في الذكرى الخامسة للنزاع في سوريا، يُذّكر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بأن القمع والحرمان من الحقوق الأساسية ومن المساواة والعدالة الذي تعرض له السوريون على مدى ما يقارب خمسة عقود، هي الأسباب الرئيسية وراء نشأة هذا النزاع، واستمراره. ويؤكد المركز أنه لا سبيل للوصول لحل دائم للأزمة السورية دون التصدي لهذه القضايا.
منذ عام 2011، يتعرض المجتمع السوري للتشرذم والتقسيم والنزوح جراء أعمال العنف –أو خشية منها. كذا فإن الاستهداف المتعمد للجماعات العرقية والدينية المختلفة، من قبل كافة الأطراف، بما في ذلك المقاتلين الأجانب، أدى إلى تفاقم التوترات الطائفية على الأرض. الأمر الذي نتج عنه ترسيخ التقسيمات الجغرافية التي نتجت عن فرار الجماعات السكانية المختلفة، مما قد يؤدي لتقويض وحدة الدولة السورية وسلامة أراضيها.
إن التوصل لحل سياسي دائم في سوريا يتطلب الالتزام بالمعايير الدولية، فضلًا عن وجود ضمانات حقيقية لتحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري في الديمقراطية والمساواة، بما يتضمن كفالة محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية كخطوة أساسية ضرورية لتحقيق العدالة الانتقالية والسلام الدائم.
فيما تم استئناف جولة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، يعتبر الوضع في سوريا في أسوأ حالاته، وفقًا للجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في سوريا. فحسبما أشارت اللجنة في تقريرها الأخير[1] “مع دخول الحرب عامها السادس، فإن ويلاتها لاتزال منتشرة وموجودة بشكل مستمر. فقد لحق الدمار بحياة الرجال والنساء والأطفال السوريين، حيث مُنيت بلادهم بالخراب والتدمير، بالإضافة إلى تحطم النسيج الاجتماعي السوري“. وأضافت اللجنة في تقريرها، أن البلاد “منقسمة وعلى حافة الانهيار“؛ مذكرةً أن عوامل التدهور الأمني والحصار والعقوبات الاقتصادية والقتال المتواصل، قد أعاقت –بشكل خطير– قدرة المدنيين السوريين على كسب قوت يومهم، في الوقت الذي تستمر فيه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وسط إفلات تام من العقاب؛ حيث لا يزال المدنيون يشكلون الضحايا الرئيسيين للنزاع، وهدفًا للهجمات المتعمدة التي تشنها الأطراف المتحاربة.
لقد أحبط المجتمع الدولي –مرة تلو الأخرى– أمال الشعب السوري؛ بعدم قدرته على التحرك في الوقت المناسب لوضع حد للفظائع المرتكبة. وحيث يُثمّن مركز القاهرة الزخم الدولي الحالي من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، كسبيل وحيد لمواجهة العنف المتواصل، بما في ذلك التطرف العنيف في سوريا والمنطقة بأسرها. وحيث أن تنفيذ بيان جنيف لعام 2012 الذي أيده مؤخرًا قرار مجلس الأمن رقم 2254 (2015) يحتاج إلى دعم، إلا أنه لابد لهذا التنفيذ أن يكفل ضمانات بعينها كي يحظى بالمصداقية والاستدامة ويُكلل بالنجاح.
لابد كذلك من وجود ضمانات كافية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الحالي واستمراره. إن مركز القاهرة يدعو كافة الدول للقيام بكل ما يلزم لضمان احترام اتفاق وقف إطلاق النار من قبل جميع الأطراف، والعمل على توسيع نطاقه، بحيث يشمل مناطق أوسع من سوريا ووقف أي خروقات لذلك القرار باتخاذ كافة السبل القانونية المتاحة بشكل سريع وفعال. وينبغي أن يقترن وقف إطلاق النار بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المحاصرة، والتي يصعب الوصول إليها. ويجب أيضًا السماح بحيز للعمل الإنساني، عن طريق توفير حماية حقيقية للعاملين في هذا المجال.
كذا فإن الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفيًا، لاسيما المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين، يمثل عاملًا مهمًا لضمان شعور الشعب السوري بإحراز تقدم على أرض الواقع.
