في مؤتمر منظمة التضامن القبطي السنوي لإحياء ذكرى شهداء ماسبيرو الأقباط
كلمة نيل هيكس – المدير التنفيذي المسئول عن برنامج الحماية الدولية بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
أشكركم لدعوتي للمشاركة في هذا الحدث الهام لإحياء الذكرى السابعة لمذبحة ماسبيرو. فمن بين العديد من الأحداث الصاخبة في الأشهر والسنوات التي تلت الانتفاضة الثورية المصرية في يناير2011، كانت مجزرة ماسبيرو ضد المتظاهرين المسيحيين فاضحة ومخزية، تعكس الطرق والأساليب التي استخدمتها السلطة العسكرية لوأد التطلعات الديمقراطية لملايين المصريين – مسلمين ومسيحيين – ممن انتفضوا لإزاحة دكتاتورية مبارك ذات الثلاثين عامًا.
كانت أحداث ماسبيرو فاضحة أولا في وحشيتها. إذ أصبح القتل الجماعي للمتظاهرين أمراً شائعاً في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، متجسدًا في أبشع صوره في مذبحة رابعة في أغسطس 2013، حيث قتل أكثر من 800 متظاهر وأصيب الآلاف في يوم واحد فقط. وهناك العديد من الأساليب الوحشية الأخرى الشائعة الآن في مصر، منها الاختفاء القسري، والتعذيب واسع النطاق، والقتل خارج نطاق القانون، وأحكام الإعدام الجماعية الصادرة عن محاكمات جائرة، واحتجاز عشرات الآلاف من السجناء السياسيين دون تمكينهم من حقوقهم القانونية الضرورية. الأمر الذي أدى إلى فرض الديكتاتورية العسكرية، وبلوغ مستوى غير مسبوق من عنف الدولة، يشعل النزاع ويقضي على الأمن.
أحداث ماسبيرو فضحت أيضًا استغلال السلطات للانقسامات الطائفية، بل وتغذيتها بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية، كخيار سياسي مقصود، وتحريض غالبية السكان ضد الأقلية. فبينما كان الجيش يستخدم القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين المسيحيين وسط القاهرة، كان التليفزيون المصري الذي تسيطر عليه الدولة يبث أخبارًا كاذبة بأن المسيحيين يهاجمون الجيش، كما كان يحث المواطنين المسلمين على الخروج إلى الشارع لمواجهة المسيحيين وحماية الجيش.
هذا التحريض على العنف لم يأت من الفراغ. فقد تغاضت الدولة تغاضت وشجعت على عقود من الدعاية التشهيرية ضد المسيحيين في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة وفي القنوات الإعلامية الخاصة المملوكة للمملكة العربية السعودية ودول أخرى تروج لإيديولوجيات دينية متعصبة وتمييزية وبغيضة في جميع أنحاء المنطقة والعالم. وفي عام 2011، عرف الجيش المصري أنه كان يخاطب جمهورًا مستعدًا لتصديق قصصًا أسطورية عن المسيحيين، جمهور تغذى لسنوات على خطاب -مباشر وغير مباشر- بأن المسيحيين مشكوك فيهم، وليسوا مواطنين.
انعكس جانب طائفي آخر من المجزرة في تواطؤ الدولة مع المتطرفين السلفيين. فقد فشلت الدولة في صعيد مصر في حماية الأقباط من العنف السلفي في محافظة أسوان، مما أدى إلى هدم كنيسة في اليوم السابق على الاحتجاجات، مما أشعل شرارة الاحتجاج في القاهرة يوم 10 أكتوبر. وهاجم المتطرفون السلفيون المتظاهرين في القاهرة بينما وقفت قوات الأمن صامتة، قبل أن يتحرك الجيش بوحشية لتفريق الاحتجاج والتعدي على المحتجين.
