في ظل القمع الوحشي والاعتداءات الوحشية التي تشنها الأنظمة الأوتوقراطية المستبدة الراسخة ضد الحركات المؤيدة للديمقراطية في جميع أنحاء العالم العربي، بدأت الأمم المتحدة -ممثلة فى مجلس حقوق الإنسان خلال دورته الأخيرة 12 سبتمبر الماضي- بوضع عددًا غير مسبوق من حالات حقوق الإنسان في المنطقة العربية على جدول أعمالها.
وخلال هذه الدورة الثامنة عشر للمجلس، تم تقديم العديد من التقارير والتوصيات حول أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا، السودان، سوريا واليمن، كما جرى تشكيل لجنة رفيعة المستوى حول “”تعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية””، إلا أنه وحتى الآن -وفقا لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- ورغم انتهاء الدورة فى 30 سبتمبر، مازال المجتمع الدولي غير مستعد لاستخدام هذه الفرصة الهامة لتوفير الحماية والدعم الحقيقي للمواطنين العرب والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يدفعون من أجل الإصلاح الديمقراطي.
يشير جيرمي سميث -من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- إلى أن ناشطين في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية من جميع أنحاء العالم العربي قد جاءوا إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أمل أن أصواتهم ستسمع في نهاية المطاف وأن المجلس سيسعى لتوفير الدعم والحماية للمتظاهرين السلميين والحركات الديمقراطية، وأضاف سميث “”رغم التعامل الإيجابي للمجلس مع عدة حالات لدول من الإقليم، نجد أن هناك تجاهل لعدد من المبادرات المتعلقة بالمنطقة العربية، إذ لم يتخذ المجلس أي إجراءات ملموسة لتوفير الحماية للضحايا أو فتح الباب لمساءلة الجناة “”.
في 19 سبتمبر الماضي قدم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (المفوضية) تقريرًا عن مهمته الأخيرة فى اليمن والتي تضمنت بحث انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. التقرير أوصى المجلس بإجراء “”تحقيق دولي مستقل غير متحيز حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تحدث في سياق الاحتجاجات””، كما دعت المفوضة السامية إلى إيجاد آلية تسمح لها بمراقبة الوضع فى اليمن. هذه التوصيات تعطلت جميعها بالقرار الذي قدمته اليمن والولايات المتحدة وهولندا، وأقره المجلس خلال جلسته الأخيرة في 29 سبتمبر الماضي، والذي اكتفى فقط بإعلان اليمن “”التحقيق محليًا فى الانتهاكات المشار إليها”” ولكن وكما أشار تقرير المفوضية تبدو الحكومة اليمنية غير راغبة أو غير قادرة على اتخاذ تدابير كافية لضمان المساءلة وتجنب مزيد من الصراع وانتهاكات حقوق الإنسان. منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية طالبت فى رسالة مشتركة باتخاذ إجراءات أقوى تجاه اليمن، واصفة القرار -الذي تم اعتماده دون تصويت- بأنه فشل واضح من جانب المجتمع الدولي فى حماية المدنيين الأبرياء من الهجمات العنيفة والقمع الوحشي. يمثل هذا القرار وسيلة لعرقلة النقاش بشأن هذه المسألة في الأمم المتحدة، كما يمثل تخليًا عن شعب اليمن فى لحظة كان من الممكن أن ينقذ فيها الضغط الدولي أرواح الأبرياء ويدعم قضية الديمقراطية، فعلى مدى الأيام العشرة الماضية فقط شهد الوضع في اليمن تدهورًا غير مسبوق، مما أسفر عن مقتل عشرات المواطنين منذ 19 سبتمبر بعدما لجأت الحكومة اليمنية إلى استخدام القوة العسكرية كاملة ضد المتظاهرين السلميين .
