يجب حرمان مصر من استضافة المؤتمر لسجلها الحافل بجرائم التعذيب
تشكر المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان كافة الأطراف من ناشطين مصريين ومنظمات دولية، على ضغوطهم المستمرة تأجيل المؤتمر الإقليمي عن “تعريف ومناهضة جريمة التعذيب في التشريعات العربية” والذي كان من المقرر انعقاده في مصر “عاصمة التعذيب” يومي 4 و5 سبتمبر القادم بالتعاون بين المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وتقول المنظمات أنه يجب أن يستمر الضغط حتى يتم نقل مكان انعقاد المؤتمر لدولة أخرى يتوفر بها الحدود الدنيا لاحترام حقوق الإنسان،
فقد كان من سبيل المفارقة أن الحكومة المصرية التي تسعى لاستضافة مؤتمر أممي على أرضها، تلاحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المتعاونين مع هيئات الأمم المتحدة، وتلفق لهم القضايا وتزج بهم في السجون. فعلى سبيل المثال لازال إبراهيم متولي مؤسس رابطة أسر المختفين قسرياً رهن الاعتقال منذ سبتمبر 2017 بعد ألقت السلطات المصرية القبض عليه من مطار القاهرة قبيل سفره لجنيف للمشاركة في اجتماع اللجنة المعنية بالاختفاء القسري بالأمم المتحدة. وفي أعقاب الزيارة الرسمية للمقررة الخاصة بالأمم المتحدة المعنية بالحق في السكن لمصر سبتمبر 2018 تعرض عدد من الحقوقيين والمهتمين بملف الحق في السكن لملاحقات أمنية وقرارات بالحبس، بل وصل الأمر لهدم منازل عدد منهم بسبب تواصلهم مع المقررة الخاصة. وقد أدانت المقررة الخاصة هذه الانتهاكات مع المقرر الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان في بيان مشترك، جاء في ختامه أنه “ما لم تضمن مصر أن المدافعين عن حقوق الإنسان قادرون على التواصل مع مبعوثي حقوق الإنسان بدون خوف من الأعمال الانتقامية فإن مصر غير مستعدة لمثل تلك البعثات أو الزيارات.” ولذا توصي المنظمات الموقعة الجهات والهيئات الدولية بمقاطعة أية فعاليات أو مؤتمرات حقوقية برعاية الحكومة المصرية ومجالسها القومية، وبالطبع رفض استضافة مصر لأي مؤتمر حقوقي دولي أو أممي.
إن سجل ممارسات الحكومة المصرية لا يعكس أية إرادة سياسية لمكافحة التعذيب، بل على العكس تحارب الحكومة كافة الجهود المبذولة لوقف هذه الممارسات التي هي على رأس قائمة المتهمين بالضلوع فيها. إذ تلاحق قضائياً السلطات المصرية حاليًا المستشارين عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف بسبب مشاركتهما في وضع مسودة قانون لتعريف ومناهضة جريمة التعذيب في القانون المصري وهو موضوع المؤتمر الأممي المزمع استضافة مصر له الشهر المقبل. كما أصدرت السلطات المصرية قرار بغلق عيادة النديم للتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب في فبراير 2016 وأتمت الغلق فبراير 2017، ولأكثر من عامين يتقاعس القضاء عن إصدار حكم منصف في القضية التي طعن فيها المكان الوحيد الذي يقدم جلسات دعم وتأهيل نفسي لضحايا التعذيب دون مقابل على قرار غلقه. وفي 2014 ألقت قوات الأمن القبض على الطفل محمود حسين -16عاماً وقتها- بسبب ارتدائه تي شيرت مكتوب عليه “وطن بلا تعذيب.” وظل رهن الحبس الاحتياطي لمدة تزيد عن عامين، خضع خلالهما للتعذيب والمعاملة القاسية إلى أن تم إخلاء سبيله في مارس 2016.
هذا وقد رصدت بعض المنظمات الموقعة ما نشر عن حالات الوفاة جراء التعذيب، وشكاوى التعذيب الفردي والجماعي. ففي الفترة من 2014 لـ 2018 تم نشر 1723 شكوى إلكترونية من تعذيب فردي و677 شكوى تعذيب وسوء معاملة جماعية في أقسام الشرطة والسجون المصرية، إضافة إلى 534 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز منها 189 حالة نتيجة التعذيب بحسب شهادات الأسر والمحامين. أما النصف الأول من عام 2019 فشهد 283 شكوى من التعذيب الفردي، و44 شكوى من التعذيب الجماعي، و30 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز، 3 منها نتيجة التعذيب، إضافة إلى حالة انتحار لمحتجز بعد تعذيبه.
