بقلم: أمينة خيري
يعتبر البعض حقوق الإنسان والكلام فيها رفاهية وترفاً، آخرون يجزمون بأنها مفهوم غربي يعضد من الإمبريالية الغربية، بل ويهدف إلى تقويض شوكة الشباب العربي. وفريق ثالث يرى أن افتقادها هو سبب البلاء وان السبيل الوحيد ليلحق شباب هذا الركن من العالم بركب الإنسانية والتقدم هو اعتناقها والإيمان بها ومعرفة السبل المثلى إلى المطالبة بها ونيلها.
مجموعة من الشباب والشابات شاركوا قبل أسابيع في دورة تدريبية في مركز حقوقي في وسط القاهرة. بعضهم التحق بالدورة ظناً منه أن الخبرة التي سيضيفها إلى سيرته الذاتية ستضمن له فرصة الحصول على وظيفة ما. البعض الآخر اعتبرها مناسبة لمعرفة جوانب ثقافية وفكرية لم يحدث أن واجهها مباشرة في حياته التعليمية أو الاجتماعية أو حتى الأسرية. ومنهم من جاء إلى الدورة وهو يعرف تماماً النتيجة التي سيجنيها أي التعرف الى حقوقه كإنسان وكيفية ضمانها.
وعلى رغم أنها الدورة الـ14 التي تعقد للعام الـ14 على التوالي ضمن برنامج «الدورة الطلابية لشباب الجامعات المصرية والعربية»، إلا أنها كانت مختلفة بكل المقاييس. أربعون شاباً وشابة – أكبرهم في الـ26 من عمره – من مختلف الشرائح الاجتماعية والتعليمية والدينية والفكرية اجتمعوا في قاعة واحدة لمدة ثلاثة أسابيع ليتدربوا على كيفية المطالبة بحقوقهم.
في دورة «فن المطالبة بالحق»، دخلت مجموعة الشباب بأفكار وآراء ونظريات وأنماط ذهنية وخرجت بثوب جديد أقرب ما يكون إلى «نيو لوك فكري» يواجهون به الحياة بقدر أكبر من الثقة والمعرفة والتقبل للآخر، وهذه الأخيرة هي مربط الفرس الذي يتسبب في الكثير من محدودية الأفق والتطرف والانعزال تحت راية «وحدنا على صواب وكل من كان مختلفًا عنا في الجنس واللون والدين والفكر والانتماء مخطئ».
مسؤولة برنامج «تعلم حقوق الإنسان» في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (الجهة المنظمة للدورة) زهرة رضوان (24 عاماً) تقول إنه روعي في اختيار المتدربين أن يمثلوا مختلف التيارات والانتماءات، تقول: «حاولنا أن يكون الـ40 شاباً وشابة خليطًا من الأديان والثقافات والقدرات على تقبل الآخر وأيضاً رفضه. والأهم أننا أقمنا توازناً بين شباب شعرنا بأنهم يتمتعون بقدر من التسامح وآخرين يفتقدونه تماماً حتى تكون الفائدة أعم وأشمل».
وهل هناك أعم وأشمل من دورة تدريبية تضم شباباً من الجنسين بينهم المسلم الأصولي والمسلم المعتدل والمسيحي المتطرف وزميله الوسطي وأيضاً البهائي؟ وجود شباب مصريين من البهائيين في الدورة كان بمثابة صدمة أولية لعدد من المشاركين. يقول رامي رؤوف (20 سنة) الطالب في كلية الحاسبات في جامعة المنيا: «قال أحدهم معلومة غير دقيقة عن البهائية فصححتها له فاكتشف الجميع أنني بهائي، وعلى رغم رد الفعل المتعجب في البداية، إلا أنني لم أتعرض لأي تمييز، بل أصبح الجميع أصدقائي».
تحول الذهول إلى صداقة هو عين النجاح في دورة كهذه. تقول رضوان: «همنا هو تغيير الصور النمطية والأفكار المسبقة العالقة في الأذهان. قلنا للمتدربين منذ اليوم الأول انسوا أنكم على الأرض، ودعونا نحلق في الفضاء». مهمتنا كانت خلق ثقافة تقبل الآخر، وليس بالضرورة التطابق معه في الأفكار والاتجاهات وذلك من دون التعدي على معتقداته وأفكاره».
