صدر الیوم عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حریة الفكر والتعبير، تقريراً مشتركًا حول توسع الأجهزة الأمنية بمشاركة أطراف قضائية في استخدام المنع من السفر بالمطارات المصرية، كأداة غير قانونية وغير دستورية للتنكیل السیاسي والمعنوي بالحقوقيين بالإضافة إلى الأكاديميين والإعلاميين والمعارضین، عقابًا لهم على الانخراط في العمل العام والتعبیر الحر عن الرأي والدفاع عن حقوق مواطنيهم، وكأداة ابتزاز تستهدف جمع معلومات بطرق غير قانونية عن أقارب وأصدقاء الممنوعين من السفر. وقالت المنظمتان أن التوسع المتزايد في استخدام المنع من السفر صار أحد أبرز آليات القمع في مصر، وتحول إلي ردع وإرهاب غير مباشر للمصريين داخل البلاد وخارجها.
التقرير الذي يغطي الفترة من یونیو 2014 وحتى سبتمبر 2016، وجاء تحت عنوان “ختم عبور”، ناقش مسألة غیاب وجود قانون ینظم إجراءات المنع من السفر وكشوف الممنوعین، وتخويل هذه السلطة لقرارات وزير الداخلية التي لا ترتقي لمرتبة القانون. وفي أكثر من 45 صفحة، عرض التقرير لعشرات الشهادات لأشخاص تعرضوا لتجربة المنع من السفر- وأخطروا بالقرار في صالات المطار- من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وكذا النشطاء السياسيين، والأكاديميين والإعلاميين، مفندين في شهاداتهم ما تعرضوا له من انتهاكات صاحبت قرار المنع – أو مهدت له- ولم تنتهي بمصادرة جواز سفر معظمهم، وإنما عرضت الكثير منهم لتحقيقات غير قانونية في مقار الأمن الوطني، ضمن محاولات مستمرة لاسترداد جواز السفر أو معرفة أسباب المنع من السفر أو بيان مداه الزمني. الجدير بالذكر أن حالات المنع من السفر قد امتدت لما بعد الفترة الزمنية التي يغطيها التقرير حيث خلال شهر نوفمبر فقط تم منع كل من المحامين الحقوقيين مالك عدلي، وأحمد راغب والمدافعتان عن حقوق الإنسان عزة سليمان وعايدة سيف الدولة.
فعلى مدى 18 شهر، تحول المنع من السفر من إجراء احترازي يصدر بأمر قضائي وفقاً لضوابط صارمة ضد متهمين في قضايا يخشى من هروبهم من العدالة، إلى عقوبة تعسفية تصدر “بأوامر أمنية وقضائية على حدًا سواء” ضد النشطاء السياسيين والحقوقيين، كوسيلة للتنكيل السياسي، وعقابًا لهم على تبني أراء ومواقف لا تتفق مع التوجه العام للنظام الحاكم وأجهزته الأمنية، وذلك ضمن حزمة من الإجراءات الانتقامية ارتفعت وتيرتها على نحو غير مسبوق خلال العاميين المنصرمين، على حد وصف التقرير. وفي هذا الصدد يقول محمد زارع- الممنوع من السفر- عضو مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “أنه من المخجل أن يتساوى القضاء مع الجهات الأمنية في انتهاك الدستور، وتوظيف المنع من السفر كإجراء انتقامي ضد أصحاب الآراء المستقلة أو المعارضة.”
يصنف التقرير الممنوعين من السفر إلى ممنوعين بموجب “تعليمات أمنية”، وآخرين تم منعهم بموجب أمر قضائي -سواء بقرار من النائب العام أو قضاة التحقيق- وفي كلا الحالتين يشترك الممنوعين في انتهاك حقهم في معرفة سبب المنع، ومداه الزمني، بل أن بعض الممنوعين على خلفية قضية معينة لم يتم استدعاءه للتحقيق أو لسماع أقوالهم فيها وعلموا بالزج بأسمائهم في القضية في صالات السفر. وفي ذلك يعتبر زارع “أن لجوء القضاء للممارسات نفسها التي تتبعها الجهات الأمنية يعكس بشكل واضح مدى التردي الذي أصاب السلطة القضائية لتتحول لأداة للتنكيل السياسي.”
أغلب حالات المنع من السفر التي وثقها التقرير، واقترب عددها من 80 حالة، شهدت ممارسات وإجراءات غير قانونية مصاحبة لإجراء المنع، منها على سبيل المثال تعرض الممنوعين لتحقيقات غير قانونية، وتوقيفهم واحتجازهم لساعات، وتفتيش حقائبهم، وإجبارهم على فتح حواسبهم وهواتفهم الشخصية وفحص محتوياتها، فضلا عن مصادرة أوراقهم وما بحوزتهم من مطبوعات أو إصدارات، ناهيك عن مصادرة جواز السفر الخاص بهم- وإتلافه أحيانا- وإجبارهم على التوجه لأحد مقار الأجهزة الأمنية، حيث يخضعوا لتحقيقات جديدة ويتلقوا رسائل التهديد والترغيب.