بعد أسابيع قليلة من تقرير للأمم المتحدة حول الأوضاع فى السودان، تم الكشف عن أدلة تفيد أنه ربما ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في منطقة كردفان جنوب السودان، يأتي هذا فى الوقت الذي خفض فيه المجلس من توصيته الممتدة بشأن حقوق الإنسان في السودان، حيث أعاد تصنيف التوصية من “”وضعًا يتطلب اهتمام مجلس حقوق الإنسان”” إلى توصية تنطوي على “”المساعدة التقنية وبناء القدرات””. القرار الذي اعتمد في 29 سبتمبر-بدون تصويت- جدد هذه التوصية لسنة أخرى، فبدلاً من تقديم إدانة قوية لأزمات حقوق الإنسان المستمرة في البلاد قرر المجلس “”الإشادة بالسودان”” لتعاونها، مستعرضًا الجهود التي تبذلها حكومة السودان في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان””. يذكر أيضًا أنه رغم إنشاء دولة جديدة في جنوب السودان، وصعوبة قيام الخبير المستقل بالأمم المتحدة المعنى بشئون السودان بمتابعة الأوضاع فى كل المنطقة، مازال هناك تجاهل لدعوات المدافعين عن حقوق الإنسان فى جنوب السودان والمطالبين باستكمال دعم المجتمع الدولي والذي اعتمد قرار “”الترحيب بجمهورية جنوب السودان كدولة جديدة، لكنه فشل في إنشاء آلية جديدة لمراقبة الوضع هناك .
في 15 سبتمبر انتهت بعثة تقصى الحقائق فى سوريا – والتي أُنشئت بقرار من المجلس عقب جلسة استثنائية لبحث الأوضاع فى سوريا فى إبريل الماضي- من إعداد تقريرها الذي قدمته للمجلس في 19 سبتمبر. التقرير خلص إلى أن جرائم ضد الإنسانية على ما يبدو قد ارتكبت من قبل حكومة الرئيس بشار الأسد ضد المتظاهرين السلميين. كانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد استعرضت بعض نتائج هذا التقرير أمام مجلس الأمن الدولي في 18 أغسطس الماضي، وحثت المجلس على إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من هذه النتائج، وهذه الدعوة الواضحة من جانب المفوضة السامية لاتخاذ موقف، استمرت دول أعضاء بمجلس الأمن مثل الصين، الهند، البرازيل بقيادة روسيا في مقاومة إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية أو سن عقوبات قوية ضد حكومة سوريا. وفيما يعد ردًا جزئيًا على تقاعس مجلس الأمن، عقد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان جلسة استثنائية ثانية بشأن سوريا في شهر أغسطس الماضي، خلصت إلى تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وتقديم المسئولين عن هذه الجرائم للمحاسبة. وخلال هذه الدورة الاستثنائية أيضًا، حاولت روسيا والصين ومصر عرقلة إنشاء هذه اللجنة، ولكن تم توجيه لجنة التحقيق الجديدة لنقل نتائجها الأولية إلى “”جميع هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة”” في نهاية تشرين الثاني .
المدافع الحقوقي السوري هيثم المالح قد أشار إلى تقرير هذه البعثة فى خطاب شديد الانفعال أمام المجلس في 19 سبتمبر، قال فيه “”كما أكد التقرير المعروض علينا، الملايين من الشعب السوري يجدون أنفسهم سجناء، تحيط بهم الدبابات والقناصة والمدافع الرشاشة بينما يصرخون لأجل الحرية”” مشيرًا إلى عرض المفوضية السامية هذا التقرير على مجلس الأمن ومطالبتها بإحالة الوضع في سوريا للمحكمة الجنائية الدولية، وأضاف المالح “”اليوم أطالب -على نحو عاجل- تلك الدول التي فشلت في تقديم الدعم الكامل لسوريا بإعادة النظر في هذا الطلب””. يذكر أنه بعد عشرة أيام من خطاب هيثم المالح، وقبل يوم من انتهاء جلسة المجلس الـ18 وردت تقارير تفيد ببدء استخدام الحكومة السورية لطائرات عسكرية لقصف أهداف مدنية .
