في 4 يونية 2020، قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وشركاؤه الفلسطينيون مداخلتين كتابيتين لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، قبيل جلسته الـ 44 والمنعقدة حاليًا بمقر المجلس في جنيف، حول أبرز القضايا المتعلقة بالوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة. المداخلتان تطرقا لعدة قضايا منها المساع الإسرائيلية لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وفشل المجتمع الدولي في اتخاذ تدابير فعالة من أجل رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة.
حملت المداخلتان توصيات للمجلس ودوله الأعضاء بسرعة اتخاذ تدابير فعالة لرفع الحصار عن غزة، ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمات التي تسببت السياسات الإسرائيلية في تصاعد حدتها في غزة، ومواجهة خطط الضم الإسرائيلية التي ستزيد من ترسيخ نظام الفصل العنصري المفروض على الشعب الفلسطيني.
- مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة- الجلسة الـ 44
- البند 7- حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى
- مداخلة مكتوبة مشتركة[1]
- 4 يونية 2020
على الدول الأعضاء منع إسرائيل من ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة
تسعى الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء ضخمة من الضفة الغربية المحتلة اعتبارًا من 1 يوليو؛ في انتهاك لحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وذلك بعد سنوات من الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى الضم القانوني للقدس الشرقية المحتلة والجولان السوري المحتل منذ عام 1967. وبينما أكد المجتمع الدولي بشكل متكرر على عدم شرعية الضم الإسرائيلي؛ فإنه أخفق في اتخاذ تدابير فعّالة لمعالجة الوقائع غير القانونية على الأرض. هذه المداخلة المكتوبة الموجهة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تدعو الدول الأعضاء للالتزام بمسئولياتها في التعاون من أجل إنهاء الوضع غير القانوني ودعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
- حظر الضم
إن حظر الاستيلاء على الأراضي منصوص عليه كمبدأ أساسي في المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة. علاوة على أن الضم محظور كليًا باعتباره فعلاً عدوانيًا بموجب القانون الدولي الإنساني. وتنص المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على أنه “لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل… من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي… أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة”. كما ينص تعليق عام 1958 على اتفاقية جنيف الرابعة على أن “الاحتلال نتيجة للحرب.. لا يمكن أن يقتضي ضمنًا أي حق في التصرف في الأراضي”[2]. كما ينص على أن “سلطة الاحتلال لا يمكنها بناء على ذلك أن تضم الأراضي المحتلة”[3]. أيضًا يشدد التعليق على أن: “تظل سلطة الاحتلال ملزمة بتطبيق الاتفاقية بشكل كامل حتى عندما تتجاهل القانون الدولي وتزعم أنها أثناء النزاع قامت بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة”.[4]
- مسئولية عدم الاعتراف
إن حظر الضم، باعتباره قواعد آمرة، يلزم جميع الدول بعدم الاعتراف بالوضع غير الشرعي، وعدم تقديم المساعدة أو العون للحفاظ عليه، والتعاون من أجل إنهاء الوضع غير الشرعي.[5] في عام 1980، عندما رسخت إسرائيل ضمها غير الشرعي للقدس الشرقية؛ أكد مجلس الأمن في قراره رقم 478 لعام 1980 على أن “جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، القوة المحتلة، والتي غيرت معالم مدينة القدس الشريف… هي إجراءات باطلة أصلاً ويجب إلغاؤها”.[6] وقرر مجلس الأمن عدم الاعتراف بالقانون الأساسي لإسرائيل، ودعا “الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات من المدينة المقدسة”.[7] ومع ذلك، لم يتخذ مجلس الأمن أية تدابير فعّالة لإنجاز تلك الغاية.
