بالتوازي مع الحديث الحكومي الصاخب عن الإصلاح السياسي منذ تعديل المادة 76 من الدستور، كان الواقع اليومي يسير في الاتجاه المضاد، وخاصة منذ الانتخابات البرلمانية وما شابها من تزوير وعنف واعتداء على القضاة والناخبين، ثم مذبحة اللاجئين السودانيين وحفظ التحقيق في أحداث التحرش الجنسي بالمعارضات في 25 مايو الماضي، وتأجيل الانتخابات المحلية حتى 2008، وتمديد العمل بقانون الطوارئ حتى عام 2008، لتسجل مصر بذلك رقما قياسيا لاستمرار حالة الطوارئ زهاء 27 سنة، وهو رقم لم تعرفه دولا دمرتها حروبا أهلية دامية.
في عام 2008 أيضا، يبلغ الرئيس مبارك الثمانين من عمره، ويحين موعد الانتخابات المحلية المؤجلة التي لها انعكاساتها على فرص الترشيح للانتخابات الرئاسية، ويحل موعد انتهاء العمل بقانون الطوارئ. هذا يثير التساؤل حول ماذا سيحدث خلال عامي 2006- 2008؟ هل هذا التوافق بين الأحداث الثلاثة صدفة؟ هل لذلك علاقة بمخطط للتوريث وفقا لبعض التحليلات؟
في هذا الإطار قام مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعقد ندوته الفكرية في إطار صالون ابن رشد، في 22 مايو 2006 ، و قد شارك في فعاليات الندوة كل من الدكتور جهاد عودة أسـتاذ ورئيس قسم العلوم السياسية – جامعة حلوان ، الأستاذ جورج إسحق منسق حركة “كفاية” ،الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة.
في البداية طرح بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عدد من التساؤلات حول مدى اتصال الأمر بعملية بعيدة المدي لتركيع الديناميكية السياسية الجديدة التي انطلقت عام 2004 رغم أنف النظام السياسي، ومدي وفاء النظام بوعوده الإصلاحية في 2008، أم أن مصر ستخرج من القضبان وتنهشها موجات الإرهاب الجديدة وأعمال العنف الطائفي الجماهيري ـ نموذج الإسكندرية ـ وصراعات مراكز القوي حول مقعد الرئاسة الذي لم يفلح أحد حتي الآن في لفت نظر النخبة الحاكمة باعتباره «الخليفة» المحتمل؟! أم أن ثمة تحالفا سياسيا جديداً سينصهر في أتون قمع الدولة البوليسية علي أنقاض المعارضة المتشرذمة وينجح في فرض أجندة الإصلاح السياسي؟!
وقد أكّد الدكتور محمد حبيب على ضرورة التنسيق بين القوى السياسية المختلفة ، داعيًا إلى إنشاء جبهة موحدة للعمل خلال المرحلة القادمة ، حيث يرى حبيب أن أي اتجاه سياسي مهما كانت قوته لا يستطيع أن يعمل منفردًا بعيدًا عن التنسيق مع باقي القوى السياسية في مواجهة القمع الحكومي الذي يطول الجميع.
استنكر حبيب عدم قيام حكومة نظيف بدعوة حكومة حماس للمشاركة في منتدي دافوس الاقتصادي الذي عقد بمدينة شرم الشيخ. قائلاً إن عدم دعوة حكومة حماس لحضور المنتدي العالمي يعتبر وصمة عار، لافتًاً إلي أن الإدارة الأمريكية تريد من مصر خلال الفترة المقبلة بعض المطالب، في حين يسعي النظام السياسي في مصر إلي توطيد علاقاته بإسرائيل، و في المقابل تغض الولايات المتحدة الطرف عن منهج النظام في الإصلاح السياسي الذي نرفضه جميعا بشكل قاطع وحاد، لأنه لا يليق مع شكل وحجم مصر كدولة كبري.
و في سياق انتقاده لنهج الإدارة الأمريكية، علّق حبيب على التصريحات الرسمية الأمريكية التي هوجمت فيها المعارضة المصرية، مشيراً إلي أن ذلك يدل علي دعم واشنطن للأنظمة القمعية والاستبدادية في المنطقة. و قال نائب مرشد الإخوان: إن الإدارة الأمريكية تنتهز أي فرصة لأي حراك سياسي حتى تقوم بنوع من الضغط والابتزاز للنظام السياسي في مصر لخدمة مصالحها.
