبراء، إذ تمسك القانونين والقضاة بقصر صفة “القضائية” على من له الحق فقط فى الفصل بالحكم فى الدعوة، واعتبر نصار أن ضبط الألفاظ أمر ضروري فى هذا الصدد وإلا تحول المجتمع كله إلى هيئة قضائية، وأضاف المستشار زكريا عبد العزيز أن هناك تحفظ على تعريف الهيئة القضائية علميًا ولغويًا واصطلاحيًا. على الجانب الأخر اعتبر الخبراء وأطباء الطب الشرعي أن تعريف الهيئة القضائية الذي أقرته المحكمة الدستورية العليا لم يبقى مجالاً للتحفظ، كما أن هيئة مفوضي الدولة هيئة قضائية رغم إنها لا تملك الحق فى الفصل بالحكم فى الدعوة وتقاريرها أيضًا غير ملزمة للقاضي شانها شان تقارير الطب الشرعي.
المستشار أيمن الورداني -رئيس محكمة الاستئناف بالمنصورة- حاول فض الالتباس بالتأكيد على أن الأزمة ليست فى المسميات، قائلاً “فلنقل هيئة قضائية فنية معاونة أو هيئة فنية معاونة للقضاء، وذلك حتى لا نعطل حق اتفقنا جميعًا عليه وخطوة مجدية فى خطة الإصلاح”.
فى نهاية الجلسة استعرض المستشار زكريا عبد العزيز أبرز توصيات النقاش والتي جاء فحواها فى إعداد قانون متسق يتضمن مطالب الخبراء وكافة أعضاء مصلحة الطب الشرعي ويضمن استقلالهم عن السلطة التنفيذية الممثلة فى وزارة العدل ونقل تبعيتهم إلى مجلس أعلى لشئون الطب الشرعي يحدد القانون آلية اختيار أعضائه ومهامه واختصاصه، بما يضمن الاستقلال المالي والإداري لهذا المجلس تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء.
Share this Post