يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان –بالنيابة عن 36 منظمة لحقوق الإنسان في العالم العربي- عن ترحيبه الحار بمشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي أعدته المفوضية السامية للأمم المتحدة ، والذي عرضه وفد الخبراء العرب بالمفوضية على اجتماع اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بالجامعة العربية، الذي بدأ أمس، ويستمر حتى الخميس 8 يناير، بهدف إقرار ميثاق “معدل” لحقوق الإنسان تمهيدا لاعتماده من القمة العربية القادمة في مارس هذا العام.
ينظر مركز القاهرة لهذا المشروع باعتباره دعما وتأكيدا لمواقف منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، والذي تجسد بشكل خاص في سيراكوزا 1986، ثم الدار البيضاء 1999، وعمّان وصنعاء في 2002، ثم القاهرة وجنيف وبيروت 2003، وأخيرا مذكرات منظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للحقوقيين، ومذكرة 36 منظمة عربية لحقوق الإنسان من 11 دولة عربية، التي قدمها نيابة عنها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وعرضها مدير المركز بهي الدين حسن في اجتماع مع وفد خبراء المفوضية السامية في 21 ديسمبر 2003.
لقد كان من الممكن توفير هذا الزمن الطويل، لو أن الحكومات العربية أصغت إلى منظمات حقوق الإنسان وتحاورت معها، وبخاصة اقتراح مؤتمر الدار البيضاء، الذي عقده مركز القاهرة في أبريل 1999، والذي دعا الجامعة العربية لتشكيل لجنة خبراء مشتركة مع منظمات حقوق الإنسان لوضع ميثاق جديد.
جاءت وثيقة المفوضية السامية انتصارا أولا وأخيرا لآدمية الإنسان في العالم العربي، وللمعايير العالمية لحقوق الإنسان، ورفضا للمنطق الاستعماري والعنصري–الذي اعتمده الميثاق العربي لحقوق الإنسان الأصلي (1994) والمحدث (2003)- والذي ينظر للإنسان والشعوب في العالم العربي باعتبارها أدنى مرتبة من غيرها، وغير جديرة بالتمتع بنفس الحقوق، التي يتمتع بها البشر في كافة مناطق العالم الأخرى. وبالتالي فإن أمراض الميثاق لم تكن تنحصر في كونه وثيقة معدومة القيمة لحماية الإنسان في العالم العربي، بل كان يمكن الاستناد إليه لتبرير وتغطية الاعتداء على هذه الحقوق داخل العالم العربي، ولتبرير التمييز ضد العرب خارج أوطانهم، وذلك باعتبارهم أقل جدارة من غيرهم من البشر، وفقا لمنطق الميثاق!.
أكدت وثيقة المفوضية ضمان كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبخاصة الحق في الحياة والمشاركة السياسية وفي انتخابات حرة ونزيهة وتكوين الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الأهلية، وحريات الرأي والتعبير والاعتقاد والحرية الدينية والمحاكمة العادلة والتجمع السلمي، وحظر الإعدام في الجرائم السياسية والتعذيب، وتقييد سلطات الحكومات في إعلان حالة الطوارئ، وضمان حقوق الأقليات والمرأة والطفل والمعوقين وغيرها من الحقوق الهامة. كما اقترحت آلية محكمة لحماية حقوق الإنسان في إطار الجامعة العربية، وتتيح تلقي الشكاوى من المواطنين، وتتعاون بشكل كامل مع منظمات حقوق الإنسان. وبهذا المعنى تعتبر مشروعا جديدا متكامل الأركان لاتفاقية لحماية حقوق الإنسان في العالم العربي.
جدير بالملاحظة أن وثيقة المفوضية السامية قد جاءت حصيلة تفاعل خلاق -لم تسع إلى مثله الحكومات أعضاء الجامعة العربية- إذ طلبت المفوضية السامية من منظمات حقوق الإنسان موافاتها بوجهة نظرها، قبل إعداد المفوضية وثيقتها، كما استقبلت ممثلي هذه المنظمات، واستمعت إلى وجهات نظرهم مباشرة، وعلقت عليها في حينها، كما سبق أن شاركت المفوضية بممثلين عنها في عدد من المؤتمرات السابقة التي نظمتها هذه المنظمات حول الميثاق، وآخرها كان مؤتمر بيروت الذي عقده مركز القاهرة في يونيو 2003.
جدير بالذكر أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان صدر في سبتمبر 1994 –بعد مفاوضات داخل الجامعة لنحو 24 عاما! ولكنه تعرض لنقد حاد من الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان، ولم يحظ بتصديق دولة عربية واحدة عليه. وفي عام 2002 طرحت الجامعة العربية مهمة “تحديث” الميثاق، وبينما ألح الأمين العام للجامعة في مناسبات مختلفة على أن هدف “التحديث” هو الارتقاء بالميثاق إلى المعايير العالمية لاحترام حقوق الإنسان، فإن أغلبية الحكومات العربية تعاملت مع المهمة باعتبارها نوعا من تجميل الوجه أمام المجتمع الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر! ومن ثم انتهت عملية التحديث في أكتوبر 2003 بمشروع لا يختلف كثيرا عن الميثاق الأصلي، بل يتخلف عنه في عدة مجالات!
يأمل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن تقوم اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بالجامعة باعتماد مشروع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دون تعديل، وخاصة بعد الكلمة الدافعة في هذا الاتجاه لأمين عام الجامعة، والمواقف المعلنة لوفود مصر والعراق والبحرين والمغرب، وتضامن عدد آخر من الدول معها خلال الجلسة الأولى لاجتماع اللجنة أمس.
ويخشى مركز القاهرة من أن فتح باب التعديلات على مصراعيه على المشروع المقترح، قد يؤدي إلى تقويضه تماما من داخله، بحيث يصبح مسخا مشوها جديدا، يقترب من فلسفة الميثاقين الأصلي والمحدث المنافية لأبسط حقوق الإنسان.
من الضروري أن تضع اللجنة الدائمة في اعتبارها أن الموقف الذي ستتخذه في قضية الميثاق لا ينحصر به وحده، بل سيكون بمثابة مؤشر قوي للرأي العام العربي والدولي، حول إمكانية الإصلاح من الداخل في العالم العربي.
Share this Post