رأينا نوعاً من النصب والجدل السياسي حيث غضت الإدارة الأمريكية الطرف عن مسألة تعديل المادة 76 من الدستور، والذي اعتبره خبراء القانون الدستوري بأنه خطيئة دستورية. وانتقد حبيب الأحزاب السياسية قائلا: لدينا مجموعة من الأحزاب بعضها ذات حضور نسبي، والبعض الآخر «كرتونية»، مشيراً إلي أن الأحزاب التي لها وجود سعي النظام إلي تفجيرها مستشهدا بضرب أحزاب العمل والوفد والأحرار والغد في نهاية الأمر عن طريق ما حدث لشخص أيمن نور.
وطالب بأن تغدو الجماعة جزء من الكل ، لافتا إلي أن النظام السياسي في مصر دأب على استخدام الإخوان كفزاعة سواء للقوي السياسية أو الغرب لتخويفهم من فكرة بلوغ الإسلاميين للسلطة.واعتبر أن سبب تأجيل انتخابات المحليات يعود إلي خوف من النظام من نجاح الإخوان فيها، و قال أن الشروط التعجيزية في المادة 76 من الدستور أصبحت في خبر كان ؛ لأن القوي السياسية بات من الممكن لها أن تتجاوز تلك الشروط.
و قد وصف جورج إسحاق منسق حركة كفاية الأجواء التي تعيش فيها مصر في الوقت الراهن بأنها خانقة، مشيرًا إلى صعوبة العمل في ظل استمرار سريان قانون الطوارئ، لافتًا إلى أن القيود المفروضة على الشعب المصري هي التي تولد الإرهاب، مؤكدًا أن الفترة المقبلة سوف تشهد شراسة أمنية للسيطرة على الحركة التي بدأت تسري في الشارع المصري، معلنًا مقاضاة حركته للضباط الذين اعتدوا على المتظاهرين خلال مسيرات تأييدًا للقضاة.
ورفض إسحاق بشدة فكرة التفاوض مع الحكومة، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تعد صالحةً للتفاوض معها، وأن الحلَّ الوحيدَ رحيل هذه الحكومة و تخليها عن السلطة، مبديًا تخوفه من التعديلات الدستورية التي سيتم اتخاذها خلال العامين المقبلين، و هما السنتين اللتان ستكونان -على حد وصف إسحاق – من أقسى الأعوام التي ستمر على مصر منذ فترة طويلة.
و تعليقًا على فكرة التفاوض مع الحكومة تساءل الدكتور جهاد عودة أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلوان “هل يتفاوض الحزب الوطني مع (شوية ناس بتجري في الشارع)؟” ، في إشارة واضحة منه إلى المتظاهرين المتضامنين مع القضاة الإصلاحيين .
و كال الدكتور جهاد الاتهامات لقوى المعارضة السياسية محملاً إياها مسؤولية أزمة الإصلاح في مصر، لافتا إلي أنها معارضة غير قابلة لفكرة التفاوض.
و قال إن الجديد – من وجهة نظره – هي أزمة المعارضة ، رغم اعترافه بأن الأزمة التي يعاني منها النظام قديمة ، مشيرًا إلى أن المشكلة الحقيقية في مصر إننا مازلنا في إطار الرغبات السياسية دون الاعتراف بالحقائق البنائية في الحياة السياسية المصرية .
وانتقد الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة النظام السياسي في مصر مشيرا إلى أن هذا النظام قد تجاوز عمره الافتراضي، وتسبب في العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدرجة أنه أصبح غير قادر علي تيسير قطارات السكة الحديد.
و وصف أفكار لجنة السياسات بالحزب الوطني بأنها أفكار «ساذجة» ومتبنوها مازالوا يحلمون بالعولمة، محذراً من خطورة الاستمرار في برامج الخصخصة، مؤكدًا أن الحكومة المصرية أدمنت الفشل على كافة الأصعدة، وضرب أمثلة على ذلك بعجز الموازنة، وازدياد نسبة الفقراء، وارتفاع معدلات البطالة، وتردِّي حالة المستشفيات، وانهيار المرافق، والتخبط الذي تعانيه الدولة في التعامل مع عددٍ كبيرٍ من القضايا وأهمها أزمة القضاة مشيرًا اتهامات الصحف المصرية القومية لجماعة الإخوان المسلمين بأنهم السبب في إشعال أتون الأزمة متهمًا العناد الحكومي بأنه كان السبب الرئيسي في إشعال الأزمة .
أشار السيد إلى أن الحكومة ليس لديها نية للإصلاح السياسي، و قال أن لجنة السياسات بالحزب الوطني ملا تطالب بإجراء أي إصلاحات سياسية أو المشاركة في التوصل لحل للأزمات التي تمر بها مصر، لافتًا إلى أن أي شخص يحترم نفسه و يحرص على تاريخه سيرفض الانضواء تحت تلك اللجنة.
Share this Post