60 عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
في تقرير عن حالة حقوق الإنسان في العالم العربي خلال عام 2008
تدهور كبير والطريق مغلق أمام الإصلاح
• دعاة الإصلاح واحترام حقوق الإنسان الهدف الرئيسي للقمع
• “المحررون” يتحولون إلى جلادين ويحولون سلاح ” المقاومة” لصدور الشعوب
• زيادة التطرف الديني بسبب تحالف النظم الحاكمة مع السلفية
• خريطة ضحايا القمع تغيرت.. ولم يعد الإسلاميون في مركز الاستهداف
من تصدير الإرهاب إلى تصدير القمع
• الحكومات تحول الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى منابر لتصدير القمع
• الجامعة العربية تدعم مجرمي الحرب والانقلاب على الديمقراطية وتقيد حرية التعبير
بيان صحفي
أكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن وضعية حقوق الإنسان في العالم العربي، شهدت خلال العام 2008، تدهورا متزايدا، بل تصاعد الهجوم المضاد على المساحات المحدودة المتاحة للحريات العامة والسياسية في معظم البلدان.
ولاحظ مركز القاهرة أن تزايد وتائر القمع بحق دعاة الإصلاح والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافة المستقلة ووسائط الإعلام الالكتروني وقادة حركات الاحتجاج الاجتماعي، ومختلف أشكال الحراك السياسي داخل البلدان العربية، في نفس الوقت الذي تراجع فيه استهداف الإسلاميين . ومن الملاحظ أن ذلك قد اقترن بمساعي حثيثة لتصدير القمع – الذي فاض عن حاجة العالم العربي !- من خلال منابر الأمم المتحدة والشراكة الاورومتوسطية، التي شهدت ضغوطا متزايدة من الحكومات العربية، للجم أصوات المنظمات غير الحكومية أو إقصائها تماما من هذه المنابر، وللدفع باتجاه إفراغ آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان من مضمونها، ولتبني قرارات منافية لمنظومة حقوق الإنسان.
جدير بالذكر أن لبنان ومصر -بقيادة شارل مالك ومحمود عزمي الذين كانا على رأس وفديهما إلى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة- كان لهما دور حيوي في ميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وتدشين آليات حماية حقوق الإنسان في السنوات القليلة التالية، وهي الآليات ذاتها التي تحاول الآن دول الجامعة العربية -بقيادة مصر وفلسطين- إضعافها وتقويضها بالتعاون مع عدد من أسوأ الحكومات الاستبدادية في العالم.
جاء ذلك في أول تقرير سنوي يصدره اليوم مركز القاهرة حول حالة حقوق الإنسان في العالم العربي عن عام 2008، تحت عنوان ” من تصدير الإرهاب إلى تصدير القمع”. والذي ستجرى مناقشته خلال الأسبوع القادم في البرلمان الأوروبي ببروكسل، وجنيف وبرشلونة. جدير بالذكر أن مركز القاهرة كان قد قام بعرض المؤشرات الأولية للتقرير في ورشة عمل ببروكسل الشهر الماضي، وذلك بدعوة من لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي.
واستهدف التقرير بالرصد والتحليل الأوضاع في 12 دولة، شملت مصر وتونس والجزائر والمغرب والمملكة السعودية والبحرين وسوريا، إلى جانب خمسة من البلدان التي تعيش تحت وطأة الاحتلال، أو في ظل نزاعات داخلية مسلحة، وهى العراق والأراضي الفلسطينية المحتلة، والسودان ولبنان واليمن.
كما أفرد التقرير أقساما أخرى لرصد التحولات الجارية في الثقافة العربية في علاقتها بحقوق الإنسان، ولتقييم أداء الحكومات العربية أمام المجلس الأممي لحقوق الإنسان، وقنوات الشراكة الأوروبية-المتوسطية، وجامعة الدول العربية.
ولاحظ التقرير أن جامعة الدول العربية صارت خلال 2008 اكثر تعبيرا عن توجهات النظم الاستبدادية من أي وقت مضى، فقد انضمت الجامعة إلى قادة الانقلاب العسكري في إهدارهم لحق الشعب الموريتاني في اختيار حكامه على أسس ديمقراطية. وهبت لدعم النظام السوداني في مساعيه للإفلات من المحاسبة على المجازر المتواصلة في دارفور، والحيلولة دون مثول مسئوليه أمام المحكمة الجنائية الدولية. فضلا عن تحولها إلى منصة للهجوم على حرية التعبير، وبخاصة وسائط البث الفضائي والالكتروني.
وأكد التقرير أن الشعب الفلسطيني كان هدفا لانتهاكات بالغة الخطورة، سواء في ظل الممارسات الإجرامية المتواصلة من جانب قوت الاحتلال الإسرائيلي، أو بسبب النزاع الداخلي الدموي بين حماس وفتح. ولاحظ التقرير أن أعداد القتلى الفلسطينيين من جراء الاقتتال الداخلي فاق –لأول مرة- أعداد من قتلوا نتيجة للهجمات الإسرائيلية.و أن الطرفين تباريا أيضا في ممارسة تعذيب أسراه من الطرف الأخر، مستخدمين في ذلك أبشع وسائل التعذيب في العالم!
وفي لبنان قام حزب الله بتوجيه سلاح “المقاومة” إلى صدور اللبنانيين، خلال الحرب الخاطفة التي شنها الحزب والأطراف المتحالفة معه على مناطق بيروت والجبل في مايو 2008، والتي وضعت البلاد على حافة حرب أهلية شيعية/ سنية. وهو خطر سيظل قائما، طالما واصل حزب الله “مقاومته” مبدأ الخضوع لسيادة الدولة اللبنانية، وتنامي الدعوات في أوساط السنة، باتجاه التجييش والتسلح لإحداث قدر من التوازن مع سلاح حزب الله.
