يعتبر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2254 بالإجماع يوم 18 ديسمبر 2015 تعبيرًا عن إرادة وتوافق دوليين على المضي قدمًا نحو تحقيق الحل السياسي الذي تحتاجه سوريا بشكل ملح. في الوقت ذاته، فإن المركز يعرب عن أسفه لعدم اشتمال المناقشات على الضمانات الأساسية لتحقيق العدالة، والمساءلة، وحماية حقوق الإنسان. حيث افتقد القرار أية إشارة حول كيفية التعامل مع الجرائم الماضية والمستمرة والانتهاكات اليومية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، على يد مختلف الجهات المحلية والدولية في سوريا. إن تقاعس المجتمع الدولي عن الإقرار بأن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه دون محاسبة هو أمر يدعو للاستنكار.
إن القرار ينص صائبًا على الالتزام التام لمجلس الأمن بسيادة سوريا “واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي“، وضرورة “حماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن العرق أو المذهب الديني“. بالإضافة إلى تشديده على “الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا إلى ديارهم وإعادة تأهيل المناطق المتضررة“. كما يطالب القرار بالوقف الفوري للهجمات الموجهة ضد المدنيين والمرافق الطبية، ووقف القصف البري والقصف الجوي العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان. ويدعو أيضًا جميع الأطراف إلى السماح –فورًا– بوصول المساعدات الإنسانية إلى كافة أنحاء البلاد، وإلى جميع من هم في حاجة إليها، لاسيما في المناطق المحاصرة، فضلًا عن الإفراج الفوري عن أي محتجزين تعسفيًا، وخاصةً النساء والأطفال.
وتنفيذًالذلك، فإن القرار ينص على خارطة طريق مبدئية تتضمن جدولًا زمنيًا طموحًا لإجراء محادثات سياسية في سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة–استنادًا إلى ما تم الاتفاق عليه حتى الآن في جولات المفاوضات التي جرت مع المجموعة الدولية لدعم سوريا والتي بدأت في فيينا يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ورغم أن القرار يضع إطارًا عامًا يُفترض أن يؤدي إلى إنهاء النزاع في سوريا، إلا أن إغفاله عن مسائل أساسية قد يفضي إلى أن تصبح كافة الجهود الدولية المبذولة حاليًا مجرد جولة أخرى من المفاوضات التي فشلت في حل الأزمة، بما في ذلك الأهداف المعلنة الرامية إلى مكافحة انتشار الجماعات الإرهابية –مثل تنظيمي “داعش” والقاعدة وغيرهما–حيث لايزال المجتمع الدولي يفتقر إلى رؤية واضحة حول كيفية المضي قدمًا في تنفيذ خطة السلام الواردة في القرار. في الوقت ذاته، يستمر المدنيين في تقديم ثمنًا باهظًا؛ بسبب استمرار فشل المجتمع الدولي إما بسقوطهم قتلى أو بنزوحهم ـأو بجوعهم المستمر تحت الحصار.
طبقًا لتصريح رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا السيد سيرجيو بينييرو في ١٧ مارس ٢٠١٥، فإنه برغم “اتفاق المجتمع الدولي على عدم جدوى الحل العسكري لهذا النزاع، إلا أن تسليح الأطراف المتحاربة وتمويلها، وتدفق المقاتلين الأجانب، يدعم الوهم الخادع أن النصر العسكري ممكن. ويشجع على إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، بالإضافة إلى القوة المتزايدة التي تمنحها لهم الأسلحة“. ونتيجة لذلك، “هناك حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية متسقة للمحاسبة، وتوفر الإرادة اللازمة لتنفيذها على نحو فعال“.
وخلافًا لقرارات مجلس الأمن السابقة حول سوريا، فإن القرار رقم 2254 يدعو كافة الدول إلى استخدام نفوذها لوضع حد للانتهاكات المستمرة، منوهًا إلى مسئولية الدول الاخرى عن منع ارتكاب الجرائم الدولية. وفي هذا السياق، يُذكّر مركز القاهرة بأن القانون الدولي يلزم جميع الدول بمطالبة كافة الأطراف التي ترتكب مخالفات أو انتهاكات جسيمة لقواعد آمرة من القانون الدولي، بالكف عن تلك الأفعال وضمان احترام القانون الدولي. وينبثق عن هذا الالتزام واجب عدم الاعتراف بالأفعال المخالفة باعتبارها أفعالًا مشروعة، وواجب الامتناع عن تقديم أي دعم أو مساعدة من شأنها المعاونة في اقتراف الانتهاكات. وهو ما يوجب على الدول أيضًا اتخاذ خطوات إيجابية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان، وردعها، والمعاقبة عليها، والتحقيق فيها، وجبر الضرر الذي تتسبب فيه،بالإضافة إلى مقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية.
