تكشف الملاحظة العامة، فضلاً عن تقارير الرصد التي أصدرتها المنظمات المعنية، بما في ذلك مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، عن أن أجهزة الإعلام المصرية، المسموعة والمرئية والمقروءة، قد دأبت على تغطية الانتخابات العامة، بشكل يفتقد عادة لكثير من التقاليد المهنية، وينحاز بشكل يكون أحيانًا مع أو ضد مرشحين بعينهم، طبقًا لموقف الأداة القائمة بالاتصال – سواء كانت صحيفة أو محطة إذاعية أو قناة تليفزيونية، وسواء كانت قومية أو حزبية أو خاصة – من الحزب الذي ينتمي إليه المرشح، أو منه هو نفسه.
ويشمل هذا الخروج عن التقاليد المهنية أشكالاً متعددة من الممارسة.. من بينها أن معظم الصحف القومية، دأبت على تجاهل النص الوارد في المادة (55) من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، الذي ينص على أنها صحف مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن جميع الأحزاب، وأنها منبر للحوار بين كل الآراء والاتجاهات السياسية، والقوى الفاعلة في المجتمع، وحرص المسئولون عن تحريرها على رسم سياساتها التحريرية، على أساس أنها صحف تنطق بلسان حزب الأغلبية، مما يدفعها ليس فقط للانحياز إلى مرشحيه، بل ويدفعها أحيانًا إلى شنّ حملات تشهير ضد من ينافسون هؤلاء المرشحين.
ومن الممارسات غير المهنية في هذا الصدد، أن قنوات التليفزيون ومحطات الإذاعة، المملوكة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، تمارس نفس الانحياز لمرشحي الحزب الحاكم، بشكل مباشر أحيانًا وبشكل غير مباشر في أحيان أخرى.
وخلال السنوات الأخيرة، حدثت تطورات إيجابية في منظومة الإعلام المصري، شملت إنشاء عدد من القنوات التليفزيونية الفضائية الخاصة، وإصدار عدد من الصحف الخاصة، واتساع هامش الحرية والاستقلالية في التغطيات الإعلامية لكثير من الظواهر، وانعكس هذا بشكل إيجابي نسبى على التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية والعامة التي جرت في عام 2005، فضلاً عن صدور قانون خاص لتنظيم الانتخابات الرئاسية هو القانون رقم 174 لسنة 2005 تضمن بعض الضوابط ذات الطبيعة المهنية، تتعلق بما يمكن أن تبثه أو تنشره وسائل الإعلام عن هذه الانتخابات.
لكن ذلك كله، لا ينفي أن الصحفيين المصريين، الذين يعملون في الصحف المكتوبة أو المرئية أو المسموعة، لا يزالون يفتقدون للتقاليد المهنية فيما يتعلق بتغطية الانتخابات العامة، لأسباب يعود بعضها إلى الإطار التشريعي الذي يحكم العملية الانتخابية، أو الإطار التشريعي الذي يحكم الصحافة نفسها، كما يعود إلى الممارسات العرفية في هذا الشأن، التي أصبحت لها قوة القانون، وفضلاً على عدم تراكم الخبرات لدى الذين يمارسون المهنة، حول التقاليد المهنية التي تحكم تغطية الحملات الانتخابية، فإن وسائط إعلامية مؤثرة، مثل التليفزيون والإذاعة وشبكة الإنترنت تكاد تفتقد لمدونات أخلاقية مهنية من الأساس.
ومع أن الصحافة المصرية، عرفت أول لائحة ملزمة لآداب المهنة عام 1946، بعد سنوات قليلة من صدور قانون إنشاء نقابة الصحفيين، وعرفت منذ ذلك الحين خمس لوائح، أو مواثيق شرف مهنية، صدر آخرها في عام 1996، وهو المعمول به الآن، إلا أن هذه المواثيق تتسم بالعمومية ولم تتطور بالقدر الذي يضيف إليها مواثيق شرف نوعية تتعلق بأدبيات النشر عن المجالات المتخصصة المختلفة: من أدبيات نشر الخبر، إلى أدبيات النشر عن الجريمة، ومن أدبيات التعامل مع المصادر، إلى أدبيات نشر الإعلان، ومن أدبيات نشر المحاكمات، إلى أدبيات تغطية الحملات الانتخابية.
وإذا كان لا مفر من التسليم بأن التزام الصحفيين بأدبيات المهنة بشكل كامل يتطلب إزالة كل العقبات القانونية والعرفية التي تقف أمام حرية الصحافة، كما يتطلب- كذلك- إزالة الأوضاع العرفية والقانونية، التي تسمح بالتدخل في نزاهة العملية الانتخابية، إلا أن وجود هذه الأوضاع، ليس مبررًا لكي يتحلل الصحفيون من الالتزام بتقاليد مهنتهم وأدبياتها، وإزالتها ليست شرطًا لهذا الالتزام.
وفي هذا السياق، تأتى هذه المحاولة لصياغة مشروع لمدونة أخلاقية مهنية نوعية عن أدبيات التغطية الإعلامية للانتخابات العامة.
وهى تستند إلى ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، من نصوص ذات صلة بالموضوع، وإلى تطبيق القواعد المهنية العامة التي تضمنها ميثاق الشرف الصحفي على الحالة الانتخابية، وإلى ما ورد بالقوانين المنظمة للانتخابات وللصحافة، وإلى التقاليد المهنية المعمول بها في البلاد الديمقراطية، وإلى نتائج رصد الأخطاء التي وقعت فيها الصحف المصرية، في تغطيتها للانتخابات العامة.
Share this Post