لقد كان مأمولاً أن يسهم توقيع الحكومة المصرية على خطة العمل المصرية-الأوروبية في إطار سياسة الجوار في اتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. بيد أنه على أرض الواقع فإن عام 2007، الذي شهد إقرار خطة العمل اقترن بمزيد من التراجعات التي رصدها على وجه الخصوص قرار البرلمان الأوروبي في يناير 2008، والذي انطلقت حيثياته، مما وصفه بالتدهور الدرامي لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، وهو التدهور الذي تعزز بدلائل إضافية، ربما أبرزها ردود الأفعال المتشنجة من قبل السلطات المصرية، التي بلغت حد اعتبار قرار البرلمان الأوروبي بمثابة تدخل في الشئون الداخلية، وتعليق مشاركة مصر في اجتماعات اللجنة الفرعية للمشاورات السياسية مع الاتحاد الأوروبي، كرد على القرار ضمن حملة إجراءات أخرى غير مبررة.
في هذا السياق، فقد تلقت منظمات حقوق الإنسان الموقعة على هذه المذكرة، التقرير الذي أعدته المفوضية الأوروبية للوقوف على ما تم إنجازه من أهداف، في إطار اتفاقية الجوار وخطة العمل.
وتأسف هذه المنظمات لأن تشير إلى أن التقرير افتقر إلى أي تشخيص متماسك لمشكلات حقوق الإنسان في مصر، وأغفل إلى حد بعيد رؤية المنظمات المصرية، مثلما تغاضى عن الكثير من دواعي القلق التي عبر عنها بوضوح قرار البرلمان الأوروبي.
وعلى سبيل المثال، فإن تناول التقرير للتعديلات الدستورية لا يعير الاهتمام الواجب للصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها السلطة التنفيذية، والتي تمنحها هيمنة شبه مطلقة على السلطتين التشريعية والقضائية، ويكتفي التقرير بالإشارة إلى صلاحيات للبرلمان في الرقابة على الميزانية وسحب الثقة من الحكومة، مع أن هذه الصلاحيات تصبح غير ذات معنى، طالما أن رئيس الجمهورية وهو رئيس السلطة التنفيذية، يستطيع أن يحل البرلمان عندما يشاء!!
وعندما يتوقف تقرير المفوضية الأوروبية عند بواعث القلق تجاه التعديلات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، فإنه يكتفي فقط بالإشارة إلى المخاوف المتصلة بصلاحية إحالة قضايا الإرهاب إلى محاكم استثنائية، في حين يتجاهل ما يترتب على هذه التعديلات من منح أجهزة الأمن سلطات استثنائية تجيز لها تقويض الضمانات الدستورية للحرية والأمان الشخصي، ولحرمة الحياة الخاصة، الأمر الذي يتيح عمليا إدماج الصلاحيات الاستثنائية بموجب قانون الطوارئ في القانون الذي يجري إعداده بطريقة سرية لمكافحة الإرهاب، ومن ثم فإن القول إن التعديلات الدستورية تمهد الطريق لإنهاء حالة الطوارئ يفتقر إلى التشخيص الموضوعي، لأنها في واقع الأمر تحولها من حالة طارئة إلى حالة دائمة.
وعلى الرغم من أن المفوضية الأوروبية لديها من تقارير وتحليلات منظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية ومختلف فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المصرية ما يكفي لفهم دلالة إقصاء القضاة عن الإشراف على مراكز الاقتراع في الانتخابات العامة، ولديها ما يكفي من تحليلات لأوجه القصور التي تعاني منها القوانين الانتخابية في مصر وتجلياتها في الممارسة عبر انتخابات مجلس الشورى التي أجريت في العام الماضي، فإن تقرير المفوضية الأوروبية تفادى الاشتباك بالجدية الواجبة مع مشكلات المشاركة السياسية، مكتفيا بالإشارة إلى أن الغموض ما يزال يكتنف طبيعة الهيكل الإداري للجنة الانتخابية المشكلة حديثا، وطبيعة التفويض الممنوح لأعضائها. كما لم يشر من قريب أو بعيد إلى فرص إجراء انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية في ظل التعديلات الخاصة بالمادة 76 من الدستور.
وعلى حين أولى تقرير المفوضية اهتماما بتأسيس لجنة قومية للشفافية والنزاهة في إطار ما وصفه بدعم جهود محاربة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة في الشئون العامة. فإنه لم يشر بكلمة واحدة عن كيف يمكن واقعيا محاربة الفساد، في الوقت الذي تظل فيه القيود بالغة الصرامة على الحق في الحصول على المعلومات والوثائق، وفي ظل عقوبات السجن التي ما تزال تحاصر الصحفيين والإعلاميين، وفي ظل القيود القانونية الهائلة على مؤسسات المجتمع المدني، وفوق هذا وذاك في ظل استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان وتدخلاتها في تسيير العدالة.
