في مائدة مستديرة مغلقة ناقش أول أمس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مع عدد من خبراء القانون والدستور آليات كتابة دستور مصر القادم وذلك ضمن مجموعة من اللقاءات والنقاشات التي يعقدها المركز حول قضية الإصلاح الدستوري. اللقاء ضم جابر جاد نصار أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة، المستشار هشام جنينة الرئيس بمحكمة الاستئناف، المستشار عاصم عبد الجبار نائب رئيس محكمة النقض، محمد شبانة عضو مجلس الشعب، أحمد كمال سعد عضو الهيئة العليا بحزب الإصلاح والتنمية، ريم أبو زهرة عضو الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.
قدم جابر جاد نصار ورقة بحثية بعنوان “آفاق وضع الدستور المصري الجديد في ظل إشكاليات المرحلة الانتقالية” استعرض فيها تصوره الخاص بعملية وضع الدستور، وما هي أفضل السبل التي يمكن من خلالها صياغة دستور جديد يعبر عن مطالب الثورة. وقد رأى نصار الإبقاء على إعلان 30 مارس الدستوري “باعتباره وثيقة دستورية حاكمة” أمر مرفوض تمامًا، فهو صادر بالأساس عن المجلس العسكري الذي وصفه بأنه “لا يرغب في تغيير النظام بل إجراء بعض التعديلات بداخل بنيته”، مشيرًا إلى أن العسكري خالف في إدارته للمرحلة الانتقالية كل الأعراف والمعايير الدولية واضعًا “البلد على فوهة بركان” على حد وصفه. أضاف د.جابر أن الإعلان الدستوري هو “نص ارتجالي” لإدارة مرحلة انتقالية رُغب بها “انتقال السلطات إلى العسكر” وبالتالي فإن الإبقاء عليه مع الوضع في الاعتبار إدخال تعديلات جوهرية عليه بشكل مستمر من قبل المجلس العسكري سيزيد من حالة التخبط والضبابية التي يعاني منها القائمون على إدارة شئون البلاد حاليًا.
واعتبر نصار أن عدم معارضة البرلمان لتمرير المجلس العسكري لقانون انتخابات الرئاسة -الذي وصفه بالإلهي- بدون عرضه على مجلس الشعب، يعد دليلاً على انفراد المجلس العسكري بالسلطة، لاسيما أن هذا القانون يمثل سابقة في تاريخ الحياة الدستورية المصرية، حيث منح اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات الرئاسة صلاحيات لم تعط لها من قبل -حتى في ظل حكم النظام السابق- ولم يُجز الطعن على قرارات اللجنة بأي شكل، وهو ما يتنافى مع الإعلان الدستوري نفسه والذي نص على الحق في التقاضي باعتباره حق طبيعي.
أما فيما يتعلق باستدعاء دستور 1971 مع تعديل بعض مواده فقد اعتبره نصار مخالفًا للمبادئ التي قامت عليها ثورة يناير، مؤكدًا أن الأزمة ليست في كل نصوص الدستور، فباب الحريات في دستور 1971 على سبيل المثال وهو من أكثر الأبواب انفتاحًا من حيث جودة النصوص، ولكنه أقر في الوقت نفسه إحالة هذه النصوص لمُشرِّع “فاسد” حتى يقرها ويقننها وبالتالي أصبح من الصعب بمكان تطبيق هذه المواد على أرض الواقع.
