قرار جامعة القاهرة يبين إهدار مبادئ استقلال الجامعة لاعتماده على توصية من جهة تنفيذية “وزارة التعليم العالي” والتي تعد ستارًا لتدخل “الأجهزة الأمنية” في الجامعات
تدين المنظمات الموقعة بشدة مخاطبة جامعة القاهرة للأستاذة خلود صابر –مدرس مساعد بكلية الآداب– لإنهاء منحتها الدراسية للحصول على الدكتوراه بجامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا والعودة إلى مصر. إذ يحمل هذا القرار تبعات خطيرة على الحرية الأكاديمية من حيث تأثيره سلبًا على حرية البحث العلمي، كما يتضح من خلاله تعمد جامعة القاهرة إهدار مبادئ استقلال الجامعة بالاستجابة لتدخلات وزارة التعليم العالي –وهي جهة تنفيذية– بالمخالفة لنصوص الدستور والقوانين المصرية، وفي تجاوز واضح لكافة المواثيق والإعلانات الدولية ذات الصلة بالحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة. وذلك في ظل تزايد انتهاكات الحرية الأكاديمية في الآونة الأخيرة، مثل منع الرسائل العلمية وإحالة القائمين عليها للتحقيق، واشتراط الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس للخارج، والمنع من التدريس، وإلغاء اتفاقيات علمية، لأسباب تتعلق بسياسة السلطة الحاكمة.
كانت خلود صابر قد تلقت رسالة عبر البريد الإليكتروني من إدارة كلية الآداب بجامعة القاهرة، في 11 ديسمبر 2015، تفيد بإلغاء أجازتها الدراسية للحصول على الدكتوراه، والتي بدأتها منذ الأول من أكتوبر لعام 2015، استجابةً من الجامعة لإفادة الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي، التي خاطبت الجامعة في نوفمبر 2015، لإبلاغها عدم الموافقة علي منح خلود إجازة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة لوفان الكاثوليكية. وهو ما استند إليه وأقره عميد كلية الآداب –بعد ورود خطاب موجه من إدارة العلاقات الثقافية بجامعة القاهرة بناءً على توصية وزارة التعليم العالي– في 6 ديسمبر 2015، بمخاطبة خلود صابر للعودة واستلام العمل بقسم علم النفس بكلية الآداب في جامعة القاهرة.
إن المنظمات الموقعة ترى أن قرار إنهاء إجازة خلود صابر ومخاطبتها للعودة إلى مصر ينتهك الحرية الأكاديمية، التي تعرفها المواثيق الدولية بــ“حرية البحث والتدريس والنشر وفقًا للأطر العلمية دون تدخل أو قيود“. حيث يمنع قرار جامعة القاهرة خلود صابر من الاستمرار في متابعة أبحاث الدكتوراه والدراسة في جامعة لوفان الكاثوليكية، كما يهدر استعدادها البحثي والأكاديمي لهذه المنحة، والتي انخرطت فيها بالفعل منذ أكتوبر 2015. وقد تضمنت مواد الدستور المصري إشارة إلى المعني التنفيذي للحرية الأكاديمية، إذ تنص المادة (22) على أن “المعلمون وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية…“، وتنص المادة (23) على أن “تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجع مؤسساته..“، وبذلك يكون قرار جامعة القاهرة بحرمان المدرس المساعد خلود صابر من استكمال دراستها وأبحاثها العملية بالخارج، انتهاكًا وتجاوزًا لنصوص الدستور المصري التي تحمي حقوق المدرسين المساعدين وحريتهم في العمل البحثي والأكاديمي.
وتؤكد المنظمات الموقعة أن قرار جامعة القاهرة يخالف نصوص القانون رقم 49 لسنة 1972 في شأن تنظيم الجامعات، التي تضمن حماية الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة فيما يتعلق بمنح الإجازات الدراسية، حيث تنص المادة (146) من القانون أنه “يجوز إيفاد المعيدين والمدرسين المساعدين في بعثات إلى الخارج أو على منح أجنبية أو الترخيص لهم في إجازات دراسية بمرتب أو بدون مرتب، ويكون ذلك بقرار من رئيس الجامعة بناءً على اقتراح مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص، وموافقة مجلس الدراسات العليا، والبحوث في الجامعة…“. وقد استوفت خلود صابر كافة الإجراءات المنصوص عليها في القانون قبل سفرها إلى بلجيكا، حيث وافق قسم علم النفس على منحها إجازة دراسية، وأصدر نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا –باعتباره مفوضًا من رئيس الجامعة– الموافقة النهائية على سفرها، في 12 أغسطس 2015، للاستفادة من المنحة المقدمة لها، على أن تمتد الإجازة للعام الأول من أول أكتوبر 2015 وحتى 30 سبتمبر 2016، تدفع الجامعة خلالها مرتب المدرس المساعد وتساهم بشراء تذاكر السفر لها.