وفي عام 1980، أخفق مجلس الأمن مجددًا في تطبيق عقوبات ضد إسرائيل، بسبب فرضها قوانينها وسلطاتها وإدارتها على الجولان السوري المحتل. بدلاً من ذلك، أعاد التأكيد على أن “الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول”[8]، وقرر أن “القرار الإسرائيلي… ملغيًا وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي”.[9] وفي الوقت نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار ES-9/1 في 5 فبراير 1982، بموجب قرار “الاتحاد من أجل السلام”، وطالب القرار “جميع الدول الأعضاء أن تكفّ على الفور، فرادى ومجتمعة، عن كل تعامل مع إسرائيل كي تعزلها عزلاً تاماً في جميع الميادين”.[10]
- المسئولية عن عدم تقديم العون أو المساعدة
في 2016، اعتبر مجلس الأمن في قراره رقم 2334 (2016) أن إنشاء المستوطنات الإسرائيلية “ليس له أي شرعية قانونية”[11]، وكرر مطلبه لـ “إسرائيل بأن توقف فورًا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية”،[12] ودعا “جميع الدول.. ]إلى أن[ تميز في معاملاتها ذات الصلة بين إقليم دولة إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام 1967”.[13] وفي 12 فبراير 2020، أصدر مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان قاعدة بيانات غير شاملة[14] للأنشطة التجارية المتورطة مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، حيث أدرج فيها 112 شركة، من بينها 18 شركة متعددة الجنسيات. وقد صدر عن مجلس حقوق الإنسان تكليف بإعداد قاعدة البيانات في قراره 31/36 (2016)، وتحديثها سنويًا، وبذلك ستغدو بمثابة أداة للشفافية والمحاسبة لتستخدمها الدول والشركات والمجتمع المدني بشأن أنشطة الشركات المخالفة للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بصفتها جهات مسئولة أساسية، وتتحمل الدول مسئولية الحماية من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أطراف ثالثة، بما في ذلك الشركات التي “ساهمت، بصورة مباشرة وغير مباشرة، في إنشاء ونمو المستوطنات وبتيسيرها والاستفادة منها”.[15]
في هذا الإطار، ينبغي على دول الموطن للشركات العاملة في أو مع المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك المدرجة في قاعدة البيانات، اتخاذ التدابير، وفقًا لمسئوليتها، لضمان احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من قّبل الشركات الخاضعة لولاياتها القضائية. ويجب على الدول أن تفرض ما يعزز حقوق الإنسان بشكل إلزامي على مثل تلك الشركات والعمل على تقييم ومنع تواطؤها في انتهاكات القانون الدولي. إذ يجب على الشركات العاملة في سياقات الاحتلال طويل الأمد والزاحف والضم القانوني أن تتخذ كل الخطوات الضرورية للوفاء بمسئولياتها وتجنب التورط في الخروقات الجسيمة، بما في ذلك سحب الاستثمارات وفك الارتباط. علاوة على ذلك، على الدول منع المنتجات والخدمات التي تنتجها المستوطنات غير الشرعية كجزء من مسئولياتها بعدم الاعتراف أو تقديم العون للحفاظ على الوضع غير الشرعي.
- 4. مسئولية إنهاء الوضع غير الشرعي
أخفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشكل منهجي في الوفاء بمسئولياتها عن عدم تقديم العون أو المساعدة التي من شأنها الحفاظ على خروقات إسرائيل للقانون الدولي، بما في ذلك تواطؤ الشركات في المستوطنات غير الشرعية، بينما لم يتم على الإطلاق اتخاذ أي تدابير فعّالة لإنهاء الوضع غير الشرعي. بدلا من ذلك، برهنت الدول على تواطؤها في الحفاظ على الوضع غير الشرعي، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تضفي الشرعية على الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة بل وتكافئها.[16]
ففي ديسمبر 2017، اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، في انتهاك لوضع المدينة بموجب القانون الدولي؛ وفي مايو 2018، نقلت الولايات المتحدة، في مخالفة للقانون، سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وتبعها في ذلك عدة دول أخرى؛ وفي سبتمبر 2018، قررت الولايات المتحدة إلغاء تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بهدف تقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما حق العودة؛ وفي مارس 2019، اعترفت الولايات المتحدة بشكل مخالف للقانون بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل؛ وفي يناير 2020، أعلنت الولايات المتحدة ما أطلقت عليه خطتها “للسلام من أجل الرخاء”، والتي ترسّخ الفصل العنصري الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.[17]
- 5. خلاصة وتوصيات
