فى ندوة بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
قراءة لخريطة التيارات الإسلامية السياسية والدينية بعد ثورة 25 يناير
ركزت ندوة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمنعقدة أمس السبت 30 يوليو علي تقديم قراءة متعمقة للتيارات الإسلامية في مصر، وقد ميزت المنصة في بادئ الأمر بين تجليات التيار الإسلامي السياسية وتجلياته الدينية، علي اعتبار أن الممارسة السياسية تفرض علي هذا التيار خطابًا مختلفًا وموازنات عدة ربما تحيد به عن مجال العمل الديني والدعوي.
في البداية أشار احمد سمير – الصحفي وعضو جماعة الإخوان المسلمين- أن جماعة الإخوان في جوهرها ليست جماعة سياسية إنما هي جماعة دينية تهتم بالأساس بالعمل الخيري والدعوي وتحفيظ القران، وهي من هذا المنطلق تحدد مبتغاها من العمل السياسي في ثلاثة أهداف فقط هي الشغل الشاغل للجماعة وهي أن تحظي بالشرعية كجماعة إسلامية ، وان تحظي بالشرعية في تكوين حزب سياسي ، وان تحافظ علي المادة الثانية من الدستور التي من وجهة نظرها هي الحامي الوحيد لكينونتها وشرعيتها. واستطرد سمير قائلا ” ولعل هذا يفسر موقفها من المجلس العسكري، فهو وحده الذي حقق لها طموحاتها، اعترف بها كجماعة، وسمح لها بإنشاء حزب، وأبقي علي المادة الثانية في إعلانه الدستوري. إلا أن “سمير” أكد في هذا الصدد علي إنه لو لم يكن المجلس العسكري صنع كل هذا، ما كان بمقدور جماعة الإخوان الدخول في صدام معه، فخبرتها التاريخية في الصدام مع العسكر خلال الحقبة الناصرية سيئة جدا، و هي لن تخاطر بإعادة التجربة مع المجلس العسكري .
وقد أضاف أشرف الشريف – الأستاذ بالجامعة الأمريكية والباحث في الحركات الإسلامية – لأسباب هذا التوافق مع الجيش، ما اعتبره مقدار من نقاط التماس والتوافق بين عقيدة الجيش وعقيدة التيارات الإسلامية بوجه عام، مثل فكرة وحدة الصف، الحزم، هيمنة العنصر ألذكوري، والطاعة …الخ
أما عن موقف الإخوان من القوي السياسية فقد أشار “سمير” إلي استمرار احساس الإخوان بالمؤامرة والتشكك في نوايا القوي الأخرى بما فيها القوي الإسلامية الأخرى . إلا أن ” سمير” أشار إلي أن عقيدة الإخوان تتميز بالبرجماتية وإعلاء قيمة المصلحة التي وحدها سوف تحدد خريطة علاقات الجماعة سواء داخليًا مع قوي سياسية أخري أو خارجيًا مع دول ومعاهدات دولية مؤكدًا أن لا خلاف بين الإخوان وأي دولة أخرى حني أمريكا ، فالحركات الإسلامية بشكل عام كانت تستقبل وفود أمريكية من الكونجرس ، وتعقد لقاءات مع السفيرة الأمريكية سواء قبل الثورة أو بعدها ، ولكن خلافها الوحيد مع إسرائيل.
رفض”شريف” استخدام منطق إعلاء المصلحة في توصيف منطق الإخوان في العلاقات الداخلية والخارجية، وإنما اعتبره مرونة في الأداء و سرعة استجابة للتغيرات أو التعامل بمنطق مقتضي الحال. إلا إنه في تعليقه علي عدم مشاركة الإخوان في الانتخابات الرئاسية وتفضيلهم للبرلمانية، اعتبر هذا مخطط لتنفيذ فكرة “الثلث الذي لا يحكم ولكن يؤثر في الحكم، يؤثر ولا يُسئل فهو لا يتحمل المسئولية، وهو فكر انتهازي إلي حد كبير” علي حد قوله.
وحول هذه المرونة أشار “شريف” إلي أن الحركات الإسلامية وتياراتها المختلفة تمر بأقوى مراحل التحولات والمراجعات في تاريخيها ، ربما بشكل يقلق الإسلاميين أنفسهم ، لأنهم غير مستعدين لها الآن، وهو ما أيده بشدة عمرو عدلي- حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد السياسي بالجامعة الأوربية بفلورنسا- فيما يخص الإخوان قائلا “الإخوان كفاعل سياسي يعاد تشكيله ، وهذا ينعكس بوضوح من خلال مجموعة من المواقف الجديدة علي الإخوان في أعقاب الثورة”.
