في 20 أغسطس 2020، قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات المدنية غير الحكومية وبعض المدافعين عن حقوق الإنسان، مداخلة كتابية مشتركة إلى الجلسة الـ 45 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. وفيها، دعت المنظمات المجلس إلى تمديد وتعزيز ولاية مجموعة الخبراء الأمميين والإقليميين البارزين، باعتبارهم آلية التحقيق الوحيدة المستقلة والمحايدة في الجرائم المرتكبة في اليمن. أن المساءلة الحقيقية والشاملة ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل في اليمن.
مداخلة كتابية:[1] مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمات غير حكومية لديها الصفة الاستشارية
سبتمبر-أكتوبر 2020 (يحدد لاحقا)
المجتمع المدني يدعو مجلس حقوق الإنسان إلى تعزيز ولاية فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين والتركيز على المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن
لا يزال السكان في اليمن معرضين للخطر بشدة بعد ما يقرب من ست سنوات على بدء النزاع المسلح؛ الذي أسفر عن كارثة إنسانية مفزعة، وصفت بأنها الأسوأ والأكبر في العالم، خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ أدت الحرب في اليمن إلى مقتل نحو ربع مليون شخصًا، بما في ذلك ما يربو عن 112 ألف شخصًا قُتلوا بشكل مباشر خلال الأعمال القتالية منذ مارس 2015؛ ويُعتقد أن عدد القتلى الفعلي أكبر من ذلك بكثير، بالإضافة إلى نزوح ما لا يقل عن 3.6 مليون شخصًا.
تواصل الأطراف المتحاربة، بما في ذلك مجموعة أنصار الله (الحوثي) والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا، ارتكاب انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي، بما في ذلك الهجمات العشوائية وغير المتناسبة على المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان والمرافق الصحية والمواقع الأثرية، فضلاً عن تعرض المئات للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في مختلف أنحاء البلاد.
لقد تسببت الأطراف المتحاربة في الإضرار بالبنية التحتية، وأدت جائحة كوفيد-19 إلى مفاقمة معاناة ملايين المدنيين الذين صاروا أكثر عرضة للخطر. كما لقي مئات اليمنيين حتفهم جرّاء تفشي الجائحة في جميع أنحاء اليمن. ومع ارتفاع أعداد الحالات المصابة بكوفيد-19 والكوليرا بين السكان اليمنيين؛ تضاعفت الأعباء الملقاة على عاتق المرافق الصحية في البلاد التي تفتقر بالفعل للبنية التحتية الملائمة والإمدادات الطبية، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى مناشدة المجتمع الدولي جمع الأموال من أجل اليمن الذي بات مرة أخرى على حافة المجاعة.
منذ مستهل هذا العام، أُجبر أكثر من 80 ألف يمنيًا على الفرار من منازلهم. بينما تستمر الكوليرا في تهديد الأرواح، حيث أصيب خلال العام الجاري نحو 110 ألف شخصًا بالمرض حتى الآن، وتسببت الفيضانات الأخيرة في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض أخرى.[2] وبحسب اليونيسيف 6600 طفلاً في اليمن، دون الخامسة، مهددين بنهاية هذا العام بالإصابة ببعض الأمراض التي تحتاج الوقاية منها لتطعيمات ضرورية .[3]
في يونية 2020، أعلن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات عن وقف إطلاق النار بعد نداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لوقف القتال في ظل تفشي الجائحة. ورغم ذلك، تم استئناف النزاع المسلح والأعمال العدائية، بما في ذلك قتل وإيذاء المدنيين.
