تعرب المنظمات الموقعة أدناه عن بالغ الأسف والاستياء من الأحداث الدامية التي وقعت عقب مباراة كرة القدم بين فريقي النادي الأهلي والنادي المصري باستاد بورسعيد، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 77 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 300 آخرين. وتؤكد المنظمات على تحميل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والحكومة، ووزارة الداخلية المسئولية الكاملة عن وقوع هذه الجريمة البشعة، وتطالب بلجنة تحقيق مستقلة يرأسها رئيس المجلس الأعلى للقضاء، تتضمن صلاحياتها التحقيق مع القادة العسكريين والمسئولين بالحكومة ووزارة الداخلية، وإعادة هيكلة وتطهير وزارة الداخلية تحت إشراف برلمانيون وقضاة ومدافعون عن حقوق الإنسان.
جاءت تلك الأحداث الدامية على مسمع ومرأى من قوات الشرطة المكلفة بتأمين المباراة، التي سبق إقامتها العديد من التحذيرات الصادرة عن عدد من المتابعين للشأن الرياضي، مطالبين بإلغاءها أو عقدها دون حضور جماهير الناديين، بسبب المشاحنات والتهديدات المتبادلة التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، والتي كانت تنذر بالمأساة. إلا أن قوات الأمن -بدلاً من القيام بواجبها في توفير التأمين اللازم لحماية الجماهير- وقفت موقف المتفرج أثناء وقوع الأحداث، بل إنها في بعض الأحيان، وكما رأينا في مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكة الانترنت، كانت تفسح المجال لاجتياح جماهير النادي المصري لساحة الملعب، وتيسير الهجوم على بعض اللاعبين ومشجعي النادي الأهلي.
هذا بالإضافة إلى أن شهادات شهود العيان التي وردت لبعض المنظمات الموقعة، أكدت تعمّد قوات الأمن -لأول مرة في تاريخ عقد مباريات كرم القدم في استاد بورسعيد- عدم تفتيش الجماهير؛ الأمر الذي سمح بتسريب العديد من العصي والأسلحة البيضاء التي تم استخدامها في المذبحة. فضلاً عما وثقته مقاطع الفيديو من قيام قوات الأمن بفتح ثغرة ساهمت في تمكين حاملي الأسلحة من الهجوم على جمهور النادي الأهلي. وفي المقابل قامت قوات الأمن بغلق مخارج الطوارئ المخصصة لخروج جماهير النادي الأهلي، فضلاً عن فصل الإضاءة في الاستاد فور انتهاء المبارة، مما يجعلنا نعتقد أن قوات الشرطة قصّرت عن عمد في القيام بأهم الأدوار المنوطة بها، وهي حماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة؛ بما قد يضعها في مصاف الشريك في الجريمة ذاته؛ وذلك بتوفيرها البيئة الآمنة لارتكاب الفاعلين للمذبحة والتمكن من الهروب. وهو ما يشير إلى أن قوات الأمن اقتصر جهدها على تهيئة المناخ الآمن والهادئ لارتكاب تلك الجريمة.
إن كل هذه الملابسات تثير شكوكًا قوية في أن حالة التسيّب والاهمال المتعمدة من قوات الأمن؛ قد تعني أن قرارًا اتخذ بمعاقبة شباب (أولتراس أهلاوي) على الدور الفعّال الذي لعبوه خلال الثورة وتنديدهم المستمر بممارسات قوات الشرطة وقوات الجيش القمعية.
وتستنكر المنظمات الموقعة الغياب الأمني الكامل الذي شهدته مدينة بورسعيد في أعقاب مذبحة الإستاد، الأمر الذي بدا بمثابة انسحاب من قوات الشرطة والجيش؛ بعكس المتوقع في مدينة شهدت جريمة نكراء، وفي ظل مناخ مجتمعي شديد التوتر والاحتقان؛ وجدير بالذكر أن هذا الفراغ الأمني يوفّر البيئة الآمنة لارتكاب جرائم إضافية، ويشير إلى عدم توافر الإرادة السياسية للقضاء على أي أسباب من شأنها أن تساهم في وقوع ضحايا جدد.