الحكام المستبدون، أمثال المجلس الأعلى للقوات المسلحة عام 2011، وحكومة الرئيس السيسي اليوم، يستفيدوا من المتطرفين الإسلاميين، الذين يجبرون مجتمعات الأقليات الضعيفة، مثل مسيحيي مصر، على اللجوء إلى الدولة طلبًا للحماية. كما أنهم يوفروا للحكومة ذريعة لمنع الحريات السياسية الأساسية، والسماح بحملة واسعة النطاق ضد كل أنواع المعارضة بما فيها السياسية السلمية. ومن ثم لا يملك المستبدون أي دافع للقضاء النهائي على التطرف العنيف؛ فهم مستفيدين من مناخ الخوف الناجم عن تهديد الإرهاب والعنف المتطرف.
عندما تخنق الحكومات المعارضة السلمية، وتكمم الإعلام، وتمنع الأنشطة المشروعة والسلمية لمنظمات المجتمع المدني، وتقيّد الحريات الدينية، فهي لا تعزز الأمن – بل تقضي عليه. إذ أن انتهاك حقوق الإنسان ومنع الحريات الأساسية بدعوى حماية الأمن القومي يأتي بنتائج عكسية. ففيما تصوِّر الحكومات السلطوية نفسها على أنها حامية الأقليات المستضعفة من الحركات المتطرفة العنيفة، لكنها تصف حتى المعارضين السياسيين السلميين بالتطرف والعنف، وهو ما يزيد من حالة الاستقطاب.
إن القمع بدعوى حماية الأقليات الدينية يؤدي إلى استياء أغلبية المواطنين. وترتبط الأقليات، دون استحقاق، بهذا القمع، وبالتالي تنال بعض اللوم غير العادل عن تجاوزات الدولة. فالأقليات الدينية الضعيفة، مثل الأقباط المسيحيين في مصر، هي عرضة للحرمان من حقوقها من جانب الدولة ومن جانب الجهات الفاعلة غير الحكومية. ويتفاقم هذه الضعف – فيقل الإحساس بالأمان – عندما تتعرض الحريات والحقوق الأخرى للاعتداء، مثل حرية الصحافة وسيادة القانون وحرية واستقلال منظمات المجتمع المدني.
وبسبب هذه الهجمات، تتراجع فاعلية المجموعات التي تحاول تقديم الدعم للأقليات الدينية خارج البلاد. الأمر الذي ينعكس في تحديات جمع معلومات دقيقة عن حوادث الاضطهاد. وبدون تلك المعلومات، من السهل على السلطات المصرية رفض التعامل مع المخاوف والتهديدات التي قد تصل إلى علمها.
من الأمور الإيجابية أن إدارة ترامب تولي اهتمامًا بتعزيز قضية حقوق الإنسان الأساسية مثل الحرية الدينية، لكن تصرفاتها تناقض ذلك. فإدارة ترامب تفضل التعاون الوثيق مع القادة السلطويين في علاقاتها الأمنية في المنطقة، بينما تقلل من أهمية مسئولية هؤلاء القادة عن إنهاء الانتهاكات وتوسيع نطاق حماية حقوق الإنسان كجزء لا يتجزأ من الجهود المشتركة لتعزيز الأمن الإقليمي والدولي.
بالطبع لا تملك حكومة الولايات المتحدة عصا سحرية لوقف هذه الانتهاكات، وحتى علاقاتها القوية لا تسمح لها إلا بنفوذ محدود على شركائها، لكن يمكن للولايات المتحدة أن تفعل الكثير لمواجهة المسئولين عن تلك الانتهاكات، وربما الأهم من ذلك تعزيز الصلة بين حقوق الإنسان- بما في ذلك الحرية الدينية – والأمن. والتأكيد على أنه يمكن للحكومات تعزيز الأمن من خلال ضمان تقبل وجهات النظر الدينية المتنوعة بل وتشجيعها.
إن إغلاق المجال أمام المجتمع المدني والأنشطة السياسية السلمية يعزز من انتشار التطرف العنيف، مما يعرض مجتمعات الأقليات الضعيفة للخطر. وفي المقابل، يعد احترام الحريات الأساسية، لاسيما حرية التجمع وتكوين الجمعيات، أحد أهم آليات الدفاع عن المجال العام ضد انتشار التطرف العنيف.
Share this Post