في إطار محاولة فهم الأسباب التي حملت المصريين بصفة خاصة للإعجاب بمسلسل الملك فاروق، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لقاء فكريا في إطار صالون ابن رشد يوم الثلاثاء الموافق 20 نوفمبر تحت عنوان: “لماذا حظي مسلسل الملك فاروق بهذا النجاح؟.. إعادة اكتشاف للملكية أم سخط على ثورة يوليو؟!”.
طرح بهي الدين حسن، مدير المركز، في بداية اللقاء عدة تساؤلات كانت قد شغلت الرأي العام حول سر نجاح مسلسل تاريخي يتحدث عن فترة سياسية لم نعاصرها، وكيف أنه بالرغم من امتناع التلفزيون المصري من إنتاجه وعرضه، إلا أنه حظي بأكبر شعبية جماهيرية، حسب الإحصاء الذي أذاعه بر امج البيت بيتك. مؤكداأنه لم يسبق هذا العمل أي مسلسل تاريخي حظي بهذا الكم من الزخم الإعلامي والسياسي بشأنه.
ومع تنحية الاعتبارات الفنية المتعلقة بالمستوى الإبداعي إن على مستوى التأليف أو الإخراج، لا يزال يثار تساؤل حول ما إذا كان إعجاب المصريين خاصة بالمسلسل يكشف عن نوع من التعاطف والحنين للملكية وعهدها، ليس فقط لشخص الملك، وإنما أيضا للعديد من الزعامات الوطنية التي عاصرت هذه الحقبة التاريخية المهمة. وما إذا كان المسلسل قد كشف عن سخط المصريين على نظام يوليو والنظام الحالي، باعتباره امتدادا تاريخيا له أم لا؟.
من جانبها، أكدت د. لميس جابر مؤلفة المسلسل، أن النجاح كان غير متوقعا بالمرة على الأقل بالنسبة لها وللمخرج. وأنها كانت تعتقد أنه مسلسل للنخبة الفكرية فقط. كما لم ترجح نجاحه بسبب الحنين للملكية، مؤكدة أن البعد الإنساني للشخصيات التاريخية هو الذي منحها مصداقية. موضحة أيضا أن الحراك السياسي الذي كان موجودا آنذاك وطبيعة الزعامات السياسية يعد بمثابة المحرك الأول الذي جذب الجماهير نحو متابعته.
كما أكدت أن المسلسل استطاع أن يكشف الأساطير التي اختلقها إعلام الثورة، كما أعاد اكتشاف المحاكمات التاريخية للزعامات السياسية فارضا تساؤلات من مثل: مَنْ يُحاكم منْ؟ وبأي شرعية؟ وما هي عقلية من يُحاكِم؟…إلخ.
وبالمثل أكدت المؤلفة، أنها لم تضع سقفا أعلى للرقابة بمختلف أنواعها أثناء الكتابة، وأنها كانت متحمسة للكشف عن الحقيقة الغائبة، وأنها لم تكن معنية بالقيام بأية إسقاطات على الواقع الحالي، وإنما كانت معنية فقط بتغيير وجهة نظر المشاهدين حول هذه الفترة التاريخية المهمة، وكيف كانت المقررات المدرسية، إبان الثورة، تدرس أن ثورة 1919 فشلت لاهتمامها بالحرية السياسية على حساب الحرية الاجتماعية!! وهو أمر غير صحيح تاريخيا.
وفي نهاية حديثها أكدت د. لميس أن الشخصيات التي أحبتها على الورق أثناء الكتابة، قد انطبعت بالفعل في أشخاص الممثلين، وأنها لا تزال تتلقى اتصالات عديدة من عرب يقيمون في أوربا وأمريكا وأنها لا تزال في دهشة من هذا النجاح الساحق.
في المقابل، أكد الأستاذ صلاح عيسى، رئيس تحرير صحيفة القاهرة، أننا أمام أجيال مصرية متتالية ممسوحة الذاكرة التاريخية، وأن الثورة التي اندلعت أثناء تشييع جنازة النحاس كانت في الأساس بمثابة الهجوم الشعبي على إهانة الذاكرة المصرية، ومعبرة أيضا عن استنكار الشارع المصري، آنذاك، غياب عبد الناصر عن حضور مراسم الجنازة، والذي كان في جدة، وبالمثل غياب عبد الحكيم عامر، ونيابة أحد المدنيين لحضور جنازة رجل وهب حياته لقيم الحرية السياسية والديمقراطية.
وفي تقييمه للمسلسل، أكد صلاح عيسى أنه شكل تحديا لذاكرة ممسوحة وأصاب البعض إما بالصدمة أو بالدهشة كما استطاع أن يعمق من إحياء الشوق للحرية لا الملكية، كما أبان المسلسل طبيعة الحراك السياسي المأسوف عليه الآن مع التركيز على إبراز أنماط الديمقراطية والتعددية الحزبية، وكيف أنه كان هنالك أغلبية تحكم وأقلية تعارض وملِك له سلطات يحاول أن يتغول عليها فيلقى من يقف في وجهه لصالح سلطة الشعب.