إن إخفاق الدول الأعضاء المتواصل في محاسبة إسرائيل، بما في ذلك إقرار عقوبات لإنهاء الوضع غير الشرعي؛ ينطوي على عواقب وخيمة وبعيدة المدى على فعالية النظام الدولي. ومن ثم، فإننا نشدد على الحاجة للعدالة والمحاسبة لوضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب. وفي ضوء ما أوردناه أعلاه؛ فإننا نطالب مجلس حقوق الإنسان والدول الأعضاء بما يلي:
- أولاً: الالتزام بمسئولياتهم عن عدم الاعتراف وعدم المساعدة فيما يتعلق بالضم والاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي، والتعاون لوضع نهاية للوضع غير الشرعي؛
- ثانيًا: إدانة التغييرات التي تقوم بها إسرائيل للوضع القانوني وسمة التكوين الجغرافي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وسحب السفارات من القدس؛
- ثالثًا: تبني قرار خلال الجلسة الـ 44 لمجلس حقوق الإنسان؛ لمنع ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة؛
- رابعًا: رفض خطة الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة باسم “السلام من أجل الرخاء”، والمقترحات الأخرى التي تسعى لتقويض الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحق العودة للاجئين والنازحين الفلسطينيين لمنازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم، حسبما يفرضه القانون الدولي؛
- خامسًا: الترحيب بإصدار قاعدة بيانات الأمم المتحدة والالتزام بدعم تحديثها سنويًا، بما في ذلك توفير الموارد المالية بشكل مستمر لتنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان (31/36 (2016)، باعتباره أداة محاسبة هامة للدول والمستثمرين والشركات والمجتمع المدني بشأن التعاون المباشر وغير المباشر للشركات مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية؛
- سادسًا: السعي لتحقيق المحاسبة والعدالة الدولية بشأن الجرائم المشتبه في ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني؛ عبر محاكمة الجناة المشتبه فيهم ضمن الولايات القضائية للدول الأعضاء، والدعم العلني والتعاون مع تحقيق كامل وعميق وشامل بوساطة المحكمة الجنائية الدولية بشأن الوضع في فلسطين.
[1] مؤسسة الحق، القانون في خدمة الإنسان، بديل – المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
[2] جان بيكتيت (إيدن)، اتفاقية جنيف الصادرة في 12 أغسطس 1949: اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، المجلد 4، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 1958، في 275.
[3] المرجع السابق.
[4] المرجع السابق- 276.
[5] المادتين 40 و41، مشروع مواد حول مسئولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دوليًا، 2001.
[6] قرار مجلس الأمن 478 (1980)، فقرة 3.
[7] المرجع السابق فقرة 5 (ب).
[8] قرار مجلس الأمن رقم 497 (1981)، الديباجة.
[9] المرجع السابق، فقرة 1.
[10] قرار الجمعية العامة ES-9/1، الفقرة 13.
[11] قرار مجلس الأمن 2334 (2016)، الفقرة 1.
[12] المرجع السابق، فقرة 2.
[13] المرجع السابق، فقرة 5.
[14] مؤسسة الحق، “أكثر من 75 منظمة تشيد بمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، لإصدار قاعدة بيانات الشركات المتورطة في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية”، 25 مارس 2020، http://www.alhaq.org/advocacy/16637.html.
[15] قرار مجلس حقوق الإنسان، الجلسة الثانية والعشرون (A/HRC/22/63)، ص20.
[16] مؤسسة الحق، “رسالة الحق المفتوحة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن خطط إسرائيل لضم الضفة الغربية”، 23 أبريل 2020، http://www.alhaq.org/advocacy/16769.html.
[17] مؤسسة الحق، “فلسطين: يجب رفض خطة الولايات المتحدة لترسيخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي”، 5 فبراير 2020، http://www.alhaq.org/advocacy/16429.html.
- مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة- الجلسة الـ 44
- البند 7- حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى
- مداخلة مكتوبة مشتركة[18]
- 4 يونية 2020
على مجلس حقوق الإنسان إنهاء الحصار غير القانوني لغزة باعتباره عقاب جماعي
تسببت جائحة كوفيد-19 في تفاقم حالات التمييز المؤسسي في جميع أنحاء العالم، وسلّطت الضوء على العنف الهيكلي الذي يؤثر على الحق في الصحة ويؤدي لحرمان الأفراد والشعوب من حقوقهم غير القابلة للتصرف. وفي سياق الجائحة ظهر في الصدارة قمع النظام الإسرائيلي المؤسسي وهيمنته العنصرية المنهجية تجاه جميع الفلسطينيين،[19] وهو ما يصل حد جريمة الفصل العنصري.[20] فعلى مدى عقود، رسخت إسرائيل الفصل العنصري من خلال التجزئة الممنهجة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين والإغلاق طويل الأمد لقطاع غزة؛ وهو ما يعزل ويفصل بشكل منهجي الفلسطينيين في غزة عن بقية الشعب الفلسطيني.
