نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حلقة نقاشية حول الموقف من مقترحات الحكومة وحزبها لتعديل قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977. وانطلقت المناقشات -التي شارك فيها عدد من السياسيين والحقوقيين وأساتذة القانون والصحفيين- من الاتفاق على التوجهات العامة التي تضمنتها ورقة العمل التي أعدها عصام الدين محمد حسن الباحث بمركز القاهرة.وشارك في التعقيب عليها بصفة أساسية كل من د. جابر جاد نصار مدير مركز حقوق الإنسان بكلية الحقوق، حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع، د. عبد المنعم أبو الفتوح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، د. وحيد عبد المجيد مساعد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وأدار الحوار صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة.
وأظهرت المناقشات الاتفاق العام مع ما ذهبت إليه الورقة من رفض المحاولات الحكومية لترقيع القانون والاحتفاظ بهيكله الأساسي وفلسفته التي كرست نظام الحزب الواحد، وإن كان في قالب تعددي شكلي.
وأوضح عصام حسن أن التعديلات ذات طابع شكلي وبعضها ينطوي على مزيد من القيود على حرية العمل الحزبي مثل رفع نصاب المؤسسين للحزب من 50 عضو إلى 1000 عضو، وحصر حق الأحزاب في إصدار الصحف دون ترخيص في صحيفتين فقط، وتوسيع صلاحيات لجنة شئون الأحزاب التي يسيطر عليها الحزب الحاكم، بما يتيح لها حق التدخل في الحياة الداخلية للأحزاب.
واتفقت آراء معظم المتحدثين بما في ذلك عبد المنعم أبو الفتوح ممثل الإخوان المسلمين على أن أي قانون للأحزاب ينبغي أن يقر بأن تنشأ الأحزاب، دون رقابة أو ترخيص مسبق اكتفاء بالإخطار وهو الوضع الذي كان سائدا قبل يوليو 1952، وعلى أن تشمل الضوابط على إنشاء أي حزب حظر إقامة أحزاب دينية أو ذات تشكيلات عسكرية، وعلى ضرورة أن تلتزم الأحزاب في برامجها بتدعيم أسس الدولة المدنية وحقوق المواطنة ومقومات المجتمع الديمقراطي، وتعزيز حقوق الإنسان، كما أكدت على أن القضاء الطبيعي وحده هو صاحب الاختصاص في الرقابة على الأحزاب، وضرورة أن ينص القانون بشكل واضح ومفصل على حق الأحزاب في ممارسة أنشطتها، بما في ذلك حقها في تنظيم المسيرات وعقد المؤتمرات الجماهيرية خارج حدود مقارها. وشددت على ما ذهبت إليه ورقة العمل من أن الشعب وحده هو الذي يقرر ما إذا كان الحزب يمثل إضافة سياسية أم لا، وذلك عبر مناصرة أو الانصراف عن هذا الحزب أو ذاك.
كما انحازت المناقشات إلى ضرورة إلغاء ما يتضمنه قانون الأحزاب من عقوبات اكتفاء بنصوص قانون العقوبات، مع التأكيد على أن الكثير من هذه النصوص في حاجة إلى مراجعة شاملة للحيلولة دون توظيفها في تكبيل الحقوق والحريات العامة.
وبينما تحفظ بعض المتحدثين على مبدأ تدعيم الأحزاب ماليا من قبل الدولة، فقد أكد آخرون أن من واجب الدولة أن تدعم الحياة الحزبية، ولكن على أسس ومعايير موضوعية واقترح في هذا الصدد أن يكون توزيع المبالغ المخصصة لدعم الأحزاب من الدولة مرهونا بما يحصل عليه كل حزب من أصوات في الانتخابات العامة، أو بما يقدمه من مرشحين لهذه الانتخابات، وإن كان ذلك سيظل مرتبطا بنظام انتخابي يكفل تكافؤ الفرص والحيدة والنزاهة.
