على هامش زيارة الرئيس المصري للولايات المتحدة الأمريكية
مؤتمر صحفي يضم 6 من أعضاء الكونجرس الأمريكي حول سجل الانتهاكات الحقوقية الحافل بالوحشية والقمع في مصر
بالاشتراك مع إحدى عشرة منظمة غير حكومية، شارك مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في مؤتمر صحفي بمقر مجلس الشيوخ الأمريكي بواشنطن في 9 أبريل الجاري، بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للبيت الأبيض في ضيافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
شارك في المؤتمر ستة من أعضاء الكونجرس الأمريكي، بينهم عضوا مجلس الشيوخ كريس فان هولين وباتريك ليهي، وإلهان عمر عضوة مجلس النواب الأمريكي، بالإضافة إلى الممثل المصري خالد أبو النجا، الذي افتتح كلمته بأن "معظم شباب ميدان التحرير المصريين الذين احتفينا بهم وافتخر بهم العالم يقفون اليوم إما وراء قضبان السجون أو قضبان الخوف. المصريون اليوم جميعًا خلف القضبان، فهذا النظام يحاول ترهيبنا جميعا."
من جانبهم بعث أعضاء الكونجرس برسالة قوية أعربوا فيها عن قلقهم إزاء الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في مصر السيسي، بينما وجه الممثل المصري نداء إنساني واسع النطاق من أجل ضحايا الاختفاء القسري والحبس مدى الحياة في مصر بسبب تدوينة أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، هؤلاء المعرضين للتعذيب بل وللقتل كل يوم في مصر، وخاصة الأطفال دون 18 عامًا ممن تصدر بحقهم أحكام بالإعدام على خلفية محاكمات غير عادلة.
ذلك الوضع الذي أشار إليه نيل هيكس من مركز القاهرة باعتباره "سجلاً فاضحًا، حافلاً بالوحشية والتعصب والقمع غير المسبوق في تاريخ مصر الحديث"، يستلزم -حسب نيل- من أعضاء الكونجرس الأمريكي "دعمًا حقيقًا لمطالب الشعب المصري المشروعة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، على نحو مغاير لذلك الدعم غير المشروط الذي يتلقاه السيسي اليوم في البيت الأبيض."
انتقد أعضاء الكونجرس المشاركين بالمؤتمر أيضًا التعديلات الدستورية المقترحة مؤخرًا في مصر، والتي بموجبها يضمن السيسي البقاء في السلطة حتى عام 2034، معتبرين هذه التعديلات بمثابة محاولة استيلاء على السلطة بالتخلص من الضوابط والتوازنات بين السلطات، هو تصرف غير ديمقراطي من المرجح أن يجعل مصر دولة أقل استقرارًا وشريكًا أقل موثوقية للولايات المتحدة.
كما تطرق المؤتمر للعديد من الانتهاكات الحقوقية تحت حكم السيسي، بما في ذلك حبس عشرات الآلاف من السياسيين، وقمع الصحافة الحرة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، والتمييز المستمر ضد الأقليات الدينية رغم مزاعم السيسي بعكس ذلك. كما أبدى بعض أعضاء الكونجرس قلقهم إزاء وحشية المعاملة في السجون المصرية على نحو يوفر أرضًا خصبة للجماعات الإرهابية، مثل داعش، لتجنيد "جيل جديد من المتطرفين" وذلك على حد وصف السيناتور ليهي، تعليقًا على تصريح لـ"روب بيرشنسكي" من منظمة حقوق الإنسان أولاً، قال فيه: " انه بالرغم من أن مصر شريك أمني للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، لكنها في الواقع تعمد إلى تهيئة الظروف التي يزدهر فيها الإرهاب عن طوعية ودراية."
اعترض أعضاء الكونجرس أيضًا على إساءة استخدام الأسلحة الأمريكية لشن هجمات عشوائية على المدنيين في سيناء وأماكن أخرى. وفي تعليق للأمريكية، أبريل كورلي، خلال المؤتمر، تطرقت لما تكبدت نتيجة الهجوم المميت الذي شنه الجيش المصري على مجموعة من السياح في سبتمبر 2015، وأسفر عن إصابتها بجروح خطيرة وسقوط 12 قتيلاً. ورغم تلقي مصر 1.3 مليار دولار كمساعدات أمريكية بشكل دوري، لم تدفع مصر أي تعويض لكورلي وغيرها من الضحايا عن الإصابات الدائمة جراء هذا الهجوم، الذي وصفه ستيفن ماكينيرني، مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، بأنه لم يكن على سبيل الخطأ، "وإنما كان انعكاسًا لعدم الكفاءة والوحشية البشعة للدولة المصرية."
وفي استجابة لنداءات من مركز القاهرة ومجموعات المجتمع المدني الأخرى، تعهد أعضاء الكونجرس المشاركين في اللقاء، باعتبارهم ممثلو اللجان الرئيسية، بما فيها لجان الاعتمادات والشؤون الخارجية والخدمات المسلحة، بصياغة تشريعات من شأنها:
- خفض قيمة المعونة العسكرية لمصر في حزمة المساعدات.
- ربط نسبة أكبر من قيمة المعونة العسكرية بشروط وإصلاحات محددة متعلقة بحقوق الإنسان، كوسيلة للضغط على الحكومة المصرية لتحسين سجلها في هذا الصدد.
- تقييد قدرة الإدارة الأمريكية على التنازل عن هذه الشروط.
