شهد صالون ابن رشد الذي عقده مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمس حول “حرية التنظيم بين العقبات والطموحات” جدالاً واسعًا حول قوانين تنظيم العمل الأهلي في مصر وتونس قبل وبعد الثورة، ففي الوقت الذي أكد فيه عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، تحرير العمل الأهلي في تونس بموجب قانون تنظيم عمل الجمعيات والمنظمات الأهلية الصادر عقب الثورة، أكد نجاد البرعي مدير المجموعة المتحدة، محامون ومستشارون قانونيون، وعصام الدين حسن رئيس وحدة البحوث بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن الوضع في مصر مازال مترديًا، والهوة بين مصر وتونس تتسع بشدة في هذا الصدد.
من جانبه اعتبر كمال جندوبي رئيس الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان ورئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، أن مصر لم تطرح إلى الآن نص جديد لقانون الجمعيات الأهلية، ولكن كل ما فعلته أن أعادت طرح نصوص قديمة لقوانين سبق تقديمها في عهد مبارك أو طرحت بعض التعديلات على قوانين حالية كوسيلة لقياس رد الفعل، الأمر الذي اعتبره لا يتماشى مع روح التغيير التي أحيتها الثورة المصرية المجيدة.
نجاد البرعى رفض الادعاء بعدم طرح الحكومة لقانون للجمعيات مشيرًا إلى أن الحكومة لديها قانون واضح لتنظيم العمل الأهلي يتمحور في “تقييد عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية وسائر منظمات المجتمع المدني” وهو القانون الذي توافقت عليه الحكومة والاتحاد العام للجمعيات وللأسف انضم إليهم البرلمان. فالهجمة على المجتمع المدني هجمة متعددة الأطراف، كل طرف فيها يتطلع إلى تقييد المجتمع المدني ليحقق غرضًا مختلف، فالاتحاد العام صار يتطلع لان ينفرد بالتصريح ويكون له سلطة المنع والمنح، والحكومة “طمعانة في الفلوس” أما البرلمان والذي كان من المفترض أن يدافع عن الحريات اختار أن يكمم أفواه كل المدافعين عن حقوق الإنسان ودعاة المواطنة اللذين من شأنهم محاسبته على تهجير مسيحي العامرية ويطالبونه بحقوق المرأة. وأضاف نجاد أن عقيدة البرلمان أيضًا تغيرت، فصار منطقه أن “المال فتنة” ونحن نشفق عليكم من غواية المال ونحول دون ارتكابكم المعاصي لذا قررنا أن نمنع عنكم التمويل ونعطل نشاطكم لحمايتكم. مؤكدًا أن العقيدة نفسها سيتم تطبيقها على الإعلام والتجارة وغيرها من مناحي الحياة، وأن البرلمان الحالي سيطرح كل ما هو أسوأ فيما يخص الحريات العامة.
وهو ما أيّده عصام حسن، مشيرًا إلى أن 70% من تكوين البرلمان شريك في الحملات ضد منظمات حقوق الإنسان وضد عملها، وهو ما يضاعف من شراسة تلك الهجمة، إذا لا يوجد مبعث للتفاؤل في تعامل البرلمان مع القضية، مؤكدًا أن المنظمات لن ترضخ لبيادة العسكر أو لعباءة الإخوان كما لم ترضخ من قبل لنظام مبارك.
على مدار الجلسة استعرض نجاد البرعي أبرز محاور القانون المقترح من وزارة الشئون الاجتماعية والمعروف إعلاميًا بقانون “حجازي” مؤكدًا أن علي مصيلحي رغم كل قهره للمجتمع المدني لم يجرؤ على طرح مثل هذا القانون أمام البرلمان رغم أنه سبق وعُرض عليه في عهد مبارك. أما عصام حسن فاستعرض أبرز محاور قانون الجمعيات والمنظمات الأهلية المقدم من 39 منظمة حقوقية وتنموية لتحرير العمل الأهلي في مصر، مُركزًا على أهم محاور القانون وضماناته لتحرير العمل الأهلي بما يحفظ حق الجهات الرقابية في ممارسة دورها الرقابي والإجرائي في تنظيم العمل الأهلي.
عبد الستار بن موسى استعرض أبرز ملامح القانون التونسي الصادر بعد الثورة، بما أصاب القاعة بالكثير من الدهشة نظرًا لاتساع مساحة الحريات المكفولة للمجتمع المدني في تونس، فالقانون الجديد انصف الجمعيات المحلية والدولية أيضًا وحررها من فكرة الرقابة على النشاط أو التمويل واعتمد بالأساس على الشفافية كمبدأ لتحرير العمل الأهلي، بل أنه أجبر الحكومة على حماية نشطاء المجتمع المدني عرفانًا بدورهم قبل الثورة وأعترافاً بأهمية أن تكون تلك المنظمات شركاء في ترسيخ قيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان في المرحلة الانتقالية، وهو ما دفع بن موسى إلى التعليق قائلاً “الوضع البائس الذي تعيشونه الآن في مصر كنا نعيشه في تونس قبل الثورة، بل كنا نعانى ما هو أقسى من سطوة وزير القمع الاجتماعي (الداخلية) الذي كان يملك كافة سلطات وزير التضامن في مصر”
من الحضور أشار احد النشطاء والعاملين بالمجتمع المدني أن الأزمة لم تعد في القانون المنظم للجمعيات، وإنما في الاغتيال المعنوي للعمل الأهلي على يد الإعلام المضلل، فصورة المجتمع المدني حدثت لها عملية تشويه في الشارع المصري، فالناس تتعامل مع النشطاء باعتبارهم عملاء، والمواطن البسيط يسأل على التمويل خوفًا من اتهامه بالخيانة، الأمر الذي يضاعف من قسوة الهجمة ويزيد الهوة بين مصر وتونس.
وهو ما علق عليه كمال جندوبي بأن التشويه أخطر من الدعاوى الجنائية المنظورة أمام القضاء، مؤكدًا أنه لا يمكن فصل الهجمة في هذا التوقيت وبتلك الفجاجة عن الدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني قبل وبعد الثورة، ولكن من المدهش أن يكون أول دعاة تكميم الأفواه هم أول من دافعت عنهم المنظمات وهم في سجون مبارك.
Share this Post