وشدد د. وحيد عبد المجيد في هذا السياق على ضرورة وجود هيئة مستقلة ودائمة للإشراف على الانتخابات وتنظيم الحياة السياسية بشكل عام تخضع لرقابة القضاء على غرار التجربة الهندية، مشيرا إلى أن هذه الهيئة يتاح لها أيضا مراقبة الديمقراطية داخل الأحزاب. كما لفت النظر إلى أن المخاوف التي تثار بشأن الانقلاب على الديمقراطية من قبل الأحزاب الدينية أو أية أحزاب أخرى يمكن أن تصل للحكم بالأغلبية يقتضي إعمال مبدأ التفويض الانتخابي المؤقت والمشروط وبموجبه لا يجوز إدخال تعديلات جوهرية على الدستور الديمقراطي، إلا بتوفر أغلبية ساحقة. وأضاف صلاح عيسى في هذا الإطار أنه يمكن الأخذ بما ذهبت إليه بعض الدساتير الديمقراطية من حظر إدخال تعديلات دستورية لفترات زمنية طويلة على أقسام الدستور المتعلقة ببنية النظام السياسي والحقوق والحريات العامة.
وأعرب بعض المتحدثين عن تشاؤمهم من جدوى الدخول في إصلاحات جزئية لهذا القانون أو ذاك. وشدد د. جابر جاد نصار في هذا السياق على أن مؤسسات الحكم غير مؤهلة للإصلاح، مؤكدا على الحاجة إلى تغيير شامل عبر إصلاح دستوري وتشريعي متكامل يضع حدا للسلطات الواسعة لرئيس الجمهورية، ولتغوّل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية الملحقة بها. في حين اعتبر آخرون أن أية إصلاحات ولو جزئية توفر أساسا لإصلاحات أعمق طالما كانت جزءا من برنامج إصلاحي شامل يفترض أن تتوافق عليه القوى السياسية الديمقراطية، ويرتبط كذلك بدفع الحكومة وحزبها للحوار حوله ووضع توقيتات زمنية لتنفيذه.
ونفى حسين عبد الرازق أمين عام حزب التجمع ما روجت له الحكومة من أن التعديلات المقترحة على القانون قد نوقشت مع الأحزاب عبر الحوار الوطني، مشيرا إلى أن حزب التجمع، وإن كان لم يرفض القانون برمته إلا أنه تقدم بما لا يقل عن 12 تعديلا على نصوص القانون لم يؤخذ بها، وفي مقدمتها إلغاء لجنة شئون الأحزاب السياسية وصلاحياتها بصورة إجمالية، بحيث تصبح الرقابة على الأحزاب من اختصاص القضاء الطبيعي وحده ممثلا في القضاء الإداري بدرجتيه، إلى جانب رفع القيود على حق الأحزاب في استثمار مواردها المالية، واستبعاد كافة العبارات الإنشائية، التي يحفل بها القانون مثل مبادئ ثورتي يوليو ومايو والمكاسب الاشتراكية وتحالف قوى الشعب العامل والسلام الاجتماعي.
ومع ذلك فقد أثار بعض المتحدثين علامات استفهام على غياب موقف واضح ومعلن لمختلف أحزاب المعارضة من التعديلات المقترحة، الأمر الذي يبعث عل الشك في استعداد الأحزاب للتصدي بجدية لهذه التعديلات أو النضال من أجل قانون ديمقراطي.
ورغما عن هذا التوافق الواسع الذي سجلته الآراء بين المشاركين، سواء فيما يتعلق بالموقف من قانون الأحزاب، أو من قضية الإصلاح الديمقراطي برمتها، يبقى السؤال الذي طرحته ورقة العمل مطروحا ومفاده هل يقوى المتطلعون للحرية على استثمار الحالة التي يعيشها نظام مأزوم ومناخ يكشف إمكانات أرحب لتدشين ديناميات جديدة للحراك السياسي المجتمعي من أجل الإصلاح، أم يسود منطق الصفقات السياسية البائسة في الظلام بمعزل عن الرأي العام، والقبول بالبقاء الأبدي في إطار اللعب في الهوامش التي تحددها الحكومة؟
Share this Post