إن الحق في الحياة ليس مجرد مسئولية سلبية تتمثل فقط في ضرورة امتناع السلطة عن قتل المواطنين الأبرياء، ولكنه يعني بالأساس مسئولية ايجابية تُلزم الدولة بحماية هذا الحق من أي انتهاك. إن مقتل أكثر من 73 مشجعًا لكرة القدم في بورسعيد، كمقتل أكثر من 10 أشخاص في إمبابة في أحداث طائفية في منتصف العام الماضي؛ يُبرهن على تقصير واضح في حماية هذا الحق! وطبقًا للاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر، يُعتبر عدم التأمين الكافي ومنع انتهاك الحق في الحياة هو في حد ذاته جرم يوازي وبنفس القوة جريمة القتل نفسها.
الجدير بالذكر أن نيابة بورسعيد الكلية قد حققت على مدار الأمس واليوم مع 52 متهم، بينهم 26 طفل دون سن الثامنة عشر عاماً، وأمرت بضبط وإحضار 12 آخرين على خلفية الأحداث التي شهدتها بورسعيد. وهي ذات الخطوة المعتادة التي تتخذها السلطات بعد كل حادث، بإلقاء القبض العشوائي على عدد من المتواجدين في المكان. إلا أننا ننوه إلى أن المسئولين الحقيقيين عن ارتكاب تلك الجريمة، وهم من سهلوا وهيئوا المناخ الهادئ لارتكابها، لم تتم حتى الآن أية تحقيقات في مواجهتهم عن مسئوليتهم المباشرة في سفك دماء العشرات من المواطنين.
إن وقوع كل هذا العدد من الضحايا على مدار العام المنصرم ليس سببه الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية فحسب، بل ظهر جليًا من تواتر الأحداث، تواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكوماته المتعاقبة في كافة انتهاكات حقوق الإنسان علي مدار العام، وتلك الانتهاكات ستظل في ازدياد ما لم يتم إنهاء حالة الافلات من العقاب ومسائلة الجناة والمسئولين الحقيقيين عن جرائمهم.
انتشرت في الآونة الأخيرة حالات متعددة من حوادث السرقة والقتل بشكل متزايد كانت آخرها الأحداث التي وقعت في بورسعيد؛ مما يجعلنا نقول أن هناك حالة لتكريس الانفلات الأمني لفرض وتمرير المزيد من القوانين والممارسات القمعية، وأولها توفير مبررات لاستمرار حالة الطوارئ، وثانيها أن يستمر جهاز الشرطة في العمل بنفس القواعد التي كان يعمل بها منذ قبل ثورة 25 يناير؛ أي بإخضاع المواطنين للتعذيب المنهجي والاعتقال التعسفي وغيرها من الممارسات التي رفضها الشعب وثار عليها في ثورته.
لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نشدد على أن حفظ الأمن في البلاد هي مسئولية الحكومة ووزارة الداخلية المباشرة ومسئولية المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى إدارة البلاد منذ 11 فبراير 2011، ويحظى بكل الصلاحيات والسلطة التنفيذية. ونشدد أيضًا على أن حفظ الأمن لا بد وأن يتوافر دون الإخلال باحترام المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي صدقت عليها مصر، وأن تقصير أي جهة في تحمّل مسئولية حماية الأرواح وحفظ الأمن يتوجب مساءلة ومحاسبة القائمين على إدارتها، وفي حال ثبوت تواطئهم في تلك الجريمة فإنهم يعتبرون شركاء في وقوعها بما يستلزم محاكمتهم.
كما تُعبر المنظمات الموقعة عن قلقها البالغ من التصريحات والتعليقات التي وردت على ألسنة بعض المعلقين الرياضيين والتي تحض على كراهية مجموعة من المواطنين، وهم سكان محافظة بورسعيد، على إثر تلك الحادثة البشعة، الأمر الذي قد يشجع العديد من المتضررين بعمليات انتقام خارج إطار القانون. وفي هذا السياق أيضًا نُعبّر عن بالغ الاستنكار للتصريحات الصادرة عن المشير حسين طنطاوي، بعد ساعات من الحادث، والتي تحمل في طياتها تحريضًا مماثلاً لما صدر عن رموز الإعلام الرياضي، وإن كان بطبيعة الحال أشد خطرًا؛ إذ أنها صادرة عن رأس السلطة الحاكمة. وذلك حينما قال “إن هناك فئة من الشعب ارتكبت هذه الجرائم، والشعب كله يعلمهم، ولا أعلم لماذا يسكت عليهم الشعب؟!” الأمر الذي يعني أن فشل المجلس العسكري لا يقتصر على الرسوب السياسي في إدارة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ أهداف الثورة، أو التواطوء و ارتكاب جرائم حقوق الإنسان، بل يصل إلى حد عدم استطاعته صياغة خطاب سياسي مسئول ومنضبط في ظل كارثة قد تنزلق بالبلاد لمزيد من الأحداث الدامية، ويساهم في تأجيج التوتر بين المواطنين وازدياد وتيرة العنف المجتمعي.