“”الاستجابات الضعيفة ربما تكون أفضل من التجاهل التام”” تلك هى حالة البحرين ومصر فى تلك الدورة، والتي تقول عنها ليلى مطر، من مركز القاهرة “”بينما كان هذا المجلس مجتمعًا في جنيف، شهدنا أحكامًا بالسجن صدرت في حق الأطباء والمدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين، واستمرار القمع العنيف للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في البلاد، وأضافت مطر “”وفى مصر نشهد جهود واسعة النطاق يبذلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقمع الحركة الديمقراطية من خلال الإحالة الجماعية للمواطنين للمحاكمات العسكرية، والاستخدام الواسع النطاق للتعذيب من قبل الشرطة والجيش، والهجمات التي لم يسبق لها مثيل من الحكومة على حرية حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما لم تتطرق إليه أية مناقشات فى المجلس “”.
بشكل عام بدا المجلس غير قادر على التعامل بشكل مناسب مع انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم العربي، إلا أن هذا لا ينفى بدء العديد من المبادرات الهامة ذات الصلة الموضوعية بالحركات المؤيدة للديمقراطية في المنطقة، فعلى سبيل المثال قد تم تمرير القرار الذي قدمته الأرجنتين وسويسرا بتعيين “”المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والإصلاح وضمانات عدم التكرار””، وهي الولاية التي قد تكون مفيدة لمساعدة بلدان مثل تونس، ليبيا، مصر وغيرهم في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان سواء في الماضي أو الحاضر في إطار جهود مستمرة للانتقال إلى الحكم الديمقراطي.
هناك قرار أخر تم طرحه من قبل السويد وتمريره بإنشاء “”لجنة لمناقشة حرية التعبير على شبكة الانترنت”” في الدورة المقبلة للمجلس في مارس 2012، بالإضافة إلى ذلك، انعقد في 13 سبتمبر اجتماع “”اللجنة رفيعة المستوى المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية””، التي بدأتها سويسرا. وخلال الاجتماع تم عرض توصيات الخبراء على المجتمع الدولي بشأن كيفية توفير حماية أفضل لحقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية. فى هذا الصدد دعا بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة مجلس حقوق الإنسان إلى العمل من أجل إنشاء “”الإعلان الدولي بشأن الأطر التوجيهية والمبادئ لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية””، وأضاف “”ينبغي أن تدرج ضمن في أي إعلان من هذا القبيل مقترحات المبادئ التوجيهية والمبادئ المستنبطة من الدروس المستفادة داخل المنطقة العربية .
صدر أيضًا قرار من المجلس يدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إلى إعادة ليبيا كعضو في مجلس حقوق الإنسان بعد أن تم تعليق عضويتها في مارس من هذا العام نتيجة هجمات نفذت ضد المدنيين من قبل حكومة القذافي السابقة. بينما يأتي هذا فى الوقت الذي لم يتم فيه اتخاذ أي قرار بشأن مسألة إسرائيل وفلسطين في هذه الدورة رغم تركيز العديد من منظمات المجتمع المدني -بما في ذلك مركز القاهرة- على طلب منظمة التحرير الفلسطينية لقبولها كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة من قبل مجلس الأمن، ودعوة المركز لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين كعضو بالأمم المتحدة تماشيا مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير .
فى نهاية دورة المجلس فى 30 سبتمبر، أشار بهي الدين حسن إلى أنه “”إذا كان المجتمع الدولي لا يملك الإرادة السياسية لدعم التطلعات الديمقراطية للمواطنين في دول معينة في المنطقة العربية، فمن المفترض أن يبدأ على الأقل في التعبير بشكل أكثر وضوحًا عن طبيعة السلوك المتوقع من البلدان التي تشهد احتجاجات واسعة الانتشار، كوسيلة للتخلص من المعايير المزدوجة والتسييس اللذان اتسمت بهما الاستجابة الدولية للحركات الديمقراطية في المنطقة.
Share this Post