أما عن سبب هذه الصدمة والدهشة فيؤكد بأنه وقر في ضميرنا خطأ أن النظم الملكية مستبدة بالضرورة لأنها ملكية، وأن النظم الجمهورية ديمقراطية بالطبع فقط لأنها جمهورية، في حين أن ثمة العديد من النظم الجمهورية الاستبدادية وفي المقابل ثمة نظم ملكية ليست استبدادية مما يفضي إلى قناعة موضوعية بأنه ليس المهم طابع الحكم ولكن آليات اشتغاله وميكانيزم تنفيذه.
من جانبها أكدت الكاتبة اللبنانية د. دلال البزري، أن التقليد الرمضاني صار مرتبطا بمجموعة من المسلمات منها: أن جمهور هذه الدراما يتعامل مع الشخصيات الفنية كما لو أن أدوارها حقيقية، بمعنى أنها تسقط على الفنان الدور الذي قام به.
المسلمة الثانية، أن النجم يصبح بمثابة المرجع الوحيد في الموضوع الذي جسده، ومن ثم يتم توجيه الأسئلة المتعلقة بتعدد الزوجات مثلا لنور الشريف عقب نجاحه في دور الحاج متولى، ويبدو أن الفنان ينسى هو الآخر أن الدور شيء مختلف عنه فيفتي ويدلي برأيه في المسألة!!. وهكذا مع يسرا التي باتت مصدر إفتاء فيما يتعلق بالاغتصاب!!.
المسلمة الثالثة، أن الدراما الرمضانية تقدم النجم كقدوة كاملة الأوصاف، فهو الفَتِيُ والوسيم والشجاع والحليم…إلخ. وباعتقادها أن كل هذه المسلمات تكشف، في جانب منها، عن كسل المؤرخين وافتقار الدراسات التاريخية لقراءة التاريخ وفق منظور إنساني.
وفيما يتعلق بالجدل المستمر حول المسلسل ذهبت الكاتبة إلى حد القول بأنها تتوقع استمراره حتى رمضان القادم!!. وأن مصر كان بها مناخ مهيأ بالفعل، ومنذ قرابة عشر سنوات، ومن منطلقات وطنية، لنقد الحقبة الناصرية، وإعادة النظر في المسلمات الخاصة بالحقبة الملكية. موضحة أن الصدمة التي أحدثها المسلسل ربما تعد ضربا من الاستعداد النفسي لقبول المزيد من المراجعات التاريخية المماثلة. مؤكدة في ختام حديثها أن السبب الرئيس لنجاح المسلسل أنه منح المشاهد صورة عن مصر أحلى بكل المقاييس من صورتها الراهنة، ليس فقط على مستوى الديمقراطية والتعددية الحزبية، وإنما أيضا على مستوى الحضارة والتمدن وجمال العمران.
ومن ناحيته، أعرب الدكتور عماد أبو غازي، الباحث في التاريخ والوثائق، أنه لم يستغرب مطلقا الحماس الذي واكب المسلسل وتلاه فيما بعد وذلك لعدة أسباب من بينها: أن الدراما التاريخية جذابة بطبيعتها ولها جمهورها الخاص وتشد المشاهد وتلفت انتباهه بدرجة أكبر ربما من الدراما الاجتماعية. أيضا لأن الأعمال الدرامية برأيه تعد بدرجة ما بمثابة تأريخ موازي للحركة الأكاديمية إذ تمثل الدراما بالفعل مصدرا للمعلومات التاريخية.
وفي سرده للفوارق والقواسم التي تفصل أو تربط بين الكتابة التاريخية والدراما التلفزيونية، أكد أبو غازي أن التحيز قاسم مشترك ما بين الطرفين، فكاتب الدراما متحيز بطبعه والمؤرخ أيضا متحيز هو الآخر وأن الموضوعية والحياد التام مجرد أسطورتين. كما وضح أن العديد من الأعمال الدرامية التي عرضت مؤخرا أعادت رسم صورة مغايرة لما هو مستقر عادة في الأذهان ومنها، على سبيل المثال، مسلسل “بوابة الحلواني” لمحفوظ عبد الرحمن، والذي قدم صورة جيدة للخديوي إسماعيل بعيدا عن التشويهات الموروثة منذ عهد الثورة.
وعن سر نجاح المسلسل أكد أبو غازي أن ثمة حنين داخل المصريين بالفعل، ورغم عوامل التشويه وزيف مقررات التاريخ التي تقفز من محمد فريد ومصطفى كامل إلى الضباط الأحرار، هذا الحنين إلى الحياة النيابية والحراك السياسي وإنصاف هذه الحقبة المنسية عن عمد، إن صح التوصيف، يطفو على السطح من فينة لأخرى.
Share this Post