ورغم أن التعذيب يمارس على نطاق واسع في مصر بصورة منهجية وروتينية حسبما تشير التقارير المحلية والدولية، فإن التقرير يتوصل إلى أن صدور عقوبات بالسجن ضد عدد من ضباط الشرطة يعكس قدرا من التصميم من جانب السلطات للتعامل مع ممارسات التعذيب وسوء المعاملة. وهو تقييم يتناقض حتى مع تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان!. إذ يقول التقرير السنوي الرابع (الأخير) للمجلس: “الظاهرة (أي التعذيب) مثارة منذ زمن طويل وإذا لم تكن تتزايد فهى على الأقل لم تنخفض، رغم كل ما أعلنته الدولة من سياسات وبرامج نشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الأمن، إلا أنه يلاحظ تأخر إجراءات التحقيق والمحاكمات للمشتبه في ارتكابهم هذه الجرائم، كما أن الإطار التشريعي ينتج ثغرات تؤدي إلى الإفلات من العقوبة، ونادرا ما تصدر أحكام رادعة تتناسب مع جسامة هذه الجريمة، ولم تأخذ الحكومة حتى الآن بتوصيات مهمة لسد الثغرات التشريعية التي أصدرتها المنظمات غير الحكومية، وأخرى أصدرها المجلس القومي لحقوق الإنسان. كما أنه ليس هناك تفاعل كاف مع الآليات الدولية في استئصال هذه الظاهرة، حيث ترفض الحكومة حتى الآن زيارة المقرر الخاص بالتعذيب التابع للأمم المتحدة” (ص20 من النسخة العربية من التقرير).
وحتى فيما يتعلق بحرية التعبير فإن الصورة تبدو في التقرير وردية تماما، باستثناء الإشارة إلى أن “نقاشا حياً!” قد جرى حول محاكمات صحفيين مستقلين ومدونين، أسفرت عن صدور أحكام بالسجن وغرامات باهظة. في حين لا يتناول التقرير استمرار احتكار الحكومة للإعلام المرئي والمسموع –(الإخباري بشكل خاص)- فضلا عن الصحف المملوكة للدولة، ولا عن القيود على حرية إصدار الصحف والتحكم في تراخيص البث الفضائي، ولا عن البنية التشريعية الكفيلة في كل لحظة بإغلاق كل المنافذ الإعلامية وتقويض التطور الايجابي المتمثل في تنوع وسائل الإعلام الذي أشار إليه التقرير.
واختفت من التقرير مشكلات الحريات الدينية في مصر، وهو ما عبر عنه التقرير برصد التطور المهم المتمثل في حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن البهائيين، في حين أن هذه المشكلات كما رصدها البرلمان الأوروبي في قراره تشمل أيضا الأقباط، بل وتشمل طوائف ومذاهب ومدارس في الفقه الإسلامي مثل الشيعة، بل والسُنّة مثل القرآنيين، وأن مشكلات الأقليات الدينية لا تنحصر وحسب عند خانة الديانة، بل تتعداه إلى ممارسات مؤسسية ذات طابع تمييزي وتكرس التعصب الديني وتلحق أضراراً كبيرة بالحريات الأكاديمية وحرية وسائل الإعلام، كما لاحظ عن حق قرار البرلمان الأوروبي.
و على الرغم أن تقرير المفوضية قد تضمن اشارات موجزة الى الصعوبات و المشكلات التي تعوق انشطة المنظمات غير الحكومية، الا أن التقرير كان يتعين عليه على الأقل التوقف أمام الدلالة الخطيرة التي ينطوى عليها اقدام السلطات المصرية خلال النصف الثاني من 2007 على اغلاق اثنتين من ابرز و اقدم المنظات العاملة في مجال حقوق الأنسان و هما دار الخدمات النقابية و العمالية و جمعية المساعدة القانونية لحقوق الأنسان.
في إطار ما سبق فإن المنظمات المصرية تستطيع أن تتفهم أن تسعى الحكومة المصرية لتجميل صورتها بالقول إنها قد أضفت طابعا رسميا على الاعتبارات الخاصة بحقوق الإنسان في مصر. غير أنه من غير المبرر أن تردد المفوضية الأوروبية بدورها هذه الادعاءات التي لم تجد أدنى ترجمة لها على أرض الواقع، إلا في مزيد من الممارسات المنافية لاحترام حقوق الإنسان، والتي يؤكدها ليس فقط قرار البرلمان الأوروبي، أو تقارير المنظمات غير الحكومية، بل أيضا تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي أنشأته الدولة وتنفرد بتعيين أعضائه.
وأخيرا، فإن منظمات حقوق الإنسان المصرية ترى في هذا التقرير مؤشرا على أن فرص تعزيز حقوق الإنسان في مصر في إطار سياسة الجوار الأوروبية تتضاءل إلى حد بعيد، ليس فقط لغياب إرادة سياسية لدى الحكومة المصرية في الالتزام بتعهداتها، بل أيضا لدى الطرف الأوروبي والذي يبدو أنه يعطي الأولوية للاعتبارات الاقتصادية والسياسية و الأمنية على حساب حقوق الإنسان وتعزيز قيمتها، فضلا عن افتقار التقرير إلى آلية تقييم تفصيلية لمتابعة تنفيذ خطة العمل، تتضمن مؤشرات محددة وواضحة لقياس مدى وفاء الحكومة بالتزاماتها، التي تتلقى بموجبها مساعدات مالية سخية.
المنظمات الموقعة على المذكرة :
1. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
2. دار الخدمات النقابية والعمالية
3. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
4. مؤسسة المرأة الجديدة
5. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
6. مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
7. مركز الأرض لحقوق الإنسان
8. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
9. المركز المصري لحقوق المرأة
10. مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
11. المنبر المدني الأورو متوسطي المصري
Share this Post