ففيما تتم حاليًا عملية كتابة وإعداد تشريعات الاعتمادات الخارجية للسنة المالية 2020، يمكن للكونجرس تنفيذ وعوده، والتوقف عن منح السيسي وحكومته تصاريح مجانية لانتهاك حقوق الإنسان.
يذكر أن مجموعة قوية من الحزبين، تضم 17 عضوًا بمجلس الشيوخ، قد بعثوا برسالة لوزير الخارجية الأمريكي بومبيو، تطالبه بالتعبير عن معارضة الحكومة الأمريكية لتفاقم الانتهاكات الحقوقية في مصر، والتراجع الملحوظ في مسارها الديمقراطي، على نحو يعكس زيادة الأصوات المعارضة لديكتاتورية السيسي داخل الكونجرس الأمريكي.
على خلفية زيارة الرئيس المصري للولايات المتحدة الامريكية
كلمة نيل هيكس، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لشئون المناصرة والحماية الدولية في لقاء مواز بعنوان "السيسي في واشنطن" بمقر مكتب السناتور راسل بمجلس الشيوخ
- أتحدث هنا ممثلاً عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، المنظمة الحقوقية الإقليمية المستقلة، الذي اضطر لنقل مكتبه الرئيسي بعيداً عن مصر عام 2014، عقب تولى عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، ذلك لأن مستوى الاضطهاد والتهديد من الدولة ضد المركز جعل من المستحيل علينا الاستمرار في العمل الذي بدأناه في مصر منذ عام 1993.
- زملائي في المركز رهن التحقيق الجنائي في القضية 173 لعام 2011، المعروفة بقضية التمويل الأجنبي، وهي محاكمة واسعة النطاق خنقت حركة حقوق الإنسان في مصر. كما واجه بعضهم تهديدات بالقتل، وقرارات بتجميد الأصول والأموال الشخصية، وذلك بعد تجميد حسابات وأرصدة المركز بالقاهرة. كما أن مدير مكتبنا بالقاهرة ممنوع من السفر من مايو 2016، ويواجه تهمًا جنائية قد تؤدي لحبسه مدى الحياة.
- يعاني زملاؤنا في حركة حقوق الإنسان المصرية، مثلهم مثل النشطاء المصريين، من الاختفاء القسري ويقضون عقوبات طويلة بالسجن بتهم ملفقة بعد محاكمات جائرة.
- إن سجل السيسي فاضح، حافل بالوحشية والتعصب والقمع غير المسبوق في تاريخ مصر الحديث، وحكومته تعتمد إجراءات وسياسات غير عادلة ضد النشطاء السلميين الداعيين للقيم العالمية وسيادة القانون.
- واستقبال الرئيس الأمريكي دونالند ترامب اليوم للرئيس السيسي في البيت الأبيض يمنح مباركة أمريكية لحكومة قتلت الآلاف من خصومها السياسيين، وسجنت عشرات الآلاف، ومارست القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري على غرار ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية في حقبة سابقة، كما شنت هجومًا منهجيا على المؤسسات المصرية، بما فيها القضاء والإعلام والهيئة التشريعية والعمليات الانتخابية.
- تفضح زيارة السيسي اليوم اتجاهاً عالميًا مزعجًا، يحتضن المستبدين والديكتاتوريين دون انتقاد. إذ تمنح إدارة ترامب هؤلاء القادة المتوحشين تصاريح مجانية لزيادة قمعهم وتعزيز مصالحهم الخاصة.
- تمثل التعديلات الدستورية المقترحة في مصر هجومًا متجددًا على ضوابط سلطة السيسي التي أصبحت مطلقة. إذ يستغل السيسي إخفاق أمريكا في الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية، ويجعل نفسه فعليا رئيسًا مدى الحياة، ويقوض استقلال القضاء، ويضاعف من قوة الجيش المتضخمة بالفعل.
- من المستفيد من هذا؟ ليس الشعب المصري بالتأكيد، ولا حكومة الولايات المتحدة، التي كان ينبغي أن تفهم بعد كل خبراتها، أن التحالفات مع دكتاتوريي الشرق الأوسط نادراً ما تؤدي لنتيجة جيدة.
- داخل مصر، لا يمكن مساءلة الحكومة عن انتهاكاتها، حيث تخضع وسائل الإعلام والمؤسسة القضائية لسيطرة الدولة، ولا تستطيع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان العمل في مصر إلا بشكل محدود للغاية، وتعاني المنظمات غير الحكومية المصرية المحلية من الاضطهاد، الأمر الذي يضاعف من الحاجة الماسة لممارسة ضغط خارجي لأجل المساءلة عن جرائم حقوق الإنسان.
- وبينما تتخلى الإدارة الأمريكية عن مسئولياتها في نشر القيم الإنسانية، يتعين على الكونجرس ملء الفراغ الناتج عن هذا. لذا، نسعد جدا بتعبير أعضاء من الكونجرس من الحزبين عن مخاوفهم بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر السيسي.
- ومن جانبنا نحثهم وغيرهم على طمأنة الشعب المصري بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم في نضالهم من أجل الكرامة والحقوق والحرية، كما نشجعهم على تحذير نظام السيسي من العواقب الوخيمة لتجاهله المستمر لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك توظيف نفوذ الكونجرس فيما يتعلق بمسألة المعونة العسكرية التي تتلقاها مصر من الولايات المتحدة.
Share this Post