محمد طلبة (26 سنة) خريج كلية العلوم وحركة «كفاية» التي تقلص نشاطها في شكل ملحوظ أخيراً يحكي كيف أن رد فعل والدته الأولي على مشاركته في هذه الدورة الحقوقية كان «حقوق إنسان إيه يا ابني؟!»، وهو ما تحول إلى أسئلة محددة على شاكلة «طيب هما هيشغلوك؟».. «وبتعمل كدة ليه؟» وهي الأسئلة التي طرحها عليه أصدقاؤه كذلك الذين تبنوا المنهج الاستنكاري نفسه. وعلى رغم أن أهل محمد وعلى رأسهم والدته لم يتزعزع، إلا أن كثيراً من النقاش والتعرف إلى الثقافة التي اكتسبها والنشاط الذي يقوم به محمد حولت استنكار أصدقائه لمنهجه الحقوقي إلى قبول، بل وإعجاب، وهنا يقبع دليل نجاح آخر لمثل هذه الدورات. يقول محمد: «يقوم كل منا بتعريف محيطه من الأصدقاء والمعارف والأهل والجيران بمعنى حقوق الإنسان، وهي الخطوة المهمة لنشر الثقافة الحقوقية ونفض غبار التفاهة والرفاهية الملتصق بها».
وعلى رغم تخمة الأجندة الحقوقية المثبتة في ذهن كل منهم، وعلى رغم تأكيدهم أن الحقوق لا تتجزأ، حدد كل منهم قضية حقوقية بعينها تشغل باله في شكل واضح، فبالنسبة الى محمد: «الهيمنة الأمنية على كل مناحي الحياة تشغلني وتقلقني كثيراً، فقد أدت إلى ابتعاد الناس عن التحدث أو حتى التفكير في حقوقهم، وهو ما أدى بدوره إلى شيوع ثقافة «المشي جنب الحائط» لضمان السلامة». أما رامي فقال إن مسألة المواطنة تهمه جداً… «نحتاج إلى نشر الوعي وثقافة المواطنة في شكل عاجل، على كل مواطن مصري أن يفهم معنى المواطنة حتى تستقيم أمور هذا البلد».
من جهة أخرى، يشير رامي رؤوف إلى حالة الخوف التي تعم الجميع، «الخوف من السجن، الخوف من الكلام، الخوف من التحرك وكل ذلك بسبب الأطر التعليمية والدينية والتربوية التي ننشأ عليها، وكانت النتيجة أننا بعد ما كنا نفكر ولا نعبر عن ما نفكر فيه، أصبحنا لا نفكر من الأصل».
أما زهرة رضوان فتقول: «لو نجحنا في حل إشكالية تقبل الآخر، فإن ذلك سيتيح لنا حل الكثير من المعضلات الحقوقية».
الطريف أن مشكلة واحدة ظهرت جلية في الأيام الأولى من الدورة، وهي عدم وجود ثقافة الاستماع. تقول زهرة: «لاحظنا ظاهرة غريبة جداً وهي أن كثيرين لا يستمعون إلى ما يقال، وأن نقاشات عدة تدور ويكون الهدف الأوحد للمتناقشين التفوه بآرائهم من دون تكبد عناء الاستماع الى الأطراف الأخرى حتى لو كانت تردد الكلام والمواقف ذاتها، لذلك بادرنا إلى إضافة محاضرة عن فن الاستماع بعدها أصبح الجميع أكثر قدرة على الاستماع ومن ثم الاستفادة والإفادة».
وحتى تكون الاستفادة والإفادة مستمرتين بعد انتهاء الدورة، فكرت المجموعة في ترسيخ ما تعلمته والتواصل مع بعضها بعضاً مع توسيع قاعدة المستفيدين في شكل مستمر، فخرجت منظومة كاملة اسمها «م الآخر» أي «من الآخر» إلى النور. تشتمل هذه المنظومة على نشرة مطبوعة تحوي كتابات وآراء وأخبار ورسوم أعضاء المجموعة، وهي النسخة التي أنجزوها من الألف إلى الياء وخرج العدد الأول إلى النور قبل أيام، وتحمل اسم «م الآخر». وبما أننا في عصر تقنية المعلومات، فقد دعمت المجموعة النشرة الورقية بمدونة إلكترونية تحمل الاسم نفسه حيث المجال المفتوح للكتابة والتعليق والاطلاع على النسخة الإلكترونية من النشرة.
أما كيف يقدمون أنفسهم؟ فهكذا. «م الآخر احنا شباب مختلفين ومتنوعين، شباب بحقوق الإنسان مقتنعين، بإشكاليات مجتمعنا ونقاط ضعفنا مستوعبين، بمشاكلنا وأزمتنا معترفين، فاهمين وعارفين ومش خايفين، م الآخر المستقبل ف ايدينا وهانحسنه بينا ولينا، إحنا والباقيين. شباب + قاعدة حقوقية واحدة – تعصب وكره = م الآخر».
Share this Post