انحاز نصار إلى فكرة كتابة دستور جديد احترامًا لمطالب الثورة على أن يتم كتابة الدستور من قِبل جمعية تأسيسية منتخبة من خارج البرلمان ضمانًا لعدم تحيز أعضاء اللجنة – البرلمانين- لمطالب وتصورات القوى التي يمثلونها. من جانبه أكد المستشار عاصم عبد الجبار على أهمية كتابة الدستور قبل إجراء انتخابات الرئاسة، موضحًا أن هناك أربع إشكاليات رئيسية -من واقع الدساتير السابقة- ستواجه واضعي الدستور القادم تتمثل في النص على مجموعة من القوانين المقيدة للحريات والعمل على إيجاد آليات تضمن استمرارها وعدم المساس بها، إعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية بشكل خاص وللسلطة التنفيذية بوجه عام مما أفسد القائمين عليها بشكل واضح، غياب الدور الرقابي للمجالس التشريعية وأخيرًا المركزية الشديدة التي تميز بها حكم النظام السابق.
من هذا المنطلق اقترح المستشار عاصم عبد الجبار عدة محاور رئيسية للخروج من مأزق وضع الدستور منها تبني الدستور القادم لإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإطلاق حرية الإعلام، تمسك الدستور القادم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما يتماشى مع المصالح الوطنية، تسهيل إجراءات إنشاء الأحزاب مع ضمانة عملها تحت رقابة القضاء الطبيعي، وكذلك النقابات المهنية والعمالية ومنظمات المجتمع المدني. كما طالب الدستور الجديد بضمان معايير نزاهة العملية الانتخابية من خلال انتخاب هيئة دائمة تشكل قوام لجنة تنظيم الانتخابات وإلغاء نسبة تمثيل الـ 50% للعمال والفلاحين في المجالس التشريعية، والتأكيد على استقلال القضاء ووحدته. كما أشار المستشار إلى أنه يفضل أن يتم وضع الدستور القادم بشكل يضمن نظام حكم مختلط (رئاسي – برلماني) حيث أنه النظام الأنسب وفقًا للظروف الحالية، النص على انتخاب – وليس تعيين- نائب لرئيس الجمهورية، وهو ما أيده أحمد كمال سعد محاولاً تحديد نسبة الخلط بين النظامين الرئاسي والبرلماني بـ “20% رئاسي، 80% برلماني” مع ضرورة تحديد سلطات رئيس الجمهورية.
اتفق أغلب الحضور على ضرورة كتابة دستور جديد للبلاد يتماشى مع مطالب الثورة، إلا أن محمد منير مجاهد منسق جمعية مصريون ضد التمييز الديني، أبدى تخوفًا من واضعي هذا الدستور واتجاهاتهم التي قد تختلف مع الأفكار الرئيسية التي نادت بها قوى الثورة، بينما اعتبر المستشار هشام جنينة أن الأزمة ليست في الدستور، فكم من سلطات عصفت بدساتيرها وتجاوزتها وكفرت بها، وإنما الأهم هو الوعي الشعبي بالحقوق والحريات الذي هو ضمانة تطبيق الدستور. وهو ما أيده نديم منصور مشيرًا إلى ضرورة استغلال حالة الزخم السياسي التي يعيشها الشارع المصري، لاسيما بعدما صار لدينا شارع فعال يتحدث ويناقش مواد الدستور.
من جانبه أبدى محمد ناجى مدير مركز حابي للحقوق البيئية قلقه بشأن رغبة المجلس العسكري في الحصول على وضعية خاصة في الدستور، بما يهدد ضمانات وجود دستور حقيقي يقوم على المساواة ويحترم كافة الحقوق، بينما اعتبر محمد نعيم المستشار السياسي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الإسراع في كتابة الدستور –شهرين ونصف– هو المُهدد الحقيقي لسلامة الدستور، مطالبًا أن تكون مداولات وضع الدستور علانية. من جانبه طالب زياد عبد التواب نائب مدير مركز القاهرة بتشكيل لجان من الخبراء لوضع تصور للدستور لتقوم بعرضه على اللجنة التأسيسية لإقرار المشروع النهائي وتعرض اللجنة التأسيسية المشروع على المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة لأخذ رأيهم الاستشاري قبل طرحه للاستفتاء العام، كما طالب “بفلترة” المقترحات قبل البدء في عملية وضع الدستور.
Share this Post