لقد تورطت كل أطراف النزاع في اليمن في جرائم الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب بحق المعارضين والأشخاص الذين اعتبروهم تابعين أو داعمين لخصومهم، وذلك في سبيل فرض السلطة على المناطق الخاضعة لسيطرتهم. فمنذ 2016، وثقت منظمة مواطنة· لحقوق الإنسان[4] 1605 جريمة احتجاز تعسفي، و770 جريمة اختفاء قسري، و344 جريمة تعذيب، بما في ذلك مقتل 66 شخصًا في مراكز الاحتجاز، في جميع أنحاء اليمن. ناهيك عن ظروف الاحتجاز في اليمن شديدة السوء، فمراكز الاحتجاز متكدسة وغير صحية، وباتت بؤر لانتشار الأمراض المعدية.
في هذا السياق، تعرض العديد من النشطاء والصحفيين والمحامين ومجموعات الأقليات الدينية والمدافعين عن حقوق الإنسان في اليمن إلى الاعتقالات والمضايقات والعنف الموجه والترهيب، فضلاً عن قيود شديدة على حقوقهم في التعبير والتجمع والحركة والحياة. ففي 2015، اعتقلت جماعة أنصار الله (الحوثي) عشرة صحفيين يمنيين، وحُكم على أربعة منهم بالإعدام في 11 أبريل 2020. وقد صدرت تلك الأحكام في سياق استمرار الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري للصحفيين المتهمين بـ “التعاون” مع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات. ووفقًا لقرار الاتهام الصادر عن النيابة العامة فإن الصحفيين العشرة متهمين بـ “إذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة ومغرضة ودعاية مثيرة، وإنشاء وإدارة عدة مواقع وصفحات على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، تنشر الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة المغرضة المؤيدة لجرائم التحالف بقيادة السعودية.
في أبريل 2020، أكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان أن الصحفيين في اليمن “يتعرضوا للهجوم من جميع الجهات، بما في ذلك تعرضهم للقتل والضرب والإخفاء، والمضايقات والتهديدات، فضلاً عن انهم يُسجنون ويُحكم عليهم بالإعدام لمجرد مساعيهم تسليط الضوء على وحشية هذه الأزمة.” كما دعت المفوضة السامية صراحة جميع أطراف النزاع إلى إطلاق سراح الصحفيين وفتح تحقيقات في الجرائم المرتكبة بحقهم، كما أكدت أن “الضحايا وعائلاتهم لهم الحق في العدالة والحقيقة والحصول على تعويضات.”[5]
ويُعتبر فريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين بمثابة آلية التحقيق المستقلة الوحيدة غير المنحازة المتاحة حاليًا في اليمن، وقد أنشأها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 2017. وفي قراره رقم A/HRC/RES/42/2 لسنة 2019، كلّف مجلس حقوق الإنسان فريق الخبراء بـ “مراقبة والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في اليمن، وفتح تحقيقات شاملة في كل الانتهاكات والتجاوزات المزعومة لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الدولي الإنساني المرتكبة من جميع أطراف النزاع منذ سبتمبر 2014، […] وذلك لتحديد الوقائع والظروف المحيطة بالانتهاكات والتجاوزات المزعومة، وتحديد المسئولين عنها حيثما أمكن”. كما أوكل المجلس لفريق الخبراء مهمة “تقديم إرشادات لتحقيق العدالة والمحاسبة والمصالحة وجبر الضرر، بشكل متناسب” بالإضافة إلى تقديم “الدعم للجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتعزيز المحاسبة على انتهاكات وخروقات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني في اليمن”.
وبينما تواصل الأطراف المتحاربة ارتكاب الانتهاكات في ظل إفلات تام من العقاب؛ فإن الجلسة الـ 45 المقبلة يجب أن تركز على المحاسبة وإنصاف ضحايا النزاع في اليمن. وخاصة أن التقرير الثاني لفريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين يتضمن تفاصيل العديد من الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة، بما في ذلك انتهاكات تصل حد جرائم الحرب، ارتكبتها أطراف النزاع خلال السنوات الخمس الماضية. وقد فحص التقرير الهجمات العشوائية وغير المتناسبة، واستخدام الألغام المضادة ضد الأفراد، والقتل والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، وتجنيد الأطفال، والعنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي، وعرقلة الوصول للمساعدات الإنسانية، وذلك من بين انتهاكات أخرى.