وأكد التقرير أن العراق ظل مسرحا لأخطر انتهاكات حقوق الإنسان، التي أفضت إلى سقوط الآلاف من القتلى المدنيين، سواء على أيدي قوات الاحتلال الأمريكية، أو السلطات العراقية، أو نتيجة لمواصلة الجماعات الإرهابية لجرائمها، واستمرار الاقتتال وأعمال العنف ذات الطابع العرقي أو المذهبي. وأن العراق يظل مرشحا لمزيد من التدهور، فالمعالجات السياسية والأمنية لا تقف على أرض صلبة. ولم تحسم بعد قواعد تقاسم السلطة والثروة النفطية على أسس أكثر عدلا؛ الأمر الذي قد يهدد بفتح جبهات قتال إضافية، تفضي إلى تقسيم العراق.
وأكد التقرير أن النظام السوداني أظهر استخفافا صارخا بحياة ومعاناة الشعب السوداني، وبالقرارات الدولية والإقليمية ذات الصلة، وواصل اعتداءاته الوحشية على القرى ومراكز النزوح لسكان دارفور، حتى بعد أن أصبح الرئيس السوداني مطلوبا للتوقيف من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مثلما مارس الإرهاب ضد كل صوت وطني يرفض الصمت على المجازر الجارية في دارفور.
وعلى الرغم من إعلان الرئيس اليمني إيقاف الحرب بصفة نهائية في إقليم “صعدة”، والتي أفضت إلى سقوط المئات من القتلى وتشريد ما يزيد على 100 ألف من السكان، تظل احتمالات تجدد القتال قائمة، مثلما تجددت من قبل 4 مرات، خاصة وأن هذا القرار لم يقترن بالإفراج عن عدد كبير من المعتقلين والمختفين قسريا على خلفية هذا النزاع، أو الكشف عن مصيرهم.
ولاحظ التقرير تزايد مظاهر التوترات ذات الطابع العرقي أو الديني أو المذهبي في عدد من البلدان، وبخاصة في ظل التمييز الممنهج ضد الشيعة في البحرين والمملكة السعودية، وفي مواجهة الأكراد في سوريا. كما لفت النظر إلى تزايد حدة الاحتقان الطائفي في مصر، بسبب تنامي مشاعر التعصب الديني، وخاصة في ظل توظيف الدين في العمل السياسي من الحكومة وجماعات الإسلام السياسي. فضلا على تقاعس الحكومة في معالجة العديد من المشكلات المزمنة، التي تكرس التمييز ضد الأقباط وغيرهم. كما أشار التقرير إلى تعرض الحريات الدينية لمزيد من الضغوط، وبخاصة في مصر والمملكة السعودية والجزائر.
وأظهر التقرير أن افتقار النظم القضائية العربية بصفة عامة لمعايير الاستقلال وتغييب ضمانات العدالة، وتنوع أشكال القضاء الاستثنائي، قد أفضى بدوره إلى تعريض المشتغلين بالرأي والمطالبين بالديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات، والمدونين والصحفيين إلى محاكمات جائرة في معظم البلدان التي تناولها التقرير.كما أظهرت بجلاء أن جرائم التعذيب والتجاوزات الشرطية الجسيمة لا تخضع في الغالب للمحاسبة والعقاب.
وأكد التقرير أن الطريق يبدو مغلقا أمام فرص حقيقية للتداول السلمي للسلطة في البلدان العربية؛ حيث تحيط ظلال الشك بفرص إجراء انتخابات حرة في بلدان تعاني من أزمات سياسية مستحكمة، مثل لبنان، أو في ظل استمرار الصراعات المسلحة في السودان، أو عجز الأطراف السياسية في العراق عن التوافق على القانون الانتخابي للمحليات. بينما دفعت السلطات في الجزائر بتعديل دستوري يفسح الطريق لولاية ثالثة أو أكثر للرئيس الجزائري؛ وتلاعب النظام التونسي كالمعتاد بالدستور، لضمان إقصاء رموز بعينها من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولتظل الانتخابات الرئاسية في تونس أقرب إلى الاستفتاء، مثلما هو الحال في مصر والجزائر.
وأوضح التقرير أن حقوق المشاركة السياسية قد امتهنت على نطاق واسع في مصر؛ بعد أن استخدمت السلطات كل الوسائل القانونية وغير القانونية، لإقصاء غالبية مرشحي الإخوان المسلمين وأحزاب المعارضة، وحرمانهم من التقدم بأوراق ترشيحهم في انتخابات المحليات، التي جرت وسط اعتقالات واسعة في أوساط الإخوان المسلمين ومرشحيهم.
وعلى الرغم أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب تعتبر الأفضل نسبيا، إلا إنها عكست عدم ثقة المواطنين في قدرة الأحزاب السياسية أو البرلمان على معالجة تردي الأوضاع المعيشية للسكان؛ طالما أن القرار الفعلي تهيمن عليه المؤسسة الملكية.
وأكد التقرير أن أغلبية النظم الحاكمة تتعرض لعملية تآكل في شرعيتها السياسية، نتيجة لفشلها المزمن في حل إشكالات تنمية وتطوير المجتمعات العربية، ولرفضها تأسيس شرعيتها على أساس خيار ديمقراطي حر . وأنها في المقابل تسعى لترميم شرعيتها بتوثيق أواصر التحالف مع السلفية غير المعارضة لها، الأمر الذي يترتب عليه تعزيز التطرف الديني، وتوقع المزيد من تدهور حقوق الإنسان.
Share this Post