وأضاف شريف “أنا أشفق علي هذه التيارات من العمل علي المستويين الديني والسياسي معًا، فهم غير مؤهلين لذلك، مقسما التيارات الدينية إلى تيارات إسلامية مدنية لديها رغبة في الاندماج الديمقراطي ،وتيارات إسلامية غير مدنية تعانى أزمة في قبول الأخر ، وجماعة الإخوان المسلمين . مشيرا إلى أن ثورة 25 يناير قد فرضت علي جميعهم الجمع بين السياسي والديني بما أتاحته لهم من فرص وتحديات” واستطرد شريف قائلا “الفرصة في إعطاء الشرعية للتيارات الإسلامية، والتحدي في تعددية الفواعل الإسلامية التي تسعي لاغتنام هذه الفرصة، بما يفتت عرش الهيمنة الدينية علي المجال الديني بين السلفيين والإخوان والإصلاحيين الإسلاميين، وأضاف شريف ” إصلاح الأزهر هو وحده الذي يضبط الأداء المؤسسي للتيار الإسلامي، ويحسم الصراع “.
وقد اعتبر شريف أن الإصلاحيين الإسلاميين هم الخطر الأكبر بالنسبة لمعظم التيارات الإسلامية الاخري ، فهم أخر كتلة خرجت من جماعة الإخوان وكونت حزب الوسط ، وهو أيضًا العدو الحقيقي للحركة السلفية ومنازعهم القوي علي الزعامة الدينية. إلا أن هؤلاء الإصلاحيين يواجهون تحدي سافر، سواء من قدرة الإخوان علي الحشد، أو من أصالة الجماعة السفلية في المجتمع، فالحركة السلفية رغم إنها حركة غير منظمة لكن هذا هو مكمن خطورتها، فهي حركة قديمة في مصر متغلغلة في أنحائها، تقوم علي مبدأ تبني الأفكار وليس الانضمام إلي تنظيم أو مشاركة في فاعليات لذا فقدرتها علي جمع المؤيدين أكبر وأقوي، الأمر الذي يهدد الإخوان أيضًا، ولكن الإخوان لا يريدون الصدام مع السلفيين، تلك الحركة التي أخذت حيزاً أكبر في المجتمع نتيجة سماح أمن الدولة المنحل لها بلعب دور دعوي أقوي في الثمانينات والتسعينيات لمواجهة خطاب الحركات الإسلامية المسلحة.
طارق الملط – المتحدث باسم حزب الوسط – ركز في مداخلته علي عقيدة حزب الوسط، معتبرًا أن معظم التيارات الإسلامية المطروحة الآن لم يكن لها أي رغبة في ممارسة دور سياسي قبل الثورة، بينما حزب الوسط بدأ معركته للحصول علي رخصة إنشاء حزب منذ أكثر من عشرة أعوام.
في البداية أشار الملط إلي أن مشكلة حزب الوسط الرئيسية مع الإخوان كانت في رؤيته لأهمية الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي ، فإذا اخترنا ممارسة السياسة فيجب أن ننخرط في اللعبة وندفع ضريبة ذلك من مضايقات وتعسفات، ولكن لا نستمر في العمل السري الذي يقدم شبابنا للسجون ويهدد حياة كل العاملين معنا.
أما عن المرجعية الإسلامية لحزب الوسط ، فقد أشار الملط إلي أن المرجعية اختيار، هي شان عام وليست هي المحك، وإنما كيف تترجم هذه المرجعية في برامج وسياسات تخدم المواطن ، فالمرجعية الإسلامية لحزب الوسط تعني انك حيثما وجدت نفعًا للناس فقد طبقت شرع الله.
رفض الملط القول بأن التيارات الإسلامية تتوافق جميعها مع المجلس العسكري، مشيرًا إلي أن حزب الوسط لا يغازل ولا يجامل المجلس العسكري، ويفرق تمامًا بينه وبين الجيش، مؤكدًا أن الوظيفة السياسية للمجلس العسكري في الوقت الحالي تجعله محل نقد ولكن نقد بناء محترم بلا تجاوز او شطط ،. كما أكد الملط علي إنه فيما يخص العلاقات الخارجية فلها ركيزتان أساسيتان “الاحترام المتبادل، المصالح المشتركة”.
أدار الندوة عمرو عبد الرحمن الباحث السياسي، في حضور مجموعة من المشاركين والمدعوين من الشخصيات العامة والشباب والإعلاميين، تجاوز عددهم 90 مشارك.
Share this Post