وفي تقريره المقدم لمجلس حقوق الإنسان في 2019، حمّل فريق الخبراء الأطراف المتحاربة المسئولية عن “الوضع الإنساني الكارثي” – مشيرًا إلى الهجمات على البنية التحتية المدنية الحيوية، والحصار والحرب الشبيهة بالحصار وعرقلة الوصول للمساعدات الإنسانية. كما سلّط فريق الخبراء الضوء على “تفشي الافتقار للمحاسبة”، في ظل عدم توافر الإرادة أو القدرة لدى الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والحكومة اليمنية، على إجراء عمليات محاسبة تحظى بالمصداقية. كما شدد فريق الخبراء على أن “خيارات المحاسبة الموثوقة والقابلة للتنفيذ قليلة. وأن عملية محاسبة شاملة وحقيقية ستكون جوهرية لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن على المدى الطويل. وتعتبر خطوات جمع الأدلة والحفاظ عليها أساسية لتمهيد الطريق لمثل تلك العملية”. وفي ضوء المذكور آنفًا، فإن المنظمات الموقعة أدناه تحث الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان على ما يلي:
- تمديد وتعزيز ولاية فريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين خلال الجلسة الـ 45 المقبلة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وضمان الجهود الملموسة للمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في اليمن.
- دعم ولاية فريق الخبراء البارزين في جمع وتعزيز وتحليل وحفظ الأدلة على الانتهاكات الجسيمة المزعومة وانتهاكات حقوق الإنسان، والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، والجرائم الدولية المرتكبة في اليمن منذ 2014.
- تزويد فريق الخبراء وأمانته بالدعم والموارد والميزانية الضرورية؛ لمواصلة وتوسيع نطاق عمل الفريق في توثيق الانتهاكات، وجمع وتعزيز وتحليل وحفظ الأدلة، وتحديد هوية مرتكبي الانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية.
- ضمان عدم تأثر عمل فريق الخبراء بالفجوات في التمويل في سياق الانتهاكات المتواصلة على الأرض.
- ضمان مشاركة نتائج عمل فريق الخبراء مع هيئات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
[1] تلقى الأمين العام هذه المداخلة الكتابية في 20 أغسطس 2020 وتم توزيعها وفقًا لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1996/3، ويتم إصدارها كما وردت باللغة أو اللغات التي تم تقديمها بها.
[2] اليمن تتشبث بخيط رفيع: الأمين العام للأمم المتحدة يطالب بتمويل لمواجهة الأزمة الإنسانية الهائلة، أخبار الأمم المتحدة. متاح بالإنجليزية على الرابط: https://news.un.org/en/story/2020/06/1065292
[3] اليمن: ملايين الأطفال يواجهون جوعًا مميتًا وسط نقص في المساعدات ووباء كوفيد -19، أخبار الأمم المتحدة. متاح بالإنجليزية على الرابط: https://news.un.org/en/story/2020/06/1067082?utm_source=UN+News+-+Newsletter&utm_campaign=ea02e3c905-EMAIL_CAMPAIGN_2020_06_27_12_15&utm_medium=email&utm_term=0_fdbf1af606-ea02e3c905-107020005
- تشارك منظمة مواطنة لحقوق الإنسان بالمعلومات في هذه المداخلة، وهي منظمة غير حكومية لا تتمتع بالوضع الاستشاري.
[4] في الظلام، مواطنة لحقوق الإنسان، يونيو 2020. متاح بالإنجليزية على الرابط: https://mwatana.org/en/in-the-darkness/
[5] بيشيليت: الصحفيين في اليمن يتعرضون للهجوم من جميع الجهات، 6 أغسطس 2020. متاح بالإنجليزية على الرابط: https://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=26152&LangID=E
الصورة: رويترز / خالد عبدالله
Share this Post