لقد كان مأمولا أن تشهد المنطقة العربية بمناسبة احتفالات العالم بالذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خطوات تظهر استعدادا حثيثا لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، غير أنه من المؤسف أن يتزامن مع هذه الاحتفالات مزيد من المؤشرات التي تظهر ازدراء بالغا لقيم حقوق الإنسان والآليات العالمية لحمايتها، باستثناء المغرب.
ففي تونس أصدرت المحكمة الابتدائية بقفصة اليوم التالي للاحتفال باليوم العالمي، أي في الحادي عشر من ديسمبر أحكاما بالغة القسوة بحق المعتقلين على خلفية حركات الاحتجاج الاجتماعي بمنطقة الحوض المنجمي، شملت السجن لسبعة منهم لمدة عشر سنوات، وكان من بينهم النقابيين البارزين عدنان الحاجي وبشير العبيدي، واللذين اعتبرهما مركز القاهرة في تقريره السنوي بين أبرز سجناء الرأي وضحايا المحاكمات غير العادلة في تونس، والمناضل النقابي محي الدين شريب المقيم بفرنسا والذي أدانته المحكمة لتضامنه مع حركة الاحتجاج. وبحسب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فقد افتقرت هذه المحاكمة لجميع العناصر التي تتأسس عليها أية محاكمة، حيث لم يتلى على المتهمين قرار الاتهام، ولم يتم استنطاقهم، ولم يتمكن أي محام من الدفاع عنهم، ورفضت المحكمة مطالب الدفاع لتأجيل القضية لتمكينهم من إعداد دفاعهم، أو لسماع شهود النفي، أو لعرض المتهمين على الفحص الطبي لإثبات ما تعرضوا له من تعذيب.
كما أصدرت محكمة أمن الدولة العليا “طوارئ” في مصر، في الخامس عشر من ديسمبر، أحكاما بالسجن لمدد تتراوح بين 3-5 سنوات بحق 22 شخصا شاركوا في المظاهرات العمالية في مدينة المحلة الكبرى، التي صاحبت الدعوى للإضراب العام في السادس من أبريل، وجوبهت بأعمال قمع أدت إلى مقتل شخصين. ووفقا لتقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فقد حرم المتهمون في هذه القضية من حقهم في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، ومن حقهم في استئناف الأحكام الصادرة ضدهم أمام محكمة أعلى. وغضت المحكمة الطرف عن تعرض بعضهم للتعذيب، بهدف انتزاع الاعترافات التي تدينهم.
وفي سوريا التي تحتل المرتبة الأولى في المنطقة العربية في سجن دعاة الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان، قررت الهيئة العامة لمحكمة النقض في 15 ديسمبر إلغاء قرار محكمة النقض بالإفراج عن الكاتب ميشيل كيلو والناشط محمود عيسى، بعد قضائهما في السجون ثلاثة أرباع مدة العقوبة الصادرة بحقهما. والمعروف أن ميشيل كيلو رئيس هو مركز حريات الصحفيين وعضو لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا، والناشط محمود عيسى، قد اعتقلا في عام 2006 على خلفية توقيعهما على إعلان “بيروت-دمشق”، الذي يدعو إلى تصحيح العلاقات السورية اللبنانية، وقضت محكمة الجنايات بسجنهما لمدة ثلاث سنوات بتهمة إضعاف الشعور القومي!!
وفي منتصف ديسمبر أيضا، تواصلت الهجمات على المدنيين في إقليم دارفور بالسودان، والمناطق المتاخمة للإقليم، مما أودى بحياة 250 شخصا قتلوا على يد جماعات من القبائل الموالية للحكومة.
وتكتمل صورة الوضع المزري لحقوق الإنسان في المنطقة، بقيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الرابع عشر من ديسمبر بمنع ريتشارد فولك المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من الدخول لتقصي حقيقة الوضع، واحتجازه بمطار بن جوريون قرابة عشرين ساعة قبيل ترحيله. وهو الإجراء الذي يأتي في الوقت الذي تواصل فيه سلطات الاحتلال فرض سياسات العقاب الجماعي على السكان الفلسطينيين، وحرمانهم من أبسط مقومات العيش، كما جرى في نفس الفترة منع الفلسطينيين من مغادرة البلاد للحج ولكن بسبب الصراع الداخلي الدامي بين حركتي حماس وفتح. جدير بالذكر أن أغلبية الحكومات العربية ترفض استقبال مقرري الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان.
وربما كان الاستثناء الوحيد في هذا السياق المشين، هو البادرة الإيجابية بإعلان المغرب سحب التحفظات على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وبالتالي وقف التذرع بأحكام الشريعة الإسلامية لتبرير الإجحاف بالمرأة في العالم العربي. الأمر الذي يؤكد أن مشكلة حقوق الإنسان في العالم العربي، هى بالأساس بسبب غياب الإرادة السياسية للحكومات العربية. وهو الأمر الذي برهن عليه التقرير السنوي عن حقوق الإنسان في العالم العربي، الذي أصدره مركز القاهرة منذ أيام، انظر:
بالعربيـة : http://www.cihrs.org/Arabic/NewsSystem/Articles/548
بالإنجليزية: http://www.cihrs.org/english/newssystem/details.aspx?id=548
Share this Post