وفي هذا الإطار نود أن نُلفت النظر إلى أن المسئولين عن تلك الأحداث هم المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة ووزارة الداخلية، وذلك بالتخاذل في تأمين المباراة وعدم اتخاذ التدابير اللازمة لعدم وقوع تلك الجريمة. في حين تُظهر السلطة التنفيذية قوتها الغاشمة في مواجهة المتظاهرين السلميين، بينما يفشلون في حماية الأرواح أو الحد من وتيرة العنف.
كما تستنكر المنظمات الموقعة أدناه تعامل وزارة الداخلية بالاستخدام الكثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية في مواجهة التظاهرات والتجمعات السلمية التي بدأت من الأمس في محيط وزارة الداخلية والسويس والعديد من ميادين مصر على خلفية أحداث بورسعيد، والتي أسفرت عن مقتل نحو 12 متظاهر وإصابة المئات حتى يوم السبت الموافق 4 فبراير، ونؤكد أن حق التظاهر السلمي هو أمر مكفول ولا يجب انتهاكه، حتى لو كانت الاحتجاجات في محيط وبمواجهة المنشآت الحيوية بما فيها وزارة الداخلية، وعلى قوات الشرطة أن تقوم بتأمين وحماية تلك التظاهرات والاحتجاجات وليس مواجهتها بالعنف والقمع؛ حتى لا نضيف إلى قائمة الضحايا، ضحايا جدد.
إن المنظمات الموقعة على هذا البيان إذ تدين بشدة تلك الأحداث، فإنها تؤكد على مجموعة من المطالب للحد من وقوع أحداث عنف مشابهة:
نطالب مجلس الشعب: بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة برئاسة رئيس المجلس الأعلى للقضاء للقيام بالتحقيق في تلك الأحداث، على أن يكون ضمن نطاق عملها التحقيق مع قادة عسكريين كانوا متواجدين في محيط إستاد النادي المصري.
إصلاح مؤسسي واسع وإعادة هيكلة وتطهير وزارة الداخلية، وتغيير فلسفة العمل الشرطي، عن طريق تشكيل لجنة وطنية تضم خبراء أمنيون وقانونيون وقضاة ومنظمات مجتمع مدني، حيث أن كافة التصريحات عن إجراء إصلاحات وإصدار مدونات السلوك التي أعلنتها وزارة الداخلية، أثبتت تلك الأحداث وغيرها، أنها مجرد كلام مرسل لا وجود له على أرض الواقع، بل إن الواقع لا يدل على أن الشعب المصري قد قام بثورة!
تطبيق قواعد صارمة للقضاء على دعوات الحض على الكراهية، دون انتهاك حرية الرأي والتعبير، والكف عن تحفيز المواطنين تجاه بعضهم البعض وإلقاء مسئولية الفشل على فئة غير مسماة من الشعب، وننبه في هذا الصدد على أن دعاوى الحض على الكراهية، هي جريمة جنائية معاقب عليها وفقًا للقانون المصري والقوانين الدولية.
التوقف الكامل عن ارتكاب كافة انتهاكات حقوق الانسان، وفتح ملف الجرائم التي ارتكبت أثناء المرحلة الانتقالية من أجل التحقيق فيها ومسائلة مرتكبيها، وذلك لن يتم إلا بتعجيل تسليم السلطة إلى هيئات منتخبة من الشعب.
الموقعون على البيان:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة
مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
مركز هشام مبارك للقانون
مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت)
مصريون ضد التمييز الديني
مؤسسة المرأة الجديدة
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مؤسسة قضايا المرأة المصرية
نظرة للدراسات النسوية
Share this Post