“مكالمة هاتفية” من جهة أمنية بإدارة الجوازات غالبا ما تقرر مصير المسافرين “المطلوبين”، فإما أن تسمح لهم بالمرور أو السفر “مؤقتا” أو تقرر منع السفر أو الدخول لأجل غير مسمى. وبمكالمة أمنية أخرى يتلقاها الممنوع من السفر يتبين له كيف يمكنه استرداد جواز سفره المصادر. فبحسب الشهادات الموثقة في التقرير، تلقى معظم الممنوعين مكالمة تليفونية من جهة أمنية في غضون- 3 أسابيع- تطلب منهم الحضور لأحد مقار الأجهزة الأمنية- الأمن الوطني في معظم الحالات- لاسترداد جواز السفر، إلا أنه وفي بعض الحالات لم يتلقى الممنوعين تلك المكالمة، مثلما حدث مع الحقوقي محمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وغيره، ممن فشلوا حتى في استصدار جواز سفر جديد.
أما من تلقوا منهم تلك المكالمة، ونفذوا الاستدعاء- غير الرسمي- فقد تعرضوا لتحقيق مطول تحت مسمى “دردشة” تلقوا فيه رسائل التهديد والوعيد، وتم استجوابهم حول أرائهم السياسية- بما في ذلك رأيهم في الرئيس الحالي- وأسئلة حول زملائهم وأصدقائهم من العاملين في المجال نفسه – السياسي أو الحقوقي- وانتهى اللقاء بـ “توصية” بضرورة إخطار الأجهزة الأمنية قبل أي سفر للخارج، بما في ذلك غرض ووجهة السفر، والجهة الداعية والمضيفة، والزملاء المسافرين، وغيرها من المعلومات الكفيلة بمنع المسافرين من مجرد التفكير في السفر حتى ولو رفع حظر السفر عنهم.
يقول محمد عبد السلام، الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير: “الأجهزة الأمنية اعتبرت أن غياب التشريع المنظم لقرارات المنع من السفر يعني إطلاق يدها في التضييق على النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين والأكاديميين، واستخدام المنع من السفر كعقوبة للتعبير الحر عن الرأي، في انتهاك واضح لحكم القانون والمواثيق الدولية.”
تضع المادة 62 من الدستور ضوابط وقيود على إجراء المنع من السفر، تستلزم صدوره من جهة قضائية، على أن يكون القرار مسبب ومحدد المدة وفقاً للقانون، كما أن المادة 54 من الدستور توجب الإبلاغ الفوري لكل من تقيد حريته بأسباب التقييد. وفي هذا الصدد يستعرض التقرير لبعض القرارات الإدارية والتعليمات الأمنية المخالفة للدستور، والتي تقتضي الحصول على موافقة أجهزة الأمن قبل السفر لبعض البلدان، أو قبل سفر أعضاء هيئة التدريس لمتابعة مهام علمية بالخارج. الأمر الذي تسبب في كثير من الخسائر يعددها أصحابها في شهاداتهم بالتقرير، وتتضمن حرمان بعضهم من وظائف مميزة، أو الحيلولة دون مشاركتهم في مؤتمرات علمية فريدة، أو متابعة دراستهم الأكاديمية بالخارج، فضلا عن ما تكبلوه من خسائر سواء مادية تتعلق بترتيبات السفر، أو معنوية وشخصية تتعلق بالحيلولة دون زياراتهم لذويهم وأقاربهم بالخارج.
قدم التقرير 6 توصيات أساسية لوقف “توظيف” المنع من السفر كعقوبة للتنكيل بالمعارضين، انطلاقا من احترام مبادئ الدستور المصري فيما يتعلق بالحق في حرية التنقل وضوابط تقييد هذا الحق، والعمل على اتساق القوانين والتشريعات المصرية مع الالتزامات الدستورية، بما في ذلك إلغاء التعليمات الإدارية لوزارة الداخلية التي تلزم المواطنين بالحصول على الموافقة الأمنية قبل السفر لدول معينة، واتخاذ خطوات من شأنها توضيح الأخطار التي يمكن أن يلاقيها المواطنين المصريين عند السفر لدول تشهد صراعات خطيرة ، وكذا إلغاء تعليمات وزارة التعليم العالي التي تلزم أعضاء هيئة التدريس بالحصول على موافقة أمنية قبل سفرهم للخارج. كما طالب التقرير أيضا بوقف استهداف الحقوقيين بقرارات المنع من السفر وعرقلة عمل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والتنكيل بالمجتمع المدني المصري، كما طالب التقرير جهات التحقيق- النيابة العامة، قضاة التحقيق- بإنهاء سياسة التعسف في استخدام السلطة التقديرية لإصدار قرارات المنع من السفر. وبالمثل طالب وزارة الداخلية و الأجهزة الأمنية المختلفة بإنهاء كافة الممارسات التعسفية بشأن المنع من السفر، ووقف الممارسات الخارجة عن القانون التي تشمل الإيقاف والتحقيق وسحب جوازات السفر وابتزاز السياسيين والحقوقيين لاستعادة جوازات السفر
لتحميل التقرير برجاء النقر على هذا الرابط
Share this Post