يعرب الموقعون أدناه عن رفضهم واستيائهم البالغين إزاء الإجراءات التصعيدية التي تتخذها الحكومة وجهات التحقيق ضد منظمات المجتمع المدني، وخصوصًا المنظمات الحقوقية المصرية؛ إذ ترى المنظمات الموقعة أن الهدف من تلك الإجراءات هو القضاء على العمل الحقوقي في مصر بشكل بطيء، وبخطوات يتخذ بعضها نهجًا قضائيًا بأشكال قضائية تستند إلى قوانين قمعية. ويؤكد الموقعون أن استمرار ملاحقة منظمات المجتمع المدني في مصر يدحض كافة الادعاءات المتعلقة بالتحول الديمقراطي في مصر، والتي يتعين أن تكون تلك المنظمات في حجر الأساس منها.
تستمر محاولات قمع هذه المنظمات من خلال أدوات قانونية وإجراءات قضائية، تستند إلى القانون الاستبدادي 84 لسنة 2002 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية. فبعد ترهيب منظمات المجتمع المدني ومنها منظمات حقوق الإنسان، والذي بدأ بإعلان وزارة التضامن الاجتماعي بتاريخ 18 يوليو 2014 وإعطاء مهلة حتى 10 نوفمبر للتسجيل الإجباري تحت مظلة قانون قمعي، واستمر ليشمل تهديدات لبعض المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان بالسجن والقتل أحيانًا، الأمر الذي دفع عددًا من أبرز المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان لمغادرة البلاد ودفع عدد من المنظمات والمراكز لتقليص عملها. طورت الحكومة هجومها على المنظمات الحقوقية بتكتيكات جديدة؛ استكمالًا لجهودها في القضاء على كافة الأصوات النقدية أو تلك التي تقدم رؤىً مغايرة لرؤية الإدارة الحاكمة.
فقد تقرر مؤخرًا إعادة فتح التحقيقات في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي بهدف إقصاء ما تبقى من منظمات المجتمع المدني. فقد قرر قاضي التحقيق مؤخرًا منع قيادي بالمعهد المصري الديمقراطي من السفر، لينضم بذلك لثلاثة آخرين من المركز نفسه كان قد تم منعهم من السفر في شهر ديسمبر الماضي. كما أمر قاضي التحقيق بانتداب لجنة فنية من وزارة التضامن الاجتماعي لفحص أوراق وملفات المعهد لتوضيح ما إذا كان يعمل في مجال الجمعيات الأهلية دون أن يكون مسجلًا كجمعية أهلية تحت مظلة القانون ٨٤ لسنة، ٢٠٠٢ بالإضافة إلى فحص أوراق أخرى تتصل بتمويل المعهد –بحسب نص قرار الندب. مما يجعل من المرجح أن تقوم الحكومة بإجراءات تصعيدية أكثر خطورة مما تم اتخاذها في ديسمبر ٢٠١١ تجاه منظمات المجتمع المدني الدولية، والتي تم على إثرها إصدار أحكام تراوحت من عام مع إيقاف التنفيذ إلى السجن لخمس سنوات بحق ٤٣ موظف مصري وأجنبي بتلك المنظمات.
وكانت المنظمات الحقوقية المصرية قد طالبت المجلس الأعلى للقضاء في وقت سابق بضرورة انخراطه بالتحقيق في كل مراحل هذه القضية، بدءً من كيفية اختيار أسماء بعينها كقضاة للتحقيق في القضية، والتسريب الإعلامي “المتعمد” لمعلومات مغلوطة، أو صحيحة، أو منتزعة من سياقها، من ملف التحقيقات التي يفترض سريتها، وهو الأمر الذي جرى توظيفه في تسويق حملات تشهير بالمتهمين وبالمنظمات الحقوقية، ومحاصرتها باتهامات –نسبت إلى قضاة التحقيق أو مصادر قضائية– تصل إلى حد التآمر على استقرار البلاد، وتوظيف العاطفة الوطنية لتأجيج حملة شعواء على منظمات حقوق الإنسان، لمعاقبتها على دورها في فضح جرائم حقوق الإنسان.
ويعد قرار منع السفر وفتح باب التحقيقات بمثابة تطبيق “عملي” للإعلان الذي سبق ونشرته وزارة التضامن في يوليو 2014 –وكان محل اعتراض العديد من المنظمات الأهلية– والذي يجبر المنظمات على توفيق أوضاعها والتسجيل تحت قانون قمعي تعهدت الوزارة نفسها أكثر من مرة بتعديله، وإلا تم حلهم ووقف نشاطهم، علمًا بأن المعهد المصري الديمقراطي كان قد استجاب لهذا الإعلان وسجل أنشطته وفقًا لقانون الجمعيات الأهلية، مما يجعلنا نتشكك في أن الهدف من إعلان وزارة التضامن المذكور لم يكن سوى إشارة البدء لسلسلة من التصفيات تشمل منظمات المجتمع المدني، وتتوقع المنظمات الموقعة أن يمتد هذا الإجراء ليشمل عددًا آخرًا من المنظمات الحقوقية المسجلة وغير المسجلة.