هذه المداخلة المشتركة الموجهة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تُسلّط الضوء على حصار إسرائيل غير القانوني لغزة؛ باعتباره ترسيخًا للفصل العنصري الإسرائيلي، وتدعو لاتخاذ تدابير فعالة لرفع الحصار ومعالجة أسبابه الجذرية.
- تأثير جائحة كوفيد-19 على سياق الفصل العنصري الإسرائيلي
في عام 2017، وجدت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن تجزئة إسرائيل الاستراتيجية للشعب الفلسطيني إلى أربعة نطاقات قانونية وسياسية وجغرافية منفصلة، تُشكّل أداة رئيسية لترسيخ الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني.[21] هذه التجزئة أصبحت ظاهرة للعيان بشكل خاص خلال جائحة كوفيد-19، مما منع الفلسطينيين من الاستجابة للجائحة بشكل جماعي، بينما يتم ترسيخ قابلية تعرضهم للإصابة كنتيجة لزيادة القيود على الحركة التي تعوق الوصول للخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية.[22]
يعاني الشعب الفلسطيني من سياسات القمع والإهمال المؤسسية المنهجية؛ والحرمان من الوصول إلى قدر كاف من الماء ونظام صرف صحي مناسب،[23] هذا بالإضافة إلى التكدس، لا سيما في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال والأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، المنفصلة عن بقية المدينة عن طريق جدار الضم.
في غزة، حيث يقطن نحو مليوني فلسطيني في واحدة من أكثر مناطق العالم تكدسًا بالسكان، واجه النظام الصحي بالفعل انهيارًا قبل الجائحة، إذ أن أربعة في المائة فقط من المياه العذبة في غزة صالحة للاستهلاك والاستعمال الآدمي. ومن ثم، فإن كل الجهود في غزة ركزت على احتواء جائحة كوفيد-19 ومحاولة منع انفلاتها واحتمالات انتشارها الكارثية.
من خلال تجزئة الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل استراتيجي؛ تضمن إسرائيل حرمان الفلسطينيين من الحق في ممارسة أي حقوق جماعية، بما في ذلك حقهم في تقرير المصير وحق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في العودة لديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم، التي حُرموا منها بشكل منهجي منذ عام 1948.[24] وبالتالي، فإن أي استجابة حقيقية لجائحة كوفيد-19 يجب ألا تضمن فقط الوفاء بالحق في الصحة لجميع الفلسطينيين، وإنما ينبغي أن تعالج بشكل فعّال الأسباب الجذرية لاستمرار الهيمنة والقمع.[25]
- عدم قانونية الإغلاق الإسرائيلي لغزة
بالإضافة إلى النكبة المتواصلة منذ عام 1948 والاحتلال الممتد من عام 1967، ترزح غزة تحت وطأة إغلاق مشدد منذ عام 2007، مع فرض قيود على الحركة والتنقل منذ أوائل التسعينات.[26] وقد اعتبر المجتمع الدولي أن الإغلاق الإسرائيلي لغزة، الذي يدخل عامه الثالث عشر في يونية الجاري، غير قانوني. وفي عام 2013، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن “الحصار والقيود ذات الصلة به تستهدف وتفرض معاناة على السكان المدنيين، وتعاقبهم بشكل فعلي على أفعال لم يرتكبونها”، وهو ما يصل حد العقاب الجماعي في انتهاك للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.[27]
لقد أدى الإغلاق الإسرائيلي لحرمان الشعب الفلسطيني من سبل العيش، كجزء من الحق الجماعي في تقرير المصير،[28] وهو ما يصل حد المعاملة السيئة المحظورة.[29] كما أنها تُشكّل جريمة اضطهاد،[30]بما يقتضي المسئولية الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية.[31]
على مدى 13 عامًا، أدى الإغلاق الإسرائيلي إلى تقويض كل جوانب الحياة في غزة، وحرمان الفلسطينيين من التمتع بجميع الحقوق دون تمييز. الفلسطينيون في غزة الآن يواجهون مستويات عميقة من الفقر والاعتماد على تلقي المساعدات وانعدام الأمن الغذائي والبطالة، بالإضافة إلى انهيار الخدمات الأساسية.[32] لقد حذرت الأمم المتحدة بشكل متكرر من أن قطاع غزة سيصبح غير مهيأ للسكن بحلول عام 2020 إذا أخفقت إسرائيل في إنهاء الإغلاق.[33]
- إخفاق الدول الأعضاء في التصرف برغم دعوات رفع الإغلاق
سجلت الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان، إخفاقًا متكررًا في اتخاذ تدابير فعّالة لرفع الحصار عن غزة، ومعالجة أسبابه الجذرية، ودعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني؛ وذلك تكرار دعوة مختلف هيئات الأمم المتحدة وخبرائها ومسئوليها لرفع الإغلاق الإسرائيلي غير القانوني لغزة.
