يعتبر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- جنبا إلى جنب مع منظمات المجتمع المدني الفلسطيني- الجهود المصرية الجارية خطوة أولى وجيدة من أجل إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني الممتد لأكثر من عشرة أعوام. ويأمل المركز أن تفضي هذه الجهود إلى توحيد شقي الأرض الفلسطينية المحتلة تحت مظلة قيادة سياسية موحدة منتخبة تستمد شرعيتها ديمقراطيا من الشعب.
كما يرحب المركز بقرار قيادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بحل اللجنة التنفيذية، والتي تولت المهام الحكومية في قطاع غزة منذ مارس 2017، وموافقتها على تولي حكومة الوفاق الوطني مهامها الإدارية في القطاع، إلى حين إجراء الانتخابات. وهي الخطوة التي يفترض أن تقابل من الرئاسة الفلسطينية بالعدول عن القرارات العقابية الأخيرة ضد القطاع والمتمثلة في تقليص الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء، وخفض رواتب الموظفين.
ومن جانبه يدعو المركز مصر إلى تتويج هذه الجهود بفتح معبر رفع فورًا ومن دون شروط، والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة، وتخفيف المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون المحاصرين في القطاع.
ففي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من تعدد النزاعات الداخلية والانقسامات سيشكل نجاح هذه المساعي بارقة أمل تتخطى حدود الأرض المحتلة إلى أماكن أخري بالمنطقة، لكن هذه الجهود الرامية إلى مصالحة حقيقية ومستدامة لابد أن تستند إلى أرادة قوية، تتعالى عن المصالح والحسابات السياسية الضيقة وقصيرة النظر، وتعلي من مصلحة الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة كأولوية قصوى لإنهاء السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية، و تحقيق الحرية وتقرير المصير. وفي ذلك يدعو مركز القاهرة كل الفاعلين العرب والإقليميين والدوليين لمساندة هذه الجهود وضمان نجاحها.
إن أعوام الانقسام الفلسطيني العشرة لم تشكل فقط عقبة كبيرة أمام القضية الفلسطينية ومصداقيتها والجهود الرامية لمساندتها فحسب، بل شكلت أيضا السبب الأساسي للتدهور الشديد في وضعية حقوق الإنسان في مناطق السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء. فخلال هذا العقد من الانقسام وفي ظل غياب الرقابة البرلمانية اللازمة وضعف السلطة القضائية وتسيسها، استشرى التعسف في عمل المؤسسات الإدارية، وتفاقم عدد الانتهاكات للضمانات الدستورية الأساسية للفلسطينيين المقيمين في تلك المناطق، كما صدرت العديد من التشريعات واللوائح شديدة الخطورة على الحريات، كقانون الجرائم الالكتروني الجديد، فضلاً على أن عددًا كبيراً من الناشطين والصحفيين والأكاديميين خضعوا للاعتقال و أحيانا كثيرة للتعذيب في السجون الفلسطينية المدارة من قبل الطرفين، بما في ذلك شخصيات بارزة تناضل ضد الاحتلال.
إن إجراء انتخابات نزيهة وحرة هو شرط أساسي لإنجاز الوحدة الحقيقة وإعادة ثقة الفلسطينيين في مؤسساتهم الوطنية وشعورهم بامتلاكها. تلك الانتخابات لا ترتهن فقط بصندوق اقتراع، إنما أيضًا بضمان تمكين مجتمع مدني مستقل من ممارسة العمل السياسي بحرية، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والتجمع والتنظيم.
وفي هذا الصدد يدعو مركز القاهرة الأطراف الفلسطينية إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي بشكل فوري، كبرهان مبدئي على حسن النية، وبداية لإزالة جميع العقبات الإدارية والتشريعية المفروضة عن حرية التعبير والتجمع.
إن الضامن الأساسي للوحدة والحكم الديمقراطي هو المجتمع الفلسطيني، لذا يشدد المركز على ضرورة إشراك المجتمع المدني في عملية الحوار الوطني. كما يدعو جميع الأطراف السياسية إلى العمل على تطبيق الدعوات التي سبق وأطلقتها المبادرات الشعبية والمدنية دعمًا للوصول إلى العدالة الانتقالية، وما تتطلبه من محاسبة المتورطين في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، و تنفيذ توصيات اللجنة الفلسطينية المستقلة الخاصة بمتابعة تنفيذ توصيات تقرير غولدستون 2010، وذللك ضمن خطة شاملة لجبر الضرر الناجم عن الاقتتال الداخلي منذ وقوع الانقسام وحتى الآن.
وأخيرا يناشد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المجتمع الدولي الشروع فورًا في إعادة إعمار قطاع غزة، والضغط على سلطات الاحتلال للامتناع عن اتخاذ أية إجراءات تعرقل جهود المصالحة الفلسطينية، مثل الاعتقالات أو التهديدات أو تعطيل النشاط السياسي المشروع في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة.
Share this Post