يأتي هذا في الوقت الذي ترفض فيه وزارة التضامن الاجتماعي إشهار عدد من المنظمات التي قررت التسجيل وفقًا لأحكام القانون ٨٤ لسنة ٢٠٠٢. إذ رفضت وزارة التضامن الاجتماعي تسجيل مؤسسة ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري دون إبداء أسباب، الأمر الذي دفع بالمؤسسة إلى الطعن على قرار الرفض أمام القضاء الإداري ولازالت القضية متداولة. كما تجاهلت الوزارة الرد على طلب مؤسسة الحركة المصرية للحقوق والحريات بالتسجيل تحت مظلة القانون، رغم مرور 60 يوم على تقديم طلب التسجيل الأمر الذي عطل أنشطة المؤسسة، وحسب أحد المؤسسين يأتي هذا التعنت في الرد على طلب إشهار الجمعية على خلفية اعتراض غير مسبب للجهات الأمنية، كما رفضت وزارة التضامن الاجتماعي طلب تسجيل باسم المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، وطلبت من وكيل المؤسسين تغيير الاسم، بحجة أن المنظمة ستباشر عملها في مصر وليس “العالم العربي”! كما أن القضاء مستقل وفقًا للدستور المصري، وقد اقترحت الوزارة عددًا من الأسماء الأخرى على وكيل المؤسسين ليتمكن من الإشهار.
ولم تتوقف الإجراءات هذا الحد، وإنما امتد الأمر لمحاصرة منظمات عاملة وتلفيق اتهامات للمدافعين وملاحقاتهم قضائيًا وأمنيًا. ففي مطلع إبريل 2015، حاولت المفوضية المصرية للحقوق والحريات عقد مؤتمر حول مستقبل العدالة في مصر، وبعدما رفض عدد من الفنادق استضافته، تم الاتفاق مع أحد الفنادق على عقد الفاعلية به، إلا أن الفندق اعتذر للمفوضية قبل يومين فقط من الفاعلية بعد اعتراض جهات الأمن على المؤتمر.
وفي ٤ إبريل اقتحمت قوة من مباحث المصنفات الفنية مصحوبة بقوة من قسم شرطة السيدة زينب مقر راديو حريتنا، وألقت القبض على أحمد سميح مدير الراديو ومدير مركز أندلس لدراسات التسامح، بعد سؤاله عن كيفية صياغة الأخبار والمحتوى الخبري للراديو، وما إذا كان الراديو تابع لأية مجموعات أو قوى سياسية. وبالرغم من تقديم سميح لكافة المستندات التي تثبت عدم صحة الاتهامات الموجهة إليه، إلا أن النيابة قررت حبسه حتى صباح اليوم التالي لحين ورود تحريات المباحث، ثم أخلت سبيله بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه، بعد أن وجهت له خمس اتهامات من بينها، بث محتوى مرئي ومسموع دون تصريح من الجهات المختصة، وإدارة منشأة دون الحصول على ترخيص.
فيما مازالت قضية المدافعة الحقوقية عزة سليمان –الشاهدة على قتل قوات الشرطة للمدافعة عن حقوق الإنسان شيماء الصباغ في 24 يناير 2015– منظورة أمام المحكمة، بعدما وجه لها وكيل النيابة تهمة المشاركة في تظاهرة بدون تصريح ضمن جملة اتهامات أخرى، رغم أنها توجهت للنيابة متطوعة للإدلاء بشهادتها حول التظاهرة التي تواجدت مصادفةً قريبة منها وقت محاولة قوات الأمن فضها بالقوة.