لابد من ردع كافة الجرائم ضد الإنسانية المزعوم ارتكابها على يد قوات النظام وداعش، فضلًا عن الجرائم الدولية الأخرى المزعوم ارتكابها من قبل جميع الأطراف. إن المساءلة لا تزال عنصرًا أساسيًا لضمان استدامة عملية السلام، وسبيل نجاة حال فشل تلك العملية السياسية. وبهذا الصدد يتعين على المجتمع الدولي تعزيز الجهود الرامية إلى إحالة الوضع في سوريا إلى آليات العدالة الدولية، بما في ذلك إنشاء محكمة خاصة لسوريا إذا ما اقتضى الأمر. ينبغي أيضًا على الدول تفعيل دور محاكمها الوطنية للتحقيق في الجرائم المزعوم ارتكابها في سوريا؛ استنادًا إلى واجبها بمقتضى المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع. كما يجب أن تُوجه المساعدات الدولية نحو بناء قدرات المجتمع المدني المحلي والهيئات السورية الوطنية للحكومة الانتقالية القادمة لتفعيل الاختصاص المحلي، متى أمكن ذلك.
إن العملية السياسية يجب أن تكون بقيادة سورية وملكًا للسوريين، ليس فقط من خلال الشعارات والخطب الرسمية، بل أيضًا من خلال التشاور الكامل مع المجتمع المدني السوري وإشراكه في جميع مراحل تلك العملية. كذا ينبغي على جميع الأطراف المشاركة في المحادثات ضمان تمثيل المرأة على كافة المستويات. إن النهج التشاركي الذي يشمل جميع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني كفيل بتوفير ضمانات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه على أرض الواقع.
أخيرًا يجب على كافة الأطراف الالتزام بالقانون الدولي الإنساني في إطار الجهود الجارية لمواجهة التطرف العنيف، وخصوصًا الامتناع عن الاستهداف المتعمد و/أو غير المبرر للمدنيين والبنية التحتية المدنية؛ من أجل وضع حد لدوامة العنف. كما ينبغي على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حماية حقوق طالبي اللجوء واللاجئين وفقًا للقانون الدولي المختص، مع الاستمرار في السعي لإيجاد سبل من شأنها وضع أسس لعودتهم الآمنة والطوعية إلى ديارهم ومجتمعاتهم المحلية.
إن مواجهة ارتفاع وتيرة التطرف العنيف من خلال تقويض احترام القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، هو فعل غير مسئول، وقد يفضي إلى نتائج عكسية. إن هذا الخطر المحدق في منطقتنا والعالم ولّده –ويغذيه–عقودًا متلاحقة من عدم احترام حياة الإنسان وكرامته وقمع حقوقه.
مؤخرًا، دعا الأمين العام للأمم المتحدة كافة الجهات الفاعلة إلى “جعل الإنسانية الدافع المحوري (للأطراف الفاعلة) لاتخاذ القرارات والإجراءات“. كما أشار أيضًا إلى أنه من الممكن العمل على “سد الفجوة بين العالم كما هو، والعالم كما ينبغي أن يكون“.
من الممكن أن يصبح العام الخامس للصراع عام الأمل والفرص، ليس للشعب السوري فحسب، بل لشعوب المنطقة والعالم الذين شهدوا الأهوال التي حلت في سوريا وتضامنوا مع شعبها ومعانته. ولكن لكي يستمر هذا الأمل، لابد أن يتمكن صناع القرار من جعل “الإنسانية” الدافع المحوري لقراراتهم وإجراءاتهم المتخذة.
كان مركز القاهرة قد قدم أمس الثلاثاء 15 مارس مداخلة شفهية أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في الذكرى الخامسة للنزاع في سوريا، أكد خلالها على أهمية المساءلة وإنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من خلال الآليات الدولية المتاحة، كما ناشد المجلس تخصيص جلسات رفيعة المستوى لسماع شهادات الضحايا السوريين، مطالبًا لجنة تقصى الحقائق بالعمل على توثيق الانتهاكات التي تقوم بها القوات الأجنبية المشاركة في القتال في سوريا.
[1] http://www.ohchr.org/Documents/HRBodies/HRCouncil/CoISyria/A-HRC-31-68.pdf
نص المداخلة:
Share this Post