في فبراير 2019، انتهت لجنة التحقيق الأممية بشأن احتجاجات 2018 في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى إصدار توصية لسلطة الاحتلال الإسرائيلي بـ: “رفع الحصار المفروض على غزة على الفور”.[34] وفي مارس 2019، رحب المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، مايكل لينك، قائلاً: “نؤيد دعوة اللجنة للرفع الفوري للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، والذي وصف بشكل متكرر]..[ بأنه شكل محظور للعقاب الجماعي”.[35] وفي 22 مارس 2019، اعتمدت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان توصيات لجنة التحقيق والتزمت بالسعي إلى تنفيذها.[36]
في نوفمبر 2019، حثت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إسرائيل على “العمل فوراً على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة والكف عن إغلاق المعابر، والسماح بإمكانية الوصول من دون عراقيل لتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة”.[37] وفي ديسمبر 2019، دعت لجنة القضاء على التمييز العنصري إسرائيل إلى “إعادة النظر في سياسة الحصار التي تتّبعها وإلى السماح بإعادة بناء المنازل والهياكل الأساسية المدنية على وجه الاستعجال وعلى تيسيرها؛ وضمان الحصول على المساعدة الإنسانية العاجلة اللازمة؛ وضمان التمتع بالحق في حرية التنقل والسكن والتعليم والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، امتثالاً للاتفاقية”.[38] أيضًا وجدت لجنة القضاء على التمييز العنصري أن إغلاق إسرائيل لغزة لا يتوافق مع حظر التمييز العنصري والفصل العنصري.[39]
وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، فإن جميع الأطراف السامية المتعاقدة لديها واجب قانوني بموجب المادة 1 المشتركة التي تنص على “ضمان احترام…الاتفاقية في جميع الظروف”، بما في ذلك وضع حد لجميع أشكال العقاب الجماعي التي تفرضها سلطة الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وقد أخفقت الدول بشكل منهجي في الوفاء بهذا الالتزام.
- خلاصة وتوصيات
في سياق ظاهرة إفلات إسرائيل من العقاب على انتهاكاتها المنهجية واسعة النطاق لحقوق الشعب الفلسطيني؛ فإن الدول الأعضاء عليها مسئولية لضمان العدالة والمحاسبة الدولية. فعلى مجلس حقوق الإنسان، وعلى الدول العمل على إنهاء الإغلاق الإسرائيلي غير القانوني لغزة، ومعالجة الأسباب الجذرية لترسيخ الفصل العنصري الإسرائيلي.
ومن ثم؛ فإننا ندعو المجلس وكل الدول أعضاء الأمم المتحدة إلى:
- أولاً: اعتماد تدابير فعالة لتنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان 40/13 في إطار زمني واضح ومحدد ودون مزيد من التأخير؛
- ثانيًا: الترحيب بالتقرير المقبل حول العقاب الجماعي، والذي سيصدر في يونية 2020 عن المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والعمل على إنهاء جميع أشكال العقاب الجماعي المفروضة على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك إغلاق إسرائيل غير الشرعي لغزة؛
- ثالثًا: كبح جماح التجزئة الإسرائيلية الاستراتيجية للشعب الفلسطيني، وذلك بالترحيب بالملاحظات الختامية للجنة القضاء على التمييز العنصري 2019[40] والتي سلّطت الضوء على السياسات والممارسات الإسرائيلية للتمييز العنصري والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر؛
- رابعًا: إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، وتوسيع ولاية المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967؛ لتشمل كل الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر واللاجئين والمنفيين بالخارج، ودعوة المقرر الخاص لتقديم تقرير سنوي للمجلس واللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الخطوات المتخذة للامتثال لأحكام اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973؛
- خامسًا: السعي من أجل العدالة والمحاسبة الدولية على الجرائم المشتبه ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني، وذلك عبر تفعيل آليات الولاية القضائية العالمية؛ لمحاكمة الجناة ضمن الولايات القضائية للدول الأعضاء، ولدعم تحقيق كامل وشامل للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الوضع في فلسطين.