هذه الأساليب وغيرها تفضح ادعاءات الحكومة الحالية حول دعم المجتمع المدني، فبينما تطالبه بالتسجيل تحت مظلة قانونها القمعي، تتعنت في قبول أوراق المنظمات الراغبة في التسجيل وترفض بعضها، بل وتتخذ إجراءات تصعيدية ضد منظمات قامت فعلًا بالتسجيل، الذي أصبح مبرِّرًا للتدخل في كافة شئونها وأنشطتها ومنع موظفيها من السفر. يأتي هذا في الوقت الذي ترفض فيه الوزارة الحوار مع المجتمع المدني حول تعديل القانون الحالي، رغم تلقيها دعوات للحوار من المجتمع المدني، وتعهدها في تصريحات إعلامية بالامتثال للدعوة تحت مظلة المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وتعتبر المنظمات الموقعة أن تلك الخطوات التصعيدية تكشف بجلاء رغبة الحكومة في التخلص من العمل الحقوقي في مصر عن طريق التخلص من منظماته أو ملاحقة كوادره، بصفتهم أحد الفاعلين في المجال العام ومقاومة المحاولات المستمرة لإغلاقه. وأن وضع قانون جديد وجلسات الحوار أبعد ما تكون عن أهداف الحكومة، التي فضلت ملاحقة من يعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي يتعين على المنظمات تكثيف جهودها للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان بشكل غير مسبوق –كمًا ونوعًا.
إن الإجراءات التي تتخذها الحكومة تجاه المنظمات والمدافعين تستند على تحقيقات شهدت العديد من الخروقات، وقوانين قمعية، تضرب بعرض الحائط التوصيات الأممية التي قبلتها مصر ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الأمم المتحدة في مارس الماضي، مثلما تحنث بكافة الضمانات التي كفلها دستور ٢٠١٤ بانتهاكات متكررة لمواد الحقوق والحريات الواردة فيه.
إن المنظمات الموقعة على هذه البيان إذ تبدي انزعاجها من الخطوات التصعيدية التي تشهدها القضية المعروفة باسم قضية التمويل الأجنبي وسعي الحكومة لتطبيق مهلة 10 نوفمبر واتخاذ إجراءات قضائية ضد المنظمات، فضلًا عن ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان، فتطالب المنظمات بما يلي:
- إلغاء قرارات المنع من السفر التي اتخذت في حق المدافعين عن حقوق الإنسان من نشطاء المعهد المصري الديمقراطي وغيرهم ممن قد يكون صدر في حقهم قرارات مماثلة لم يُعلَن عنها بعد. ونطالب أيضًا بإسقاط التهم الموجهة التي تستهدف أفراد الناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان مثل عزة سليمان وأحمد سميح.
- حفظ قضية التمويل الأجنبي، التي ليست في جوهرها سوى غطاء لحملة سياسية أمنية شعواء بدأت في عام ٢٠١١ ضد المنظمات الحقوقية، انطلاقًا من مخالفات إدارية محتملة، كان يجب أن تُحل بعيدًا عن القضاء وعن الحملات الإعلامية الموجهة أمنيًا.
- أنت تلتزم الحكومة المصرية بأحكام الدستور ومنها المادة٧٥ والمتعلقة بحرية تكوين الجمعيات الأهلية وبالمادة 93 التي تقضي بالتزام الحكومة بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر ويكون لها قوة التشريع الوطني.
- أن تلتزم الحكومة بتعهداتها أثناء قبولها لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل في مارس 2015 وأن تتوقف عن مضايقاتها وملاحقاتها لمنظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وأخيرًا، نعتقد أنه لا يوجد سبيل لإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور بالبلاد بتسليط الجهود السياسية والأمنية على منظمات تسعى بالأساس لتعزيز الديمقراطية ودولة القانون بمصر. ولن يُسمح بتبرير فشل الأجهزة الأمنية في معالجة الوضع الأمني المتدهور بوجود منظمات تدعو إلى التسامح واحترام الأخر ومكافحة الفساد والاستبداد. إن طي هذه الصفحة من المواجهات والتحرشات بمنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني هو السبيل الوحيد إذا كانت أجهزة الدولة جادة في محاولة إخراج الدولة من أزماتها الحالية. إن حل أزمة المنظمات يقتضي من السلطة التنفيذية والبرلمان القادم أن يدرسا –بموضوعية– مشروع القانون الذي تقدمت به المنظمات الحقوقية من أجل تحرير العمل الأهلي، وضمان استقلالية المنظمات غير الحكومية، في إطار يضمن إعمال المعايير الدولية المعمول بها في البلدان الديمقراطية، والتي تشكل التزامًا على عاتق السلطات المصرية بموجب انضمامها للمواثيق الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وتوفر قواعد أساسية تضمن إعمال قواعد الشفافية والمحاسبة والمساءلة تجاه أية مخالفات تنسب للمنظمات التي تعمل في إطار هذا القانون.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مصريون ضد التمييز الديني
- نظرة للدراسات النسوية
- مركز هشام مبارك للقانون
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- مركز القاهرة للتنمية
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- المؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
- مركز الحقانية للمحاماة والقانون
- المعهد المصري الديمقراطي
- المركز المصري لدراسات السياسات العامة
- مركز حابي للحقوق البيئية
- مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
Share this Post