ولا تتوقف تأثيرات هذا القرار عند حدود انتهاك الحرية الأكاديمية فقط، بل أنه يُعد استجابةً من جامعة القاهرة لتدخلات السلطة التنفيذية –ممثلة في وزارة التعليم العالي وتحديدا “الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات”– التي تشير المعلومات المتوفرة حولها إلى ارتباطها بجهات أمنية، حيث ترسل لهذه الجهات استمارات أعضاء هيئة التدريس ممن يستعدون للسفر في مهام علمية، حتى تحدد تلك الجهات، ما إذا كان مسموحًا لهم بالسفر أو تقرر رفض سفرهم للخارج.
وتشدد المنظمات الموقعة في هذا الصدد على أهمية احترام المادة (21) من الدستور المصري التي تنص على أن “تكفل الدولة استقلال الجامعات..“، فوزارة التعليم العالي –فضلًا عن غيرها من مؤسسات الدولة الأمنية– لا يجوز لها التدخل في شئون الجامعات الإدارية أو المالية أو العلمية.
وتؤكد المنظمات الموقعة على أهمية التزام الحكومة المصرية بتوصية مؤتمر اليونسكو بشأن أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي (1997) والتي تُلزم الدول الأعضاء في المنظمة بحماية مؤسسات التعليم العالي من التهديدات التي قد يتعرض لها استقلالها أيًا كان مصدرها، وفقًا للفقرة (19). وتنص الوثيقة كذللك في الفقرة (13) على “تمكين أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي من المشاركة طوال حياتهم المهنية في الاجتماعات الدولية المتعلقة بالتعليم العالي أو البحوث، ومن السفر للخارج دون أي قيود سياسية“.
كما لا يتضمن القانون رقم (49) لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات نصًا يُلزم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بالحصول قبل سفرهم على موافقة ما يُعرف “بالإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات”، وهي إدارة غير معلن مهامها وطبيعة اختصاصاتها. وطالما أنها مجرد إدارة داخلية تابعة لوزارة التعليم العالي، فلا اختصاص لتلك الإدارة بشئون أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ولا تملك قرارًا أو توصيةً في شأن منح الإجازات الدراسية. وتجدر الإشارة هنا إلى خطورة ما يتضمنه الموقع الإليكتروني لجامعة دمنهور بشأن هذه الإدارة، إذ يتولى أحد موظفي الجامعة منصب مدير إدارة أمن الأفراد، والذي يقع من ضمن مهام عمله “إبداء الرأي في الأفراد المرشحين للسفر للخارج وفقًا للتعليمات والقواعد المتعلقة بذلك بعد استطلاع الرأي الأمني عن طريق الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي“، ويتضح من ذلك أن الأجهزة الأمنية تتخذ من إدارة الاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي ستارًا لمتابعة ومراقبة أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، وتقييد حقهم في السفر للخارج لأداء المهام العلمية. وهو المعنى ذاته الذي أكد عليه رئيس جامعة القاهرة جابر نصار في مداخلة هاتفية لبرنامج “مانشيت” بقناة ONTV يوم 3 فبراير 2016، حيث قال أن “الجامعة والأمن يتبادلان المعلومات“، وأن “سفر المدرسين المساعدين يحسمه قرارات وزارة التعليم العالي، وقبول المنح الأجنبية للبحث والدراسة أمر يتعلق بسيادة الدولة وتقديرها، وإذا كانت هناك إشكالية تتعلق بالأمن القومي فهذا من شأن الأجهزة“.
وقد أقامت خلود صابر دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية برقم 3163 لسنة 63 قضائية، في 4 فبراير 2016، اختصمت فيها كلا من وزير التعليم العالي ورئيس جامعة القاهرة وعميد كلية الآداب ومدير الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي ومدير الإدارة العامة للعلاقات الثقافية بجامعة القاهرة، طعنًا على قرار إلغاء الإجازة الدراسية للمُدعية، وللمطالبة بوقف هذا القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استكمال المُدعية لإجازتها، ومنحتها الدراسية.
وبناءً عليه تطالب المنظمات الموقعة جامعة القاهرة بإلغاء قرار إعادة المدرس المساعد خلود صابر من المنحة الدراسية فورًا، ووقف كافة أشكال التدخلات الأمنية في شئون أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والحفاظ على الالتزامات المتعلقة بصون استقلال الجامعة والحريات الأكاديمية، باعتبارها السبيل الوحيد للنهوض بالتعليم العالي في مصر.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
- الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
- جمعية أمي للحقوق والتنمية
- جمعية سلمى لتنمية النساء
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مرصد الموازنة العامة لحقوق الإنسان
- مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان
- مركز المرأة والذاكرة
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- مركز حابي للحقوق البيئية
- مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية “أكت”
- مصريون ضد التمييز
- مؤسسة المرأة الجديدة
- مؤسسة بشاير للتنمية
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
- نظرة للدراسات النسوية
Share this Post