[18] مؤسسة الحق، القانون في خدمة الإنسان، مركز الميزان لحقوق الإنسان، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
[19] مؤسسة الحق، “الفصل العنصري الإسرائيلي يقوّض حق الفلسطينيين في الصحة في ظل جائحة كوفيد-19″، 7 أبريل 2020،
http://www.alhaq.org/advocacy/16692.html.
[20] المادة 7 (2) (هـ)، نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
[21] اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة، تقرير “دور المؤسسات في أزمنة الحرب والسلام في المنطقة العربية”،
(E/ESCWA/ECRI/2017/1, p. 4).
[22] منظمة الصحة العالمية، تقرير الوصول الشهري، أبريل 2020،
http://www.emro.who.int/images/stories/palestine/documents/April_2020_Monthly.pdf?ua=1%EF%BB%BF
[23] مؤسسة الحق، “في يوم المياه العالمي، مؤسسة الحق تُذكّر بالفصل العنصري الإسرائيلي للمياه وسط جائحة عالمية”، 23 مارس 2020، http://www.alhaq.org/advocacy/16625.html.
[24] مؤسسة الحق، “مجموعات فلسطينية وإقليمية ودولية تُسلم تقريرًا عن الفصل العنصري الإسرائيلي إلى لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري”، 12 نوفمبر 2019، http://www.alhaq.org/advocacy/16183.html.
[25] برام ويسبلوي وأمايا العرزة، “الظروف الخفية”، لندن ريفيو أوف بوكس، 18 أبريل 2020
https://www.lrb.co.uk/blog/2020/april/underlying-conditions
[26] مؤسسة الحق، “إغلاق غزة يدخل عامه العاشر”، 19 يونيو 2017، http://www.alhaq.org/advocacy/6335.html.
[27] A/HRC/24/30, para. 22.
[28] المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
[29] المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ المادة 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب.
[30] المادة 7 (1) (هـ) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
[31] انظر مركز الميزان، “تواصل منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والضحايا مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن الإغلاق غير الشرعي لقطاع غزة”، 23 نوفمبر 2016، http://www.mezan.org/en/post/21630.
[32] فريق الأمم المتحدة القطري في الأرض الفلسطينية المحتلة، “غزة بعد 10 سنوات”، يوليو 2017،
https://unsco.unmissions.org/sites/default/files/gaza_10_years_later_-_11_july_2017.pdf.
[33] على سبيل المثال، تقرير عن المساعدة المقدمة من الأونكتاد إلى الشعب الفلسطيني، سبتمبر 2015، (TD/B/62/3).
[34] مجلس حقوق الإنسان، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الاحتجاجات في الأرض الفلسطينية المحتلة (A/HRC/40/74).
[35] المفوضية السامية لحقوق الإنسان، “خبير أممي: المحاسبة مطلوبة لإنهاء الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين الفلسطينيين في غزة”، 5 مارس 2019
https://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=24255&LangID=E.
[36] قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن ضمان المساءلة والعدالة في جميع انتهاكات القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية (A/HRC/RES/40/13).
[37] تقرير اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع لإسرائيل (E/C.12/ISR/CO/4, para. 11(a).).
[38] لجنة القضاء على التمييز العنصري، الملاحظات الختامية بشأن التقرير الجامع للتقارير الدورية من السابع عشر إلى التاسع عشر لإسرائيل (CERD/C/ISR/CO/17-19, para. 45).
[39] منظمة الحق، “منظمات حقوق الإنسان ترحب بالملاحظات الختامية للجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة بشأن التمييز العنصري والفصل العنصري على جانبي الخط الأخضر”، 21 ديسمبر 2019، http://www.alhaq.org/advocacy/16324.html.
[40] لجنة القضاء على التمييز العنصري، الملاحظات الختامية بشأن التقرير الجامع للتقارير الدورية من السابع عشر إلى التاسع عشر لإسرائيل (CERD/C/ISR/CO/17-19).
Share this Post