السيد صاحب السعادة،
نعرب نحن، منظمات المجتمع المدني من أرجاء العالم العربي الموقعة أدناه، عن قلقنا البالغ إزاء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تستمر في عرقلة التطوير والإصلاح بالمملكة العربية السعودية.
في مايو 2009، ستتقدم المملكة العربية السعودية للجمعية العامة للأمم المتحدة سعياً لإعادة انتخابها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ومع بالغ الأسف، وبكوننا مدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات للمجتمع المدني من أرجاء العالم العربي من خلال عملنا الدائم لمناصرة تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ندعوكم الآن لعدم التصويت لصالح إعادة انتخاب المملكة العربية السعودية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لهذا العام. وننوه إلى أننا كنا نتطلع أن يقترن بحصول المملكة العربية السعودية على مقعد في المجلس الافتتاحي لحقوق الإنسان في 2006 بتعزيز الجهود لاضمان احترام وحماية حقوق الإنسان في المملكة. ولكن من المؤسف أن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
وعلى الرغم من التحركات الأخيرة غير المسبوقة بإدخال تغييرات بالغة الأهمية على بعض أجهزه ومؤسسات الحكم في المملكة، إلا أننا كنا نأمل أن نرى انعكاس هذه التغييرات على عمل هذه المؤسسات وممارساتها. فقد فشلت حكومة المملكة العربية السعودية بكل السبل في إعلاء التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان والتي تعهدت بها عند حصولها على عضوية المجلس في 2006، وعلى مدار السنتين الماضيتين، واستمر تدهور حماية وتعزيز حقوق الإنسان في المملكة.
ولا تزال المملكة لا تقر بحق المواطنين في تشكيل أحزاباً سياسية، أو تأسيس جمعيات أو التجمع السلمي. علاوةً على ذلك، تعاني الأقليات الدينية من انتهاكات واضحة، ولا تزال المرأة – ليس لأي سبب سوى كونها أنثى – تحرم من العديد من الحقوق الأساسية. وبموجب القانون الأساسي بالمملكة العربية، لا تكفل المساواة بين النوعين. وفي واقع الحال، فإن الفصل بين الجنسين هو في صلب الهياكل القانونية والاجتماعية بالمملكة. وتواصل الحكومة معاملة المرأة بكونها أقلية قانونية، في حين يكون “للوصي” الذكر السلطة القانونية الكاملة عليها. إن نظام الوصاية الذكورية، على الرغم من عدم إقراره قانونياً في القوانين الأساسية ولكنه مبرر في ظل التفسيرات المتطرفة للشريعة الإسلامية، يفرض مبدأ سيادة الرجل على المرأة في غالبية إن لم يكن جميع مناحي الحياة اليومية. فجدير بالذكر أن النصوص القانونية ذات الصلة بالأحوال الشخصية، خاصةً فيما يتعلق بالزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال، والميراث، لا تكفل المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة. وحقيقة الأمر أن المرأة تتطلب الحصول على إذن الواصين عليها للعمل، أو السفر، أو الدراسة، أو الزواج، أو الحصول على الرعاية الطبية، أو الحصول على الخدمات العامة ولا تزال المرأة غير مسموح لها بقيادة السيارات. في 10 فبراير 2009، لقيت امرأة عمرها 23 سنة، كانت قد اختطفت واغتصبت على يد عصابة، عقوبة بالسجن لمدة سنة و100 جلدة لجريمة “الزنا”. كما أن حق المرأة في العمل مهدر على نطاق واسع بالأخذ في الاعتبار القيود الفعلية على اقتصار نطاق تواجد المرأة على المنزل أو الأماكن الخاصة. تستثنى المرأة من أماكن العمل، تخصص لها مطاعم “للعائلات فقط”، وتتلقى تعليمها في مدارس وجامعات منفصلة. وفي 8 مارس 2009، حكم على سيدة عمرها 75 سنة بالجلد 40 جلدة وأربعة أشهر في السجن لتواجدها مع رجال ليسوا من أفراد عائلتها المباشرة. علاوة على ذلك، تواجه المرأة خطر الضبط من قبل الشرطة الدينية للركوب في سيارة يقودها ذكر ليس موظفاً أو من الأقرباء. وقد أدت الظروف المفروضة على المرأة في المملكة العربية السعودية إلى وصف معاملتها “بالتمييز القائم على النوع.”