إن العقبة الرئيسية التي حالت دون الوصول إلى حل سياسي في سوريا حتى الآن هي استمرار الانقسام الدولي حول مصير مرتكبي الانتهاكات الجسيمة في سوريا وتحديداالقيادات العليا في النظام السوري. كما يتضح العزوف الدولي أيضًا عن للتصدي لمسألة المساءلة في إشكالية إدراج جماعتين –على الأقل– ضمن جولة مباحثات مؤتمر الرياض للمعارضة،على الرغم من توفر أدلة جدية على تورطهما في ارتكاب جرائم دولية. فمن غير المعقول أن تقوم الأطراف المسئولة عن ارتكاب الجرائم ضد الشعب السوري على مدار خمسة أعوام، بقيادة البلاد إلى المستقبل الديمقراطي المأمول.
إضافةً لما سبق، فقد التزم مجلس الأمن الصمت التام حيال طبيعة وحجم التدخل العسكري الأجنبي الحالي في سوريا تحت شعار مكافحة الإرهاب، حيث يشير عدد لا يُستهان به من الأدلة إلى ارتكاب القوات الدولية انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني ضد المدنيين، وخصوصًا من قبل القوات الروسية في حلب. على المجتمع الدولي تنسيق العمل العسكري، في إطار قرار يصدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يحدد فيه مدى ونطاق التدخل؛ وذلك تجنبًا لمزيد من الانتهاكات للقانون الدولي. إن أي قرار بشأن العملية السياسية في سوريا لايأخذ في الاعتبار ارتفاع حدة القتال على الأرض يثير تساؤلات جدية حول مصداقيته، وفعاليته.
لقد أبدى المجتمع الدولي فيما يتعلق بالمجموعات المصنفة كإرهابية، استعدادًا أكبر للتعاون ووضع مسئولية الدول الأخرى في عين الاعتبار، وذلك من خلال التدابير التي تضمنها القرار2253 والذي اعتُمد في اليوم نفسه، بينما يتقاعس–المجتمع الدولي– عن تطبيق أي شكل من أشكال الردع على الأطراف المتحاربة الأخرى، أو لوقف ارتكاب الجرائم. ذلك على الرغم من أن نظام الأسد يبقى المتسبب في وقوع الغالبية العظمى من الضحايا في سوريا، وفي استمرار تدفق اللاجئين والنازحين داخليًا. كما أن دموية القمع الذي تعرض له الشعب السوري –جراء مطالبته بالحرية والتغيير– وفرت أرضًا خصبة لازدهار التطرف في سوريا في المقام الأول،ولا تزال مسوغًا لاستمرار وجوده.
من جهة أخري، فإن تجديد القرار الخاص بمرور المساعدات الإنسانية (قرار رقم 2258) والصادر في 22 ديسمبر/كانون الأول، أعاد التأكيد على الاحتياجات الإنسانية الملحة للشعب السوري، لاسيما السكان الذين يقبعون في المناطق المحاصرة، والذين يقارب عددهم 400.000 نسمة. لقد واجه القرار السابق بخصوص وصول المساعدات الإنسانية انتقادات واسعة بسبب استمرار سلطات النظام في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين وإلى المناطق التي يصعب الوصول إليها. إن النص مجددًا على القرار نفسه دون تقديم ضمانات حقيقية للضغط على الأطراف المسئولة عن السماح بوصول تلك المساعدات، وفي ظل عدم وجود آلية لمتابعة التقارير التي نص عليها القرار، يبدو دون جدوى؛ إذ ينبغي أن تتضمن آلية الرصد المنصوص عليها في القرار رقم 2258 صلاحية إصدار توصيات محددة بشأن أفضل السبل لتأمين وصول المساعدات الإنسانية، واحتمالية فرض عقوبات على الأطراف المسئولة عن حجب هذه المساعدات.
إن العالم يرتقب حزمة جريئة وشاملة من شأنها أن تؤدي إلى إيجاد حل للنزاع الدائر في سوريا، لاسيما أن الحلول قصيرة الأمد وعسكرة أطراف النزاع بشكل متزايد لم تفضِ إلى أي نجاح. يجب على مجلس الأمن أن يعي جيدًا الحاجة للتعامل مع الملفات الشائكة في سوريا من خلال خطوات أكثر وضوحًا نحو تحقيق السلام من شأنها ضمان محاسبة جميع الأطراف المنخرطة في النزاع. كذا فإن عدم تفعيل القرار على أرض الواقع –من خلال العمل على وقف الهجمات المستمرة ضد المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان–سيُبقى هذا القرار والمفاوضات التي تتبعه دون أي معنى حقيقي.
Share this Post