وبخلاف الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان مازالت الحكومة المصرية تعمل بدأب على وأد المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة وشل قدرتها على العمل وملاحقة العاملين فيها قضائيًا لضمان عدم فضح انتهاكاتها المستمرة، حتى أصبح مجرد تنظيم مؤتمر صحفي لأحدى هذه المنظمات أمرًا محفوفًا بالمخاطر، واحتكرت الدولة ومجالسها القومية تنظيم والفعاليات الحقوقية، تنفرد وحدها بتحديد موضوعاتها والمشاركين فيها، في عملية تأميم واضحة للعمل الحقوقي في مصر. كما أن سجل الحكومة المصرية في تنظيم ورعاية مثل هذه الفعاليات الحقوقية حافل بالانتهاكات والترويع للمشاركين الأجانب أيضًا، ففي أثناء استضافة مصر للدورة الـ 64 للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، تلقى بعض ممثلو المنظمات الأفريقية تهديدات واضحة وترهيب، فضلاً عن صفع فرد أمن لمشاركة إفريقية بعدما رفض منحها شارة المشاركة دون إبداء الأسباب.
يؤكد الموقعون أن مثل هذا المؤتمر كان سيكون محاولة – نربأ بالمفوضية السامية عنها- لتجميل وجه الحكومة المصرية قبيل مراجعة سجلها الحقوقي بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة خلال أسابيع قليلة، وصرف الانتباه عن التوصيات والالتزامات التي حنثت بها مصر وخاصة في ملف التعذيب منذ جلسة الاستعراض الأخيرة في 2014. فهي صاحبة السجل الحافل بجرائم التعذيب والتستر على مرتكبيها، والتي وصف تقرير لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة عام 2017 التعذيب فيها بأنه “سياسة منهجية.” كما أن مواقف المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة المصرية- والذي كان سيكون شريك المفوضية في تنظيم المؤتمر في مصر- تعكس تصور مخزي لحقوق الإنسان ودفاعًا محزن عن انتهاكها. فعلى سبيل المثال، في حوار لرئيس المجلس لجريدة الشروق مؤخرًا، دافع عن تطبيق عقوبة الإعدام، واعتبرها من قبيل “خصوصية” حقوق الإنسان في مصر!
أخيرًا، وإن كنا نقر بالقصور المتعمد في تعريف جريمة التعذيب في القانون المصري، لكننا نعي أن هذه ليست المشكلة الأساسية، وإنما تكمن المشكلة في غياب الإرادة السياسية لمناهضة التعذيب، بل أننا نشك -بسبب فداحة الأمر- أن هناك ضوء أخضر من أعلى المستويات السياسية للاستمرار في جريمة التعذيب وضمان إفلات مرتكبيها من العقاب. وهو ما تؤكده بيانات صادرة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة أو آلية الإجراءات الخاصة المعنية بالهيئة نفسها مثل لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة، إضافة إلى العديد من المنظمات الحقوقية الدولية مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش. فإن كانت مصر تسعى فعلاً لتحسين سمعتها وتبيض وجهها في ملف التعذيب، فعليها أولاً أن تمتثل لعدة توصيات أولية سبق وطالبت به المفوضية السامية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات المحلية والدولية ومنها:
- أن يصدر البرلمان قانونًا يتضمن تعريف لجريمة التعذيب وفقاً للدستور وللاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.
- الانضمام للبروتكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
- الموافقة على الطلبات الرسمية للمقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب بإجراء زيارة رسمية لمصر.
- إنهاء التحقيقات ضد القضاة “المتهمين” بالمشاركة في صياغة مشروع قانون لتعريف ومناهضة جريمة التعذيب.
- إلغاء قرار غلق عيادة النديم للتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب الصادر في 2016 والإفراج الفوري وغير المشروط عن المحامي الحقوقي إبراهيم متولي مؤسس رابطة أسر المختفين قسريًا.
المنظمات الموقعة (أبجدياً):
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- كوميتي فور چستس
- مبادرة الحرية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز النديم
- مركز بلادي للحقوق والحريات
- مركز حدود للدعم والاستشارات
- مركز عدالة للحقوق والحريات
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- المؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية – نضال
Share this Post