وقد أصبح التمييز ضد الطائفة الشيعية من الممارسات المقبولة بدرجة أكبر قانونياً واجتماعياً في المملكة العربية السعودية. تقيد القوانين السعودية والأعراف القانونية حقوق الشيعة في جميع جوانب الحياة بما في ذلك العمالة، وبناء المساجد، وإصدار الكتب الدينية. كما تمارس الحكومة التمييز ضد الطائفة الشيعية في النظام التعليمي على الرغم من التغييرات الأخيرة والتي بدأت من خلالها المملكة في تعيين مديرات شيعيات لمدارس الفتيات. كما يستبعد الشيعة من التقلد في المناصب الدبلوماسية والأمنية والعسكرية الرفيعة. كما لا يعترف بشهادات الشيعة أمام المحاكم. وفي 15 يناير 2008، تحرشت قوات الأمن وأفراد الشرطة الدينية بالاحتفالات الحسينية في قرية رميلة – الأحساء. وقامت نفس القوات في 20 فبراير 2009 بالاعتداء البدني وممارسة الاعتقال التعسفي للحجاج الشيعة بالمدينة.
وعلى الرغم من طبيعتها غير الإنسانية والمهينة، لا تزال المحاكم السعودية تطبق الحدود الجسدية في الساحات العامة كعقوبة قضائية. في ديسمبر 2008، قضت محكمة سعودية بزيادة فترة سجن طبيبين مصريين إلى 15 سنة و20 سنة بالسجن، بالإضافة إلى 1500 و1700 جلدة لكل منهما. ومن المخالفات التي يستخدم الجلد عقاباً لها “جريمة” التواجد على انفراد بصحبة شخص من غير الأقرباء من الجنس المقابل. فقد عوقبت فتاة تبلغ من العمر 20 سنة والتي تعرف “بفتاة القطيف” وشخص آخر كان برفقتها بالجلد 200 جلدة لتواجدهما سوياً على الرغم من تعرضهما لهجوم سبعة أشخاص، اختطفوهما واغتصبوا الفتاة جماعياً بعد ذلك. وبعد حملة دولية قوية، أسقطت التهم ضد الفتاة والشخص الآخر في أوائل 2008 من خلال عفو ملكي. بالإضافة إلى ذلك، في يوليو 2008، أصدرت إحدى المحاكم حكماً بمعاقبة رجل بجلده 600 جلدة وثمانية أشهر بالسجن، والفتاه التي كانت برفقته 300 جلدة وأربعة شهور بالسجن بعد اتهامها بكونهما على علاقة سوياً.
تتم أشكال أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان بشكل دوري. في مارس 2008، أضرمت قوات الشرطة السعودية النيران في مجموعة من 25 يمني ممن ليس لهم وثائق، ومن بينهم أطفال، لإجبارهم على الخروج من مكان تجميع القمامة الذين كانوا يختبئون به. ونتيجة لذلك، تعرض ما لا يقل عن 18 شخص لحروق بالغة.
وانتهاكاً للقانون الدولي، تشير التقارير إلى أن الأطفال دون سن الثامنة عشرة يتم إعدامهم من قبل المحاكم السعودية طالما أنهم قد وصلوا سن البلوغ. ووفقاً للممارسات والقوانين السعودية، بما في ذلك قرار صادر في 2002 من قبل مجلس كبار العلماء، فأن البلوغ يتحقق عند وقوع أي من أربعة شروط لدى الذكور أو الإناث: 1) الوصول إلى سن 15 سنة، 2) الاحتلام، 3) نمو شعر العانة، أو في حالة الفتيات، 4) عند بدء الطمث. ومع استحالة التحقق من توفر غالبية هذه الشروط خلال وقت وقوع الجريمة، يتم التقييم، باستثناء السن، أثناء المحاكمة ذاتها. ووفقاً للتقارير الصادرة في منتصف 2008، كانت هناك 13 حالة فردية يتم فيها الإعدام لجرائم ارتكبت قبل بلوغ السن القانونية.
وفيما يتعلق بالعمال المهاجرين، يعاني نحو 8 مليون عامل أجنبي، بالأساس من الهند، وإندونيسيا، والفلبين، وسريلانكا، من مجموعة متنوعة من الانتهاكات من قبل سلطات الدولة واستغلال العمال من قبل أصحاب العمل والتي تصل في بعض الحالات لظروف تشبه العبودية. وعلى الرغم من الإعلانات المتجددة في يوليو 2008، فقد فشلت وزارة العمل في الوفاء بالتزامها بإنهاء نظام الكفيل – وهي سياسة مقيدة تربط تصريح إقامة العمال المهاجرين بأصحاب العمل بما يتيح وقوع مثل هذه الانتهاكات مثل مصادرة جوازات سفر المهاجرين، وعدم سداد أجورهم، وإجبارهم على العمل لشهور وسنوات ضد رغبتهم. وتتضمن الانتهاكات من قبل سلطات البلاد الاعتقال دون تهمة أو محاكمة وسوء المعاملة والسماح بالانتهاكات من قبل أصحاب العمل دون ردعها. في 2005، عوقبت عاملة منزل إندونيسية، والتي تعرضت لاعتداءات بالغة على يد صاحب العمل إلى الحد الذي تطلب بتر أصابع يديها وقدميها، بالجلد 79 جلدة من قبل محكمة بالرياض لاتهامها صاحب العمل بإساءة معاملتها. وقد ألغيت هذه العقوبة بعد الاستئناف وفي مايو 2008، وأسقطت الاتهامات ضد صاحب العمل السعودي.
