في إطار لقاءات صالون بن رشد نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمس الأربعاء 12 سبتمبر 2012 نقاشًا للإجابة علي سؤال “هل دستور مصر القادم سيكون دستورًا لكل المصريين؟” اللقاء الذي بدأ في السادسة مساءً تقريبًا ضم كل من الدكتور جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري ورئيس لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية، والدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية والدكتور جابر جاد نصار أستاذ القانون الدستوري. أدار النقاش الحقوقي احمد فوزي أمين عام الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.
افتتح فوزي اللقاء بالتأكيد علي أهمية النقاش الدائر حول الدستور القادم، مبديًا أسفه لغياب المواطنين المصريين عن هذا النقاش، واقتصاره علي النخب السياسية والعلمية، متخوفًا من عدم اهتمام الجماهير بعملية كتابة الدستور وغياب إحساسهم بأهمية تلك العملية.
بدأ جمال جبريل كلمته بالتعريف بمجريات الأمور داخل الجمعية التأسيسية للدستور والتي كان أكثر نقاط ضعفها – بحسب جبريل– هي اشتمالها علي أطياف عدة غير متجانسة وهو ما يضيع وقت اللجنة في مناقشات طويلة لا جدوى منها، مؤكدًا أن ضغط الرأي العام على الجمعية من أجل تمثيل كل فئات المجتمع يعطل عمل الجمعية بدون داع.
أكد جبريل انتهاء لجنة الحقوق والحريات، ولجنة الهيئات المستقلة من عملها، بينما مازالت لجنة نظام الحكم تحتاج بعض الوقت، ولكنها استقرت بشكل مبدئي على النظام المختلط. ونفى جبريل ما يتردد حول استحواذ تيار الإسلام السياسي علي الجمعية، مؤكدًا أن الصياغات المتعلقة بالشريعة لم يتقدم بها سوى ممثلي حزب النور وقد رفضتها اللجنة لأنها لا مجال لها في الدستور.
تطرق جبريل أيضًا إلى عدة مشاكل متعلقة بالمحكمة الدستورية العليا والهيئات القضائية تتلخص في العدالة البطيئة وبعض الأحكام للمحكمة الدستورية التي وصفها بـ “المسيسة”، ومنها حكم حل مجلس الشعب الذي اعتبره جبريل لا يمت للقانون بصلة ولا يحترم إرادة الشعب المتمثلة في المجلس المنتخب.
اعتبر جبريل أن مصر لا تعاني أزمة حقيقة بشأن حرية العقيدة، مشيرًا إلى أن الخلاف الذي ثار حول صياغة مادة احتكام غير المسلمين لشرائعهم لا هدف منه إلا إطالة عمل اللجنة، وأن عدم الاعتراف إلا بالأديان السماوية يضع مصر في موقف حرج مع التزاماتها الحقوقية والدولية. أما عن قانون دور العبادة الموحد فاعتبره جبريل خطوة لاحقة علي الدستور، مؤكدًا أن الخط الهمايوني ” قانون إصلاحي” طالب به الأقباط الأرثوذكس لحمايتهم من انتشار كنائس المذاهب والطوائف المسيحية الأخرى. وأضاف جبريل “لا أرى ضرورة لتطبيق قانون دور العبادة الموحد، ويجب أن يخضع بناء دور العبادة لقواعد القانون والنظام العام”.
أما عن أزمة الشيعة فقال جبريل “استغرب موقف الأزهر من الشيعة ولكن بشكل عام لا أعتبر مشكلة الشيعة في مصر أزمة ضخمة”.
من جانبه اعتبر مصطفى كامل السيد غياب الرؤية هي السمة الواضحة لعمل كل مؤسسات الدولة بما فيها الجمعية التأسيسية، مبديًا قلقه من غياب التواصل بين المجتمع والقوي السياسية أثناء عملية كتابة الدستور وهيمنة حزب الحرية والعدالة علي الجمعية.
أكد مصطفى السيد أن الاختيار للشعب، فإذا أراد أن يشكل مجتمع حديث فعليه أن يعي جيدًا سمات هذا المجتمع، مع العلم أن الإخوان المسلمين لم يكن لهم أي دور في بناء مصر الحديثة، فمن أدخل الفن والعلم والثقافة والإبداع في العصور السابقة كانوا الليبراليين والمدنيين وليس الإسلاميين.
كذلك أبدى مصطفي تخوفًا شديدًا إزاء عملية وضع الدستور الحالية، مشيرًا إلى أن الدستور المقترح -على سبيل المثال- لم ترد فيه “كلمة تعذيب، ولم يؤكد علي تجريمه مستبدلاً مصطلح التعذيب بمصطلحات أضعف كالمعاملة السيئة أو المهينة”، مطالبًا بضرورة الإجابة بوضوح على تساؤلات بشأن موقفنا من المواثيق والمعاهدات الدولية ومعايير حقوق الإنسان. كما أبدى تخوفه من وجود مرجعيات فوق مؤسسات الدولة سواء كانت دينية أو غير دينية فهذا لا يحدث في المجتمعات الحديثة.
رفض مصطفي السيد القول بأن مصر لا تعاني أزمة في حرية العقيدة مؤكدًا أن مصر تعاني غياب حقيقي لتلك الحرية سواء علي مستوى الاعتناق أو ممارسة الشعائر، وما تواجهه الأقليات الدينية كالشيعة مثلاً دليل على ذلك ناهيك عن معاناة الأقباط.
اتفق جابر نصار مع الرأي القائل باستحواذ التيار الإسلامي علي الجمعية التأسيسية للدستور، مؤكدًا أن تشكيل اللجنة الثانية للدستور عكس رغبة حزب الحرية والعدالة في الاستحواذ علي الجمعية التأسيسية، مبديًا استيائه أيضًا من توسيع سلطات واختصاصات الرئيس بشكل يثير القلق بما في ذلك منحه سلطة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية.
اتفق نصار مع مصطفي السيد في عدم وجود أية سلطة أو مرجعية فوق مؤسسات الدولة، مؤكدًا أنه من غير المقبول أن يؤول الفصل في الأمور مثلاً لهيئة كبار العلماء بدلاً من القضاء، مضيفًا أن النص القانوني لا يتبين عواره إلا بتطبيقه؛ ومن ثم فلا غنى عن هيئات الرقابة أثناء التطبيق، وبشكل عام لا جدوى من جودة النص الدستوري ما لم يضمن الفصل بين السلطات وينظم العلاقات الرقابية بينهم.
وعن حل البرلمان رفض نصار أن تُلام في ذلك المحكمة الدستورية، وإنما اللوم علي من وضع القانون وطالب به، مؤكدًا أن تزوير الانتخابات لا يكون فقط بالتصويت وإنما يمكن أن يكون بالتنظيم والتشريع، حيث يمكن للحزب الحاكم أن يسن القوانين التي تخدم أهدافه وتحقق مصالحه وهذا يعد شكل من أشكال التزوير. وأضاف نصار ليس لدينا في مصر أحزاب و 90 % من المصريين مستقلين لذا من غير المنطقي أن يتم المساواة بين الحزبيين والمستقلين في الانتخابات.
وفي هذا السياق أبدى مصطفي السيد تخوفه بأن تكون الانتخابات الماضية هي أخر انتخابات نزيهة في مصر، لاسيما لان تيارات الإسلام السياسية تستحوذ علي كافة هيئات ومؤسسات الدولة بما فيها – للأسف- القضاة.
علق نصار علي فكرة التنوع داخل التأسيسية والتي كانت سببًا –حسب جبريل- في تعطيل عمل الجمعية، بأن تقسيم الجمعية وتشكيلها كان فئوي إلى حد سمح بتحويلها لمطالب فئوية وصراع مصالح. كما اعتبر نصار أن القول بأن الشعب هو من سيقرر الدستور الجديد هو “دجل سياسي” فإذا كان الدستور المقترح يلائم تطلعات الأغلبية “الإخوانية” سيكون التصويت بنعم مفتاح دخول الجنة وسيتم تسويق الدستور علي اعتباره مستلهم من شرع الله.
Share this Post