نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء الخميس 8 مارس ندوة بعنوان “القضاء بين التوظيف السياسي والاستقلال”، وذلك ضمن فعاليات صالون بن رشد بالمركز. الندوة ضمت كل من المستشار عاصم عبد الجبار نائب محكمة النقض، أسامة الغزالي حرب الرئيس السابق ومؤسس حزب الجبهة الديمقراطى والناشط السياسى والمدون علاء عبد الفتاح.
أدار الندوة بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والذي أكد على غياب الإرادة السياسية لإصلاح القضاء، إذ أن المجلس لم يلتفت لمقترح المستشار الغريانى حول قانون استقلال السلطة القضائية والذى طرحه في أعقاب الثورة، كما أنه يصم أذنه عن كافة المطالبات باستقلال القضاء، وهو ما أرجعه بهى الدين إلى الرغبة في التوظيف السياسي للقضاء وهو ما حدث في قضية المنظمات “التمويل الاجنبي” ليس فقط في المرحلة الأخيرة من القضية ولكن منذ بدايتها.
أكد المستشار عاصم عبد الجبار على أن التوظيف السياسي للقضاء يمثل مشهدًا مكررًا بالنسبة للقضاة منذ عصر الخديوية وقبل ثورة يوليو، إذ اعتادت السلطة التنفيذية على التوغل بكافة السبل الممكنة داخل المنظومة القضائية مشيرًا إلى أن ما يثار الآن حول التوظيف السياسي في قضية تمويل المنظمات هو حلقة في مسلسل مستمر لعقود طويلة حول سبل تحكم وتدخل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء بما يحقق أهدافها.
استعرض المستشار عبد الجبار فى عجالة التاريخ السيئ للعلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية مؤكدًا أن استقلال القضاء من خلال قانون قوي هو الملاذ الحقيقي للعدالة في هذا الصدد، فإن كان العدل أساس الملك، فاستقلال القضاء هو أساس العدل على حد قول عبد الجبار، وفى هذا السياق أشار عبد الجبار إلى معوقات هذا الاستقلال، مثل المحاكم الاستثنائية، محاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية وقوانين الطوارئ والتي اعتبرها معوقات لاستقلال منظومة القضاء مضيفًا أن القضاء العسكري دخيل علي المنظومة القضائية ويمثل انتهاك صارخ لاستقلاليتها.
من جانبه أكد أسامة الغزالي حرب على أنه لا معنى للنظام الديمقراطي بلا استقلال للقضاء، مشيرًا إلى أن أزمة التمويل الأجنبى للمنظمات فجرت من جديد الدعوة لاستقلال المنظومة القضائية كخطوة أساسية لاستكمال دعائم الديمقراطية.
وصف حرب أزمة التمويل الأجنبي بالقضية السياسية، مفسرًا الهجمة على المنظمات في إطار الدور الذي لعبته هذه المنظمات في فضح وتعرية انتهاكات المجلس العسكري ضد الشعب المصري، تلك الانتهاكات التي أفقدت الشعب حماس الهتاف “الجيش والشعب ايد واحدة”.
انتقد حرب فكرة التعميم التي تم التعامل بها مع المنظمات فى قضية التمويل الأجنبي، مؤكدًا أنه بلا شك هناك من يسىء استخدام التمويل، ولكن القاعدة أن منظمات المجتمع المدنى تلعب دورًا إيجابيًا في عملية التحول الديمقراطي وأي مخالفة في هذا الصدد هي مجرد استثناء يستلزم التعامل معها على فرادة وهو أمر ليس من الصعب على الجهات الرسمية اكتشافه وتدراكه دون أن توزع اتهامتها على الجميع، مشددًا على أن تجاوز بعض المنظمات او الجمعيات لا يلغي دور العمل الأهلي الذي تحاول الجهات الرسمية تشويهه، مضيفًا أن التمويل ليس وصمة، إذ أن المجتمع المدني في العالم كله يقوم على التبرعات من الداخل والخارج والضامن الوحيد في ذلك هو الشفافية.
شن علاء عبد الفتاح هجومًا حادًا على المؤسسة القضائية معتبرًا أن اختزال أزمة القضاء فى قانون استقلال السلطة القضائية هو اختزال مخل، فأزمة القضاء اكثر تعقيدًا من ذلك، مشيرًا إلى أن استقلال القضاء خطوة ضرورية ولكنها ليست خطوة البداية ولا النهاية في إصلاح القضاء الذي وصفه بأنه صار “مؤسسة منحازة ضد الشعب تتواطىء لقمع المصريين وحرمانهم من العدالة”.
وعن العلاقة بين المؤسسة القضائية والمؤسسة التنفيذية، أرجع علاء تدهور أوضاع المؤسسة القضائية لكونها مؤسسة من مؤسسات السلطة، ومن ثم فهي مستفيدة من حالة السطوة التى تمارسها أجهزة السلطة، ومتواطئة مع السلطة لدعمها، معتبرًا أن علاقة القضاء “الجنائي” بالشرطة هى أصل فساد محاولات استقلال القضاء، قائلًا “قبل الثورة كان من الممكن أن ناخذ حكم ضد ظابط شرطة فاسد، ولكن بعد الثورة لم نعد نتطلع إلى ذلك” هذا بالاضافة إلى بعض المعايير الفاسدة فى اختيار القضاة والتي تعطي مدخلاً قويًا للتلاعب والفساد وهي “الموافقة الأمنية والخلفية الاجتماعية” الأمر الذي يفتح المجال لمزيد من علاقات التواطؤ مع أجهزة الأمن ويعطي فرصة لــــ “التوريث والمحسوبية “داخل المؤسسة القضائية.
دلل علاء على تواطؤ المؤسسة القضائية بمجموعة من الأمثلة اعتبر دور القضاء فيها -كان من المفترض- أن يكون الاخذ بالقصاص وليس البحث عن الجانى لأنه معروف وواضح، مشيرًا إلى أن “مصر كلها تعرف مين اللى قتل الناس فى ماسبيرو إلا قاضي التحقيق في القضية” وفي هذا الصدد طالب علاء القضاة بطرح مشروع حول كيفية تحقق العدالة فى مصر وليس مشروع يضمن استقلالهم.
وعن قضية التمويل الأجنبي ذكر علاء أن الأزمة ليست فى التمويل أو الإشهار وإنما في حق الشعب في حرية التنظيم، مؤكدًا أن القاعدة هي أن أي مواطن في المجتمع يتمتع بالحق في الحرية في التنظيم دون أن يحتاج ذلك تصريح أو إخطار، أما إذا ثبت أن هذا التجمع تنتج عنه مخالفات قانونية ينبغى مواجهة هذه المخالفات ومعاقبة المخطئ بموجب القانون ولكن دون مساس بالحق الرئيسي في حرية التنظيم، إلا أن المشرع في مصر يتعمد وضع قوانين –غير قابلة للتطبيق- حتى يمكن بسهولة إدانة المواطنين واتهامهم بمخالفة القانون ومن ثم يظل الكل تحت قبضة السلطة.
Share this Post