ولا تزال المملكة العربية السعودية بيئة بالغة الخطورة على المدافعين عن حقوق الإنسان ومؤيدي الإصلاح. فعلى الرغم من التعهدات الأخيرة للحكومة بإجراء إصلاحات لحقوق الإنسان وإنشاء منظمتين حكوميتين لحقوق الإنسان، “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان” و”لجنة حقوق الإنسان”، لا تزال منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية غير مسموح لها بالعمل ككيان قانوني. كما أهملت السلطات السعودية الطلبات المقدمة من قبل منظمة حقوق الإنسان أولاً للتسجيل بالسعودية منذ عام 2002. كما أن لدينا تحفظات بشأن قانون الجمعيات الذي أقر مؤخراً من قبل مجلس الشورى. إن اعتقال الأخوين عبد الله الحامد وعيسى الحامد – من أبرز مؤيدي الإصلاح في المملكة والقبض على د. متروك الفالح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، وغيرهم من الإصلاحيين والمدونين، يثير شكوك شديدة بشأن احترام المملكة لتعهداتها على الرغم من إطلاق سراح بعضهم مؤخراً. ويتفاقم الأمر من خلال حظر السفر الصادر بشأن المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في البلاد خلال 2008 و2009.
كما أن المملكة العربية السعودية لم تظهر رغبة في الإصلاح داخل الصعيد الدولي. فالمملكة ليست طرفاً في عدد من أهم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أو البروتوكولين الاختياريين. علاوة على ذلك، لم توقع المملكة العربية بعد على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، أو اتفاقية حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، أو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأخيرا فأننا نعرب عن تقديرنا لاهتمامكم بانتخابات مجلس حقوق الإنسان، والتي ستكون نتائجها هامة لتعزيز حقوق الإنسان عبر الأمم المتحدة. لكننا نحذر من أن تقديم الدعم لإعادة انتخاب المملكة العربية السعودية، على الرغم من عدم اكتراثها الكامل وفشلها في الامتثال لالتزامات والتعهدات المطلوبة منها كعضو بالمجلس، سيشكل سابقة مقلقة وخطيرة بشأن عضوية المجلس، وستقوض إلى حد كبير شرعية كل من مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة. ونحث سعادتكم على وضع المعلومات المذكورة أعلاه في الحسبان عند التصويت لأعضاء مجلس حقوق الإنسان في مايو، ولإثارة الموضوعات المطروحة في هذا الخطاب خلال عملية الانتخاب داخل الجمعية العامة. ومن خلال قيامكم بذلك، ستساهمون ليس فقط في تطوير آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بل في منح الأمل والتشجيع للمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،
منظمات المجتمع المدني الموقعة:
1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
2. حقوق الإنسان أولاً (السعودية)
3. مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف (مصر)
4. الرابط الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (الجزائر)
5. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي (مصر)
6. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (مصر)
7. مركز البحرين لحقوق الإنسان (البحرين)
8. دار الخدمات النقابية والعمالية (مصر)
9. لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا (سوريا)
10. مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان (سوريا)
11. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مصر)
12. المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (مصر)
13. جماعة تنمية الديمقراطية (مصر)
14. مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان (مصر)
15. مركز هشام مبارك (مصر)
16. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (المغرب)
17. المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (المغرب)
18. جمعية الدفاع عن الحقوق و الحريات (عدل) (لبنان)
19. المركز السوري للإعلام و حرية التعبير (سوريا)
20. الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (تونس)
الموقعين من منظمات المجتمع المدني الخاصة بالمرأة العربية:
1. مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي (لبنان)
2. مركز أبحاث المرأة الجديدة (مصر)
3. منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان ( اليمن)
4. رابطة النساء معيلات الأسر (موريتانيا)
5. شبكة قيادات المرأة في موريتانيا (موريتانيا)
6. المركز المصري